22-يوليو-2017

قرار المغرب بترسيم الحدود البحرية للصحراء هو الأول من نوعه منذ السبعينيات (Getty)

في خطوة مفاجئة قرر المغرب ترسيم حدوده البحرية قبالة سواحل الصحراء الغربية، وإدراج المجالات البحرية قبالة تلك السواحل في المنظومة القانونية المغربية، الأمر الذي أزعج جبهة البوليساريو وأثار حفيظة إسبانيا، ودفع للتساؤل عن أسبابه والآن تحديدًا بعد استرجاع المغرب لهذه المناطق منذ منتصف السبعينيات، وعن ماهية تداعيات هذا القرار على العلاقات مع إسبانيا.

الدوافع الرسمية

قبل أسابيع، صادقت الحكومة المغربية على مشاريع قوانين خاصة بتعيين حدود المياه الإقليمية. وقال الناطق باسم الحكومة مصطفى الخلفي، إن هذه القوانين تهدف إلى "إدماج المجالات البحرية قبالة سواحل الصحراء بشكل صريح في المنظومة القانونية الوطنية"، والدافع الرسمي وراء ذلك وفقًا للتصريحات الرسمية، هو "تثبيت الولاية القانونية للمغرب على هذه المجالات البحرية، وسد الباب أمام كل الادعاءات المشككة في كونها تدخل في نطاق السيادة المغربية".

لأوّل مرة منذ السبعينيات، وبشكل مفاجئ، يقرر المغرب ترسيم حدوده البحرية قبالة سواحل الصحراء

"هذا إجراء مهم"، هكذا تقول التصريحات المغربية الرسمية، مُشيرةً إلى أنّه "سيمكن من الملاءمة مع أحكام اتفاقية الأمم المتحدة حول قانون البحار، وسيُمكّن المغرب من إنجاز العمليات التقنية الخاصة بوضع خطوط الأساس الضرورية عرض البحر الإقليمي للمغرب، وعرض المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري، والتي تعتبر مرجعًا لها"، مُعتبرة أن هذه القوانين بمثابة "نص هام من الناحية السيادية والاستراتيجية والدبلوماسية الدولية للمغرب".

اقرأ/ي أيضًا: كيف أشعلت البوليساريو أزمةً جديدة بين المغرب وجنوب إفريقيا؟

والمقصود بالمياه الإقليمية، مياه البحار والمحيطات التي تمتلك دولةٌ ما حق السيادة عليها، وما يتضمنه ذلك من حقوق مثل: التحكم في الصيد والملاححة والشحن البحري واستثمار المصادر البحرية واستغلال الثروات المائية الطبيعية. وتحدد الحدود البحرية وفقًا للاتفاقيات الدولية.

تداعيات القرار

بمجرد أن أعلن المغرب عزمه ترسيم المياه الإقليمة بين الصحراء وجزر الكناري التي تقع تحت السيادة الإسبانية، أعلنت البوليساريو رفضها هذه الخطوة، واعتبرتها "خرقًا جسيمًا للقانون الدولي، وانتهاكًا واضحًا لقرار محكمة العدل الدولية لسنة 1975، وقرار محكمة العدل الأوروبية لسنة 2016، والقاضيين بأنّ الصحراء الغربية والمغرب إقليمان مختلفان ومنفصلان"، وذلك وفقًا لبيان البوليساريو، الذي وصف القرار المغربي بأنّه "عديم الأثر سياسيًا وقضائيًا على الصعيد الدولي".

ويرى مهتمون بهذا الشأن، أن هدف المغرب الحقيقي من وراء هذه الخطوة، هو فرض أمرٍ واقع في مقابل اتهامات البوليساريو له داخل أروقة المحاكمة الدولية، وذلك فيما يخص منتجات الصحراء، إذ يُعتبر غياب المياه المقابلة للسواحل الصحراوية عن التشريعات المغربية، مدخلًا محتملًا للطعن في "حق" المغرب في استغلال وتصدير ثروات المنطقة.

تطارد البوليساريو المغرب في المحاكم الدولية، وتمثلت آخر تلك المطاردات في حجز جنوب إفريقيا سفينة مغربية محملة بالفوسفات 

وكانت البوليساريو قد رفعت دعاوى قضائية ضد المغرب في محاكم دولية بأوروبا وجنوب إفريقيا، لوقف الاتفاقيات التجارية الشاملة على منتجات صحراوية، نتج عنها حجز جنوب إفريقيا سفينة مغربية محمّلة بالفوسفات مُؤخرًا.

اقرأ/ي أيضًا: رسميًا.. المغرب يُعلق اتصالاته مع الاتحاد الأوروبي

من جهة اُخرى ترفض إسبانيا القرار المغربي بترسيم حدود مياهها الإقليمية قبالة السواحل الصحراوية، التي تقابلها جزيرة الكناري الواقعة تحت السيادة الإسبانية، ولطالما كانت تلك القضية محل خلافٍ بين البلدين.

وينطلق الرفض الإسباني من قرار محكمة العدل الأوروبية الصادر في كانون الأوّل/ديسمبر 2016، والذي اعتبر أن الاتفاقيات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب غير قابلة للتطبيق على إقليم الصحراء، لكنّ السؤال هنا هو: هل المغرب ملزمٌ بتطبيق قرار المحكمة الأوروبية؟ وهل يدخل قرار ترسيم المياه الإقليمية قبالة السواحل الصحراوية، ضمن قرار المحكمة الأوروبية أصلًا؟

صراع قديم بين المغرب وإسبانيا

الصراع قديم بين المغرب وإسبانيا حول المسافة الفاصلة بين مجمل السواحل المغربية وجزيرة "فويرتيفونتورا" التابعة لأرخبيل الخالدات المعروف بجزر الكناري، وهي مسافة لا تتجاوز 100 كم، ووفقًا للقانون الدولي فإنّ المنطقة الاقتصادية الخالصة لصالح دولةٍ ما، لابد أن تصل إلى أكثر من 200 كم من السواحل، وإذا ما كانت أقل من ذلك، فإنّ ترسيم الحدود البحرية الإقليمية، لابد أن يكون باتفاق بين الدولتين.

وفقًا للقانون الدولي، لا يجوز للمغرب أو إسبانيا، ترسيم حدود المياه الإقليمية في تلك المنطقة دون اتفاق ثنائي

ومنذ مطلع الألفية الثالثة، دخل المغرب مفاوضات مع إسبانيا لترسيم المياه الإقليمية بين الطرفين، لكن إسبانيا رفضت آنذاك، في 2001، التوقيع على اتفاقيات تخص هذا الشأن، بحجّة عدم حسم أمر السيادة على إقليم الصحراء الغربية، ثُمّ في 2009، قدمت إسبانيا للأمم المتحدة ملفها الخاص بترسيم المياه الإقليمية والجرف القاري الخاص بجزر الكناري، ليسارع المغرب بالاعتراض على الملف الإسباني في رسالة رسمية موجهة للأمم المتحدة.

اقرأ/ي أيضًا: المغرب نحو التصعيد مع الأمم المتحدة.. إنها الصحراء

حاولت إسبانيا مرة اُخرى ترسيم حدود مياهها الإقليمية في تلك المنطقة من طرف واحد دون الاتفاق مع المغرب، وتقدّمت لذلك بطلب للأمم المتحدة، لكن المغرب أعلن رفضه لهذه الخطوة. وفي 2015 أعلنت إسبانيا تراجعها عن عزمها السابق ترسيم حدود مياهها الإقليمية في تلك المنطقة، مُشيرةً إلى أنّها لن تسعى لذلك ثانية إلى بعد حسم النزاع الخاص بالصحراء. ثم أخيرًا جاء القرار المغربي أُحادي الطرف بترسيم حدود المياه الإقليمة قبالة سواحل الصحراء، وهو ما قد يعني جولةً أخرى من الخلافات بين المغرب وأوروبا، تحديدًا إسبانيا، وربما أيضًا مع الأمم المتحدة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الدلالات السياسية لعودة المغرب للاتحاد الإفريقي

"طنجة تيك".. ماذا وراء تدفق الاستثمارات الصينية نحو المغرب؟