19-مايو-2016

أسر لبعض ضحايا الطائرة عبر حافلة لمصر للطيران (أ.ف.ب)

"أنا مش قادر أعطيك"، يبدو أن هذه الكلمات، الشهيرة عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ستؤرخ في السجل المصري على أنها شعار مرحلة، ليس أقل ما يميزها التخبط، بل والتوهان والتضليل بأبشع حالاته وأكثرها وضوحًا وفضائحية. 

اقرأ/ي أيضًا: أبرز حوادث الطيران في مصر

ليس هذا فقط ما يمكن استنتاجه جراء متابعة خاطفة لما تقوله "المصادر" المصرية الرسمية منذ ساعات حتى اللحظة، تعقيبًا على حادث "فقدان" طائرة "آيرباص A320" المحلقة بشعار الخطوط الجوية المصرية/مصر للطيران، أي أن التأخر في التوضيح، والتخبط واعتماد لعبة العارف المتمنع عن الإدلاء بما لديه، هي فقط إحدى المآخذ على الأداء الرسمي في التعاطي مع حادثة الطائرة، وهو نهج معهود لأجهزة نظام السيسي في التعاطي حتى مع الحوادث المدنية، وليس فقط الإرهابية، علمًا أن آراء جانب من أهل الاختصاص في شؤون الطيران المدني وأمن المطارات لا يغيبون احتمالية زرع جسم متفجر، أو أن ما أدى إلى تحطم الطائرة هو فعل تسبب به أحدهم

جاء حادث تحطم إيرباص 320 لمصر للطيران في ظلال عملية إعلان عن خسائر وعجز بـ5 مليارات دولار أمريكي لدى الشركة

تم التطرق الحاسم إلى الجزم بتحطم الطائرة المصرية المقلعة من مطار شارل ديغول الباريسي إلى القاهرة على لسان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند "وفق المعلومات المتوفرة" كما أتبع الرئيس الفرنسي تصريحاته. ويذكر أن مصلحة الدرك الفرنسي في دائرة باريس بدأت بفتح تحقيق من جهتها، في حين أن التحقيقات المصرية، أو ما رشح من تصريحات متناقضة حولها، ما زالت جارية وقيد التحقق والتضارب. 

الأهم من الجزم الفرنسي بشأن التحطم، والتصريحات اليونانية المبكرة عن احتمال العثور على قطعتي حطام من جسم الطائرة على بعد 50 ميلًا بحريًا عن آخر نقطة رصدت فيها الطائرة، يبقى الموقف، أو جملة المواقف الرسمية الصادرة من القاهرة، ففي حين كانت شركة الخطوط الجوية المصرية/مصر للطيران صرحت بأنها تلقت نداء استغاثة من الطائرة عبر إدارة البحث والاستغاثة في القوات المسلحة المصرية، آخذة بذلك جل الاهتمام الصحفي نحو البحث عن مصير الطائرة بعد التأكد الذي شاع بأن كارثة ما قد وقعت للإيرباص 320 بركابها الـ56 وطاقمها والـ3 رجال أمن مصريين مسلحين على متنها، والذين أثار تواجدهم بهذا الشكل الكثيف نسبة إلى حجم الركاب محط تساؤلات في الأوساط المختصة بأمن الطيران. علمًا أن احتمال إسقاط الطائرة بصاروخ، مستبعد، نظرًا للارتفاع الشاهق الذي يمر به خط الطائرة في تلك النقطة، ما فوق 35 ألف قدم، وأي من المنظمات الإرهابية لا تمتلك تقنيات مشابهة تسمح باستهداف مماثل. 

اقرأ/ي أيضًا: قوانين السيسي لجامعات مصر.. "للخلف در"

في المقابل تبع هذا التصريح المتسرع من طرف الشركة، أو من أفادها بشأن نداء الاستغاثة غير المؤكد، نفيًا قاطعًا على لسان المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية، لأي عملية تلقي نداء استغاثة من طرف الطائرة المنكوبة/المفقودة. 

في حين لم يأت المؤتمر الصحفي الذي عقده الوزير المصري لشؤون الطيران المدني، شريف فتحي، بأي جديد أو توضيح حول الأمر، أو خروج عن سيناريو "ماعنديش مافيش" سوى محاولات الرجل إظهار أداءه وأداء حكومة الانقلاب بالمهني والتكنوقراطي الدقيق، متحفظًا بِشأن اصطلاح الفقدان/مقابل اصطلاح التحطم، الذي قضى 85% من وقت المؤتمر، سواء في نسخته العربية أو الإنجليزية، التي تلت العربية بعد أن "أخذ الأجانب وراح بيهم مكان تاني"، أهرقت في سبيل التفريق بين التحطم والفقدان وحساسية الجزم المبكر، دون الترطق لأي أخبار عن اتصالات دبلوماسية مع اليونان أو فرنسا، فمصادر الوزير كانت وكالات الأنباء، وصفحات التواصل الاجتماعي ليس أكثر، وهذا وفق ما أكده مرارًا بالقول، أنا قرأت خبر قبل ما دخلت. 

هذا وقد أتى الحادث في ظلال عملية إعلان عن خسائر وعجز بـ5 مليارات دولار أمريكي لدى مصر للطيران مع إعلان نتائج الربع الأول من العام، وفي إطار المنهج المستمر للتعاطي مع الإعلام من طرف أجهزة نظام العسكر في القاهرة، الاستخفاف بأرواح ومصائر الناس، تمامًا كما تهميش حقوقهم وكل ما لهم، ووطأة الوضع الاقتصادي الذي وصلت إليه مصر، يتوقع المزيد من الكوارث نتيجة انفلات كل ما يتعلق بالصالح العام، فمصلحة النظام قبل أي شيء وكل شيء، حرائق القاهرة بالأمس، قبلها طائرة، وبعدها طائرة، ولا يزال الأمر قيد "التوضيح" من طرف الجهات المختصة والمخولة بالتصريح في القاهرة.

اقرأ/ي أيضًا: 

هل كان يمكن لحدودٍ مختلفة أن تنقذ الشرق الأوسط

جحيم "سايكس بيكو".. الشرق الأوسط 73 دولة؟