19-يونيو-2017

صناعة الفوسفات في المغرب (فاضل سنا/ أ.ف.ب)

أزمة جديدة أخرى تلوح بالأفق بين المغرب وجنوب إفريقيا، بعد قرار محكمة محلية جنوب إفريقية بالحجز على باخرة مغربية محملة بنحو 50 ألف طن من الفوسفات كانت في طريقها إلى ميناء نيوزيلندا مطلع الشهر الماضي. 

وأثار هذا الحجز غضبًا واسعًا من طرف المغرب الذي اعتبر أن قرار الحجز سياسي ويُخالف قانون الملاحة الدولي. فكيف تطورت الأمور في هذه القضية منذ تاريخ الحجز على السفينة المغربية؟ وهل نحن أمام أزمة سياسية جديدة بين البلدين؟

البوليساريو كلمة السر

تفاصيل القصة بدأت عندما أعلنت جبهة البوليساريو في الرابع من أيار/مايو الماضي، بأنها تمكنت من خلال "وسائل قانونية" في جنوب إفريقيا، مصادرة شحنة من الصخور المعدنية الفوسفاتية المصدرة من الصحراء الغربية. وتقدّر قيمة هذه الشحنة بنحو خمسة ملايين دولار، وهي للاستخدام في صناعة الأسمدة الزراعية.

تزعم البوليساريو أن الحجز على السفينة جاء في إطار قانوني، بينما يرد المغرب بأنه مخالف للمادة 19 من المعاهدة الأممية لقانون البحار

وبالفعل حجزت السلطات الجنوب إفريقية على سفينة محملة بـ54 ألف طن من الفوسفات، أرسلها المكتب الشريف للفوسفات في المغرب، إلى نيوزيلندا. ووقع الحجز في ميناء بورت إليزابيث، إذ كانت البوليساريو تتبع مسارها. 

اقرأ/ي أيضًا: المغرب والبوليساريو.. جولة "الكركرات" ليست الأخيرة

وفي بيان لها قالت الجبهة إنّ "الشعب الصحراوي يحتج على التنقيب والتصدير غير المشروعين لصخور الفوسفات عالية الجودة من منطقة الصحراء الغربية"، مُؤكدة على "قانونية موقفها" انطلاقًا من قرار لمحكمة أوروبية قضت العام الماضي بأنّه يجب عدم اعتبار الصحراء جزءًا من المملكة المغربية في الاتفاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي.

وجاء تصديق السلطات الجنوب إفريقية على القرار بالحجز على السفينة المغربية، في سياق اعترافها بالبوليساريو كممثلة عن الصحراء الغربية، فضلًا عن دعمها للجبهة.

قضية سياسية؟

من جانبه توعّد المغرب جنوب إفريقيا بالرد الحازم، مُعتبرًا أن الحجز على سفينته سياسي ولا يمت للقانونية بصلة، بل إنه، وفقًا للمغرب، مُخالفٌ للقانون.

وقال المغرب إنّ الحجز على سفينة البضائع "تشيري بلسوم" في خليج الكوا، وعرض القضية أمام محكمة بورت إليزابيث، قبل أيام، يُعدّ "خرقًا للقانون الدولي وللملاحة الدولية"، مُعتبرا ذلك أيضًا بمثابة "مس لحرية التجارة والمبادلات، وانتهاك للأعراف الدولية، بخاصة معاهدة بروكسل لعام 1952 في شأن الملاحة التجارية"، مُؤكدا من جانب آخر على أنّ عائدات الفوسفات يستفيد منها سكان الأقاليم الجنوبية، في إشارة إلى منطقة الصحراء، ومنددًا بأن تُطرح مشكلة "إقليمية سياسية"، في إشارة إلى الصراع مع البوليساريو، على محاكم وصفها بـ"غير المختصة" في دولة لا علاقة لها بالأمر، على حد تعبيره البيان.

قد يلجأ المغرب إلى رفع قضية دولية على جنوب إفريقيا متهمًا إياها بالقرصنة، لاعتبار أنها بموقفها هذا تخالف قوانين دولية

وفي حال استمرت جنوب إفريقيا على موقفها من حجز السفينة، فقد يُفكر المغرب برفع دعوى قضائية ضد جنوب إفريقيا، مستندًا إلى القانون الدولي، وقد يتهم جنوب إفريقيا بالقرصنة، مطالبًا إياها بالتعويض عن الأضرار التي أقلّها تأخير وصول الشحنة إلى المكان المراد لأكثر من شهر.

اقرأ/ي أيضًا: الفوسفات.. الثورة المهدورة في المغرب

هذا وينص الفصل 19 من معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار على أن حجز السفن يكون وفقًا لشروط معينة، لا تتضمن منع "سفينة تجارية أجنبية، إلا إذا كان مرورها يمس السلم وحسن نظام وأمن الدولة الساحلية، أو إذا كان يشكل تهديدًا أو دعاية تهدف الإضرار بالدولة الساحلية، أو يضر بالبيئة، أو يتضمن تحميل وإفراغ السلع بما يخالف قوانين وتنظيمات الدولة الساحلية"، وانطلاقًا من هذا يُؤكد المغرب على قانونية موقفه. 

ويعتبر المغرب أن النظر قضائيًا في احتجاز السفينة من قبل القضاء الجنوب إفريقي، يطرح عدة تساؤلات، لكون جنوب إفريقيا "ليست لها أي مصلحة مباشرة فيما تحمله السفينة من سلع، ولا يوجد على السفينة من بين طاقمها أي شخص يحمل هوية جنوب إفريقيا، أيضًا السلع المحملة على السفينة ليست وجهتها جنوب إفريقيا".

ويُشار إلى المغرب كان قد سبق له ربح قضية مماثلة الشهر الجاري، بعد قرار من محكمة في بنما بالإفراج عن سفينة مغربية محملة بالفوسفات كانت في طريقها من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ.

وأكدت المحكمة البحرية البنمية أنها غير مختصة بمثل هذه النزاعات والخلافات "ذات الطابع السياسي المحض"، وأنّه لا يمكنها البت في قضية تتعلق بالسياسة الدولية، معتبرة أنه ليس هناك ما يثبت أن ملكية الشحنة تعود إلى البوليساريو.

سبق للمغرب أن ربح قضية مماثلة، بقرار من محكمة بنمية بالإفراج عن سفينة مغربية محملة بالفوسفات كانت في طريقها للمحيط الهادئ

وعلى إثر تلك الحادثة يرى مراقبون الوضع أمام أزمة سياسية بين جنوب إفريقيا والمغرب، قد يتصاعد مداها، كما أن ما حدث بمثابة اختبار للبوليساريو لاستعمالها قرار المحكمة الأوروبية بنظرها لنفسها والصحراء كجزء منفصل عن المغرب في الاتفاقات التجارية التي يوقعها المغرب مع دول الاتحاد الأوروبي، لولا أن نيوزيلندا ليست من دول الاتحاد الأوروبي.

وفي سياق شبه مُتصل، يُشار إلى انضمام المغرب قبل أسابيع إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، بعد أن أعطت المجموعة موافقة مبدئيًا على ذلك.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد الاتحاد الأوروبي.. توجه مغربي حذِر نحو أمريكا اللاتينية

ماذا وراء زيارة ملك المغرب لدول شرق أفريقيا؟