01-ديسمبر-2017

يستخدم ابن سلمان سلاح التجويع في اليمن كما سبق أن استخدمه النازييون من قبله (محمد حمود/ Getty)

"لقد دمرت السعودية وحلفاؤها اليمن، وتسببت في انزلاق البلاد إلى مجاعة وشيكة"، بهذا يبدأ موقع "ميدل إيست آي" مقالًا يُسرد فيه لاستخدام صناعة المجاعات كسلاح دنيء في الحروب، تتجه السعودية بخطى حثيثة لاستخدامه في اليمن، كما سبق للنازيين أن استخدموه في معاركهم في الحرب العالمية الثانية. في السطور التالية نعرض لكم المقال مترجمًا بتصرف.


في الشهر الماضي، زادت المملكة العربية السعودية مخزونها من الألغاز المضحكة من خلال منح الجنسية لروبوت اسمه صوفيا، وهي خطوةٌ يُفترض أنها تهدف إلى زيادة إبراز نوعٍ من الحداثة الذي تحاول السلطات السعودية المستبدة أن تصدره للعالم.

قد ينسى المجتمع الدولي والعالم سكان اليمن عما قريب، بسبب انهيار الحضارة في ذلك البلد الفقير، وهو أمر بدت بوادره بالفعل

وفي مقابلةٍ أجرتها مؤخرًا مع صحيفة "الخليج تايمز" الإماراتية، قالت صوفيا: "قد يكون من الممكن صناعة روبوت أكثر أخلاقية من البشر"، مُضيفةً: "هناك خياران فقط في المستقبل، إما أن يُغدق علينا الإبداع بمزيدٍ من الآلات الرائعة المتسامحة وفائقة الذكاء، أو أن يقود إلى انهيار الحضارة البشرية".

اقرأ/ي أيضًا: مبادرة إماراتية وسعودية في اليمن.. صفقة "كارثية" على درب حرب لا نهاية لها

إن العديد من أعضاء المجتمع العالمي يحاولون التصدي حاليًا لقضايا واقعية ملموسةٍ بشكلٍ أكبر، مثل كيف يمكن البقاء تحت القصف والحصار الذي تقوده السعودية وحلفاؤها في اليمن. وهناك، في اليمن، قد يُنسى سكانه بالفعل عمّا قريب، وذلك نتيجة انهيار الحضارة في ذلك البلد الفقير، وهو أمر بدت بوادره بالفعل.

مجاعة وشيكة

عليك أن تنسى كل شيء عن بحور الإبداع؛ فالسعوديون وشركاؤهم في تلك الجريمة الشنعاء، بدلًا من خلق مزيد من الإبداع، يدمرون اليمن كُليةً، بل يقودون البلد الفقير إلى الانزلاق في مجاعة وشيكة. وتحاول دولة الإمارات العربية المتحدة إخفاء الدور الفعّال للمجهود الحربي والهجمات الوحشية التي تقوم بها في اليمن وراء واجهة التنمية الحديثة والمباني المبهجة والمراكز التجارية العملاقة ومنحدرات التزلج.

بل إن المساهمات العدوانية قد ذهبت أبعد من ذلك، فتذكر مجلة "نيو يوركر" أن القوات المسلحة السعودية، المدعومة بأكثر من 40 مليار دولار في هيئة شحنات من الأسلحة الأمريكية التي أذنت بها إدارتا ترامب وأوباما؛ قتلت آلاف المدنيين في الغارات الجوية في اليمن.

وبطبيعة الحال، فإن الولايات المتحدة هي مسؤولة أيضًا عن الكثير من الهجمات الوحشية التي قامت بها بنفسها في اليمن، بما في ذلك هجمات الطائرات بدون طيار على حفلات الزفاف اليمنية.

ولكن بالعودة إلى خطر المجاعة الوشيكة، فيمكننا القول إنه لا شيء يتصادم مع الحداثة والتقدم مثل دفع شعب بكامله إلى مجاعة جماعية.

المجاعات والأوبئة تنتشر في اليمن بمعدلات كبيرة (أ.ف.ب)
المجاعات والأوبئة تنتشر في اليمن بمعدلات كبيرة (أ.ف.ب)

فكِرّْ على سبيل المثال، في كلمات فيغنيوس، الخبير العسكري الروماني في القرن الرابع، الذي كان واضحًا جدًا منذ 17 قرنًا أو أكثر من ذلك، عندما قال: "من الأفضل إخضاع العدو من خلال المجاعة والنهب والإرهاب، أكثر من إخضاعه في معركة مفتوحة ربما يكون الحظ فيها أكثر تأثيرًا من الشجاعة"!

النازيون وخطة التجويع

وشهدت حروب العصر الحديث أيضًا استخدام الجوع كسلاح، ففي مقال نُشر في حزيران/يونيو 2017 في مجلة "لندن ريفيو أوف بوكس"، بعنوان "النازيون استخدموه.. ونحن نستخدمه أيضًا"، يشرح أليكس دي وال، الاعتماد على التجويع باعتباره "أداة فعالة للقتل الجماعي" في الحرب العالمية الثانية. بجانب أن "التجويع القسري" كان بطبيعة الحال "إحدى أدوات المحرقة"، فقد وضع النازيون أيضًا خطة تجويع لقطاعات من الاتحاد السوفيتي وفقًا للمخططات الزراعية الإقليمية الألمانية.

التجويع وصناعة المجاعات سلاح فعال في جرائم القتل الجماعي، كما سبق واستخدمه النازيون، يستخدمه ابن سلمان الآن في اليمن

ومن المثير للاهتمام أو ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للبلاد، محمد بن سلمان، يُحب أيضًا الحديث عن النازيين واستذكارهم في بعض الأحيان ليضرب بهم المثل، فكما قال للصحفي توماس فريدمان، أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي "بمثابة هتلر جديد في الشرق الأوسط"، مُضيفًا: "لا نريد أن يكرر هتلر إيران الجديد في الشرق الأوسط، ما حدث في أوروبا".

اقرأ/ي أيضًا: كيف سقط اليمن من أجندة التعاطف العالمي؟

ورغم ذلك، لم يكن النازيون فحسب من استخدموا سلاح التجويع في القرن العشرين. يقول دي وال في "لندن ريفيو أوف بوكس": "حوالي 750 ألف مدني ماتوا جوعًا في ألمانيا" نتيجة الحصار الذي فرضته بريطانيا على ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى، مُضيفًا أنّ "الاسم المختار للقصف الجوي للموانئ اليابانية في عام 1945 من قِبل سلاح الجو الأمريكي كان عملية التجويع".

أما بالنسبة لحالات أكثر حداثةً من حرمان السكان المدنيين من مواد البقاء الضرورية، يتبادر إلى الذهن مباشرةً عقوبات الأمم المتحدة على العراق في أوائل التسعينيات، وكان رد سفيرة الولايات المتحدة آنذاك لدى الأمم المتحدة، مادلين أولبرايت، عام 1996 على التقديرات التي أشارت إلى أن نصف مليون طفل عراقي قد ماتوا بسببهم: "نعتقد أن الثمن الذي غنمناه يستحق ذلك"!

ووفقًا لتقرير نشرته نيويورك تايمز في كانون الأول/ديسمبر 1995، فلم يتفق الجميع حول تقرير جمعه اثنان من العلماء الأمريكيين، لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، والذي تناول تأثير بعض العقوبات على العراقيين، مثل الزيادة الكبيرة في عدد الأطفال العراقيين المتضررين من هذا التخريب، أو المصابين بالجفاف الذي كان يتطلب اهتمامًا كبيرًا وسريعًا.

ونقلت صحيفة التايمز عن معدي التقرير، أن "الذراع الإنساني للأمم المتحدة يقدم مسكنات للتخفيف من المعاناة، في حين يعتزم مجلس الأمن المضي قُدمًا في مواصلة فرض المزيد من العقوبات".

"صحافة" تبييض الجرائم

بالقفز إلى الأمام مجددًا، وصولًا إلى العام الجاري 2017 والتحذيرات العاجلة للأمم المتحدة بشأن مخاطر اندلاع مجاعة وشيكة في اليمن، من شأنها أن تهدد حياة الملايين؛ ولا يمكن للمرء أن يساعد، ولكن يبدو أن صوفيا ربما كانت على حق حول الأخلاق العليا للروبوتات.

وبعدما كان يُعتقد أن الصورة لا يمكن أن تصبح أكثر كآبةً، يبدو أن التحالف السعودي الإسلامي لمكافحة الإرهاب الذي تقوده السعودية (وهو تحالف يضم 40 بلدًا إسلاميًا) اكتشف فرصةً ذهبية في الهجوم الشنيع الذي وقع يوم الجمعة الماضية في مسجد الروضة بشمال سيناء في مصر.

فوفقًا لوكالة أنباء رويترز، فإن محمد بن سلمان، أعلن في اجتماع عقده في الرياض، مع وزراء الدفاع في التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، أن "الهجوم في مصر كان مؤلمًا جدًا، وأن التهديد الذي ينشره الإرهاب والتطرف ليس فقط يقتل الأبرياء بل يعمل على نشر الكراهية وتشويه سمعة ديننا وتشويه معتقداتنا". يبدو هذا كلامًا حسنًا، فقط لو أنه خرج من فم شخص لا يمارس الإرهاب بنفسه في اليمن!

ولكن لحسن حظ السعودية وحلفائها أن التواطؤ الأمريكي في المساعي الإجرامية التي تقوم بها السلطات السعودية، مضمون بدرجةٍ كبيرة طالما أن عائدات النفط السعودية تترجم إلى مبالغ كبيرة لصناعة الأسلحة الأمريكية.

وبجانب مساعدة ومساندة المؤسسة السياسية الأمريكية، تحاول بعض وسائل الإعلام في الوقت نفسه، تصوير ملوك وأمراء السعودية الجُدد كرائدين مبدعين وإصلاحيين، ففي مقابلة حصرية مع محمد بن سلمان، اختار الكاتب الأمريكي توماس فريدمان الذي أجرى المقابلة ونشرها في نيويورك تايمز، أن ينحاز إلى جوقة المتملقين لابن سلمان، متجاهلًا كارثة اليمن، بدلًا من الانحياز لكونه إنسانًا، ثم صحفيًا يسعى للحقيقة، فعمل على التقليل من شأن كارثة اليمن، بل وتبييض جرائم السعودية هناك.

على كل لا يبدو ذلك غريبًا على توماس فريدمان، فقد سبق له أن قال عن السعودية في 2003: "المشكلة في السعودية ليست أن لديها القليل من الديمقراطية، وإنما المشكلة في أن لديها الكثير جدًا من الديمقراطية".

لسوء الحظ أن صحافة تبييض الجرائم لا تزال رائجة، وفي كبرى الصحف ووسائل الإعلام وبين أكبر الأسماء في عالم الصحافة كتوماس فريدمان

لسوء الحظ أن هذا النوع من صحافة تبييض الجرائم لا يزال رائجًا، وفي كُبرى الصحف ووسائل الإعلام، وبين أكبر الأسماء في عالم الصحافة. وفي حين توشك اليمن دخول نفق أشد ظلامًا مما هي فيه الآن، متمثلًا على أقل تقدير، في مجاعة جماعية كُبرى؛ فإن أيضًا "المجاعة الأخلاقية" مُستعرة على أشدّها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سقوط توماس فريدمان.. الصهيونية في مديح ابن سلمان

تخبط السياسات السعودية.. مادة للسخرية لولا كلفتها الدموية!