22-ديسمبر-2018

تحتكر الدولة المغربية قطاع الإعلام الإذاعي والتلفزيوني بشكل كامل (صحف مغربية)

امتلاك الحكومة لجزء من وسائل الإعلام ليس ظاهرة يتفرد بها المغرب، إذ ثمة دول أوروبية لدى حكوماتها مؤسسات إعلامية عمومية. غير أن طريقة الإدارة والسياسات التحريرية، هي التي تمثل الفارق.

البلدان ذات السيطرة الحكومية المطلقة أو الأكبر على وسائل الإعلام، ترتبط بشكل أساسي بمستويات أدنى في الحقوق والحريات وفقر في جودة الحياة

ويشير مصطلح الإعلام الحكومي إلى "وسائل الإعلام التي تملكها الدولة وتسيطر عليها ماليًا وتحريريًا'، ويدور جدل حول شرعية وجود هذا الصنف من وسائل الإعلام.

اقرأ/ي أيضًا: "تيلي ماروك"..هل يتحرر التلفاز المغربي من احتكار السلطة؟

تقول النظرية الأولى إن ملكية الحكومة لقسم من وسائل الإعلام عملية مفيدة، وتضع مبررات مفترضة لذلك، مفادها أن المواطنين بحاجة إلى منفذ إعلامي يسهر على تنوير المجتمع وخدمة المصلحة العامة، بعيدًا عن احتكار السوق أو أجندات الشركات، وأن الدولة هي التي يمكنها أن تقوم بهذه المهمة من أجل الحفاظ على استقلالية وضمان تعددية الطيف الإعلامي، خاصة وأن الإعلام العمومي لا يخضع بالضرورة لضغوطات الإيرادات والمعلنين.

في المقابل، تفيد النظرية النقيضة بأن سيطرة الدولة على الإعلام تقوض حرية التعبير، حيث يتحول الإعلام العمومي إلى أداة في يد النخبة الحاكمة، ترسخ بواسطته حكمها وتشوه المعلومات وتمنع الجمهور من اتخاذ قرارات مستنيرة، مما يقوض المؤسسات الديمقراطية.

بشكل عام، يشيع الإعلام الحكومي في البلدان الاستبدادية والأكثر فقرًا، ويأخذ أنماطًا يتحول فيها الإعلام من الوسيلة المستقلة للبث والإعلام، إلى أداة في يد الحكومة لتكريس سلطتها.

باستقصاء الواقع ومؤشرات التقارير الدولية، فإن البلدان ذات السيطرة الحكومية المطلقة، أو الأكبر على وسائل الإعلام، ترتبط بشكل أساسي بمستويات أدنى في الحقوق والحريات، وفقر في جودة الحياة، علاوة على أنها تعرف مستويات أعلى من الفساد والتحيز الإعلامي، وتشديد الرقابة على الإنترنت، واعتقال الصحفيين، وهذا ما نجده في دول مثل الصين وإيران وسوريا ومعظم بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

الإعلام الحكومي في المغرب
المغرب الدولة الشمال أفريقية الوحيدة التي تحتكر الإعلام التلفزيوني والإذاعي بشكل كامل

بينما الدول التي لا تتملك حكوماتها وسائل إعلامية، أو تتملك بعضها على مستوى التمويل بدون تدخل أو توجيه في السياسة التحرير، تكون فيها المنافذ الإعلامية أكثر استقلالًا وثراءً، وذات بيئة ديموقراطية.

انفصال الإعلام الحكومي المغربي عن الواقع

بحكم غياب ثقافة القراءة عمومًا لدى المغاربة، كان التلفاز ولا يزال، الوسيلة الإعلامية الأكثر شعبية. ونظرًا لقوة حضور هذا الجهاز في البيت المغربي، حيث كشفت مؤسسة "ماروك ميتري" المتخصصة في قياس نسب المشاهدة أن كل أسرة مغربية تقضي يوميًا في المتوسط أمام التلفاز نحو ثماني ساعات؛ قررت الدولة فتح المجال أمام القطاع الخاص في كل شيء تقريبًا ما عدا الإعلام التلفزيوني، الذي يمثل أداة حيوية لضبط المجتمع وتشكيل الرأي العام.

لكن المشكلة في الإعلام الحكومي المغربي لا تقتصر فقط على الاحتكار المطلق، وإنما تتعدى ذلك إلى عدم قدرته على مواكبة تحولات المجتمع المغربي وتلبية حاجات وتطلعات المواطنين، الذين يمولونه بضرائبهم. فرغم كل التطورات التي لحقت بالمجال الإعلامي نتيجة الثورة التكنولوجية المعلوماتية، ظل التلفاز الحكومي محتفظًا بطريقته التقليدية القديمة في العمل.

وفي هذا الصدد يقول الباحث محمد أقديم، إن الإعلام الحكومي في المغرب "لا يشتغل بإستراتيجية إعلامية احترافية، وإنما تطغى عليه بروباغاندا إنجازات السلطة"، مضيفًا في مقال له أن "هذا الإعلام لا يمكنه أن ينتج سوى مواطن سلبي لامبالي، مواطن لا يملك أي حس نقدي لأوضاعه السياسية والاجتماعية والثقافية و الاقتصادية".

وبالفعل أظهرت بعض الأحداث في السنوات الأخيرة، مثل حراك الريف وحملة المقاطعة، أن المجتمع يخوض في وادٍ والإعلام الحكومي يغرد في واد آخر، فبدلًا من رصد وتغطية هموم المواطنين، خاصة الأكثر فقرًا، ومشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية، ويكشف عن ثغرات الأداء الحكومي؛ فإنه لا يستجيب إلا لهواجس الدولة الأمنية والسلطة السياسية.

المساهمة في تغريب الشخصية المغربية

على المدى الطويل، يقود هذا التفكير الأحادي لدى الإعلام الحكومي المغربي، إلى "نوعٍ من العقم الفكري والانهيار الاجتماعي التدريجي"، بحسب الباحثة حسناء حسين في دراسة أعدتها عن الإعلام الرسمي بالمغرب.

الإعلام الحكومي المغربي
الإعلام الحكومي المغربي منفصل عن واقع المواطنين وهمومهم

لأن مضمون الإعلام الحكومي المغربي لا يستجيب لتطلعات المواطنين وهمومهم،  فإن الكثير من المغاربة باتوا يبحثون عن منافذ إعلامية أخرى في الإعلام الأجنبي. ومع أن هذا يبدو حلًا ناجعًا على المستوى الفردي للحصول على التغذية الإعلامية اللازمة، إلا أن لذلك عواقب على المستوى الجماعي، إذ يُحرم الناس من فضاء محلي يغطي همومهم القريبة ويعالج التناقضات المجتمعية من خلال النقاش والتفاعل الحر، من أجل الوصول إلى قيم وأفكار مشتركة توحد المجتمع.

عندما تتجه الأغلبية إلى وسائل إعلامية أخرى سواء على شبكة الإنترنت أو قنوات الأقمار الصناعية، فإن المجتمع يبدأ بفقد هويته الثقافية الجماعية شيئًا فشيئًا، ويشرع كل فرد في البحث عن هويته المستوردة الخاصة في ظل الفراغ الهوياتي، ما يخلق مع الوقت انفصامًا شديدًا بين الفئات الاجتماعية، يهدد تماسك كتلة المجتمع.

الإعلام الحكومي في المغرب لا ييعمل بإستراتيجية إعلامية احترافية، وإنما تطغى عليه بروباغاندا إنجازات السلطة

وربما تصدر القنوات الخليجية الدينية قائمة القنوات الأكثر مشاهدة في المغرب بنسب تفوق 50%، وتهافت الشباب المغربي للهجرة بشكل جماعي وبأي طريقة، بالإضافة إلى الشعارات الاحتجاجية الجديدة التي تنم عن "كراهية الوطن"؛ كل ذلك قد يشير إلى هذا الاغتراب الهوياتي الذي يعانيه الإنسان المغربي، والذي من أسبابه غياب الإعلام الوطني المستقل، الذي يُساهم في بناء الشخصية المغربية والهوية الجماعية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

اللغة العربية في الإعلام المغربي: جدلية التحديث والأصالة اللغوية

الصحافة الإلكترونية في المغرب.. ضحية جديدة لتقنين قمع الحريات