07-فبراير-2018

من سيتكوم "لكوبل" المغربي (يوتيوب)

كان ولا يزال التلفزيون في المغرب الوسيلة الإعلامية الأكثر شعبية، بحكم غياب ثقافة القراءة، مما يجعله أداة مؤثرة في تشكيل عقول المجتمع، خاصة وأنه لا توجد تعددية على مستوى التلفزيون بالبلاد في ظل احتكار الإعلام العمومي لقطاع السمعي البصري، ومنه يصبح التلفزيون الرسمي المصدر الوطني الأول لعموم المغاربة في استيقاء معلوماتهم وتصوراتهم.

لا يزال التلفزيون المغربي يروج من خلال برامجه لصور نمطية تبخيسية عن الإنسان القروي المغربي من خلال استحضار شخصية "القروي الغبي" المتخلف عن العصر

هذا ما يفرض على التلفزيون المغربي أن يكون أكثر حذرًا في النظر للرسائل الإعلامية التي يبثها للناس، ما دام يملك سلطة مؤثرة كبيرة، بيد أن الأمر لا يسير على هذا الحال دائمًا، إذ لا يزال يروج من خلال برامجه الفكاهية والسينمائية لصور نمطية تبخيسية عن الإنسان القروي، الذي لم يكفه تعرضه لسياسات التهميش والإقصاء، التي مارستها في حقه الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال إلى اليوم.

اقرأ/ي أيضًا: "تيلي ماروك"..هل يتحرر التلفاز المغربي من احتكار السلطة؟

فرغم أن العالم القروي يغطي 90% من المساحة الإجمالية للبلاد، ويمثل قاطنوه حوالي 40% من مجموع السكان، إلا أن سكان القرى بالكاد يحظون بتغطيات إعلامية تعالج مشاكلهم وهمومهم من قبل التلفزيون الوطني، علمًا وأن وضعيتهم الهشة تجعلهم الأحق بالاستفادة من الإعلام العمومي البصري لإيصال مطالبهم. وليت الأمر توقف عند تهميش مشاكلهم، بل أصبحوا مادة دسمة للبرامج الفكاهية والسيتكومات الرمضانية، التي لا تستطيع خلق الفرجة وإضحاك الناس إلا من خلال استحضار شخصية "القروي الغبي" المتخلف عن ركب العصر.

في هذا الصدد، يحضر سيتكوم "الكوبل"، إحدى السلسلات الكوميدية الأكثر مشاهدة من طرف الجمهور المغربي بأزيد من 6 مليون مشاهدة لكل حلقة، وهو يتناول في موضوعه يوميات حياة زوجين كبيرين في السن يعيشان بالريف المغربي، وتحدث بينهما حوارات وجدالات تثير ضحك الناس، وجل البرامج الفكاهية المغربية تدور حول القرية والإنسان القروي، فمنتجو هذه الأعمال يَفترضون أن اللهجة العامية القروية وتصرفات القرويين البدائية وبيئتهم الفقيرة بجانب معتقداتهم تمثل مدعاة لضحك الجمهور، ومن ثمة تغدو السخرية من الآخر عماد عملهم الفكاهي.

رغم أن العالم القروي يغطي %90 من المساحة الإجمالية للمغرب ويمثل قاطنوه حوالي %40 من مجموع السكان، إلا أن سكان القرى بالكاد يحظون بتغطيات إعلامية تعالج مشاكلهم

لكن الأخطر من ذلك، هو أن مثل هذه الأعمال المتكررة تكرس صورة نمطية بائسة عن الإنسان القروي كشخص "جاهل وساذج ومثير للسخرية بطبعه"، ما يتسبب في غرس تمثلات ذهنية مشوهة لدى الرأي العام الوطني تجاه سكان القرى، سرعان ما تتحول هذه التصورات المستقاة من التلفاز إلى واقع، يظهر من خلال نظرة الاحتقار والإقصاء السائدة نحو العالم القروي برمته، بما يحتويه من لهجات مميزة وطباع مختلفة وثقافات محلية.

اقرأ/ي أيضًا: الصحافة المغربية تستقبل 2018 بتتبع صحفيين وفق القانون الجنائي!

بدورها اتخذت  السينما المغربية القرية موضوعًا لها في معظم الوقت، وكثيرًا ما تتناول قصة السيناريو شخصية قروية، تارة تجسدها امرأة وتارة يمثلها رجل، تتسم بالبساطة والسذاجة فتقرر في لحظة ما الانتقال صوب إحدى المدن الكبرى، من أجل تحقيق حلم ما أو زيارة أقارب، فتصطدم هذه الشخصية بواقع المدينة الغريب تمامًا عنها، لتسقط في مواقف طريفة تكون فيها محل سخرية قاطني المدينة، أو أن تقع فريسة سهلة بين يدي اللصوص بسبب سذاجتها.

وارتباطاً بصورة القرية لدى المتلقي المغربي، يقول الخبير في علوم الإعلام يحيى اليحياوي، إن هناك "عقلية استعلائية وخطابًا أبويًا٬ يجد ترجمته الإعلامية في التعامل الموسمي مع فضاء القرية وساكنته من غير اكتراث بتطلعاتهم وانتظاراتهم وانشغالاتهم"، فتتحول مشاكل سكان المناطق القروية إلى موضوع للفرجة، بدل أن تكون محط تغطيات إعلامية معمقة تفضح السياسات الحكومية التهميشية للعالم القروي، حتى صار ساكنة القرى يمثلون قرابة 80% من إجمالي فقراء المغرب، حسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. ما واقع حرية الصحافة بالمغرب؟

المغرب.. إعلام يهين المرأة