02-أغسطس-2018

أزمة التعليم في العراق، انعكاس لسياسة المحاصصة (أ.ف.ب)

في 23 حزيران/يونيو قامت وزارة التربية والتعليم العراقية، بإلغاء امتحان مادة التربية الإسلامية للصف السادس الثانوي، بعد أن تأكدت الوزارة من تسريب الأسئلة قبل الامتحان. وعلى الرغم مما تحمله مرحلة السادس الثانوي للطلاب من ضغط وعذابات تتسبب بالانتحار أحيانًا، لكونها المرحلة التي تحدد مصير الطلاب ومستقبلهم العلمي؛ فإن الوزارة لم تكترث لما قد يتسببه هذا من آلام نفسية للطلاب وأسرهم، وكيف يكملون امتحاناتهم، خاصّة الجادين منهم.

العراق، الذي هو بلد نفطي بجدارة، تنتشر فيه المدارس الطينية، فضلًا أن معظم المدارس، ورغم درجات الحرارة المرتفعة، لا يتوفر فيها حتى المراوح

مشكلة تسريب الأسئلة فتحت العيون على مشكلة التعليم في العراق بشكل عام، وإدارته من قبل الدولة باعتباره، كما يفترض به، جزءًا أصيلًا مما يمثله القطاع العام في العراق. كما أنها فتحت الأعين على كيفية تسيير عملية التعليم وسط زحمة الأزمات السياسية التي تشهدها البلاد منذ الغزو الأمريكي عام 2003.

اقرأ/ي أيضًا: تلاميذ العراق محرومون من الكتب المدرسية

فالعراق، الذي يعتبر بلدًا نفطيًا ريعيًا، تنتشر فيه المدارس الطينية بشكل غير مسبوق، فضلًا عن أن المدارس في معظم المناطق وبالرغم من حرارة الأجواء في العراق، والتي تصل أحيانًا إلى 50 درجة، لا يوجد فيها مكيفات للهواء أو حتى مراوح، أو كهرباء مستمرة تخفّف من حرارة الجو على الطلاب، ما يجعلهم في أيام الامتحانات يأخذون مراوح يدوية معهم يحركونها على وجوههم أثناء الامتحان عسى أن تسنح لهم بتدفق الهواء وزيادة تياره.

المدارس الأهلية

جاءت المدارس الأهلية تعويضًا عن الانحدار الذي تشهده المدارس الحكومية بشكل كارثي، إذ فتحت في كل المناطق مدارس أهلية تكون دعايتها غالبًا أن فيها كهرباء ومكيفات! فضلًا عن نظام تعليمي صارم، وازدياد المناهج الخاصّة، مثل اللغة الفرنسية، والحاسوب. ويكون مبلغ اشتراكها متفاوتًا، فهناك مدارس تصل مصاريفها إلى أربعة آلاف دولار وأكثر في العام الواحد.

لكن في بعض المناطق، خاصة الشعبية منها، تحتوي المدارس الأهلية على نزعات طائفية، تكون من ضمن ممّيزات المدرسة في دعايتها الإعلانية، مثل تعليم بعض الطلاب على شعائر المذهب، وترسيخها بأذهانهم.

وتحوّلت المدارس الأهلية إلى تجارة مربحة بالنسبة للكثيرين، حتى من غير المهتمين بالتعليم ومساره في العراق، حيث قال مصدر لـ"ألترا صوت"، إن "هناك تاجر نفط غير متعلم ولا يمتلك أي شهادة أكاديمية، فتح عدة مدارس في مناطق بغداد". مضيفًا: "وهو الآن من أكبر تجار المدارس"، مشيرًا إلى أنه "يعرض مشاهد مذهبية في مدرسته بين فترة وأخرى". وهذه محاولات تدخل ضمن التجارة بالدين، إذ يرغب الناس في المناطق الشعبية بإدخال ابنائهم إلى مدارس يتعلمون فيها أشياء دينية، إضافة إلى دروسهم.

كثير من مدارس العراق، لا تتضمن على المقومات الأساسية للعملية التعليمية
كثير من مدارس العراق، لا تتضمن المقومات الأساسية للعملية التعليمية (أ.ف.ب)

كما أُفرغ المعلم في المدارس العراقية من قيمته التربوية والتعليمية، وبات المعلمون مجرد موظفين عاديين، يسعون لإنهاء ساعات دوامهم بأقل قدر ممكن من الجهد المفروض.

ولا تزال الكوادر التعليمية تعيش في آثار أزمة الهوية السياسية للدولة، وعدم اكتمال الهوية الوطنية، فضلًا عن أنها جزء من المشهد المكوناتي الخاضع لنظام المحاصصة في العراق، إذ لم تشكل هذه الكوادر نخبة تأخذ على عاتقها النهوض بالواقع التعليمي، أو تغيير الخطاب المنتشر في المجال العام منذ سقوط النظام البعثي.

محمود حميد، وهو مدرس ثانوي، قال لـ"ألترا صوت": "ليس التعليم مستقلًا عن التوجه الديني أو السياسي للسلطة، بل للمؤثر الديني دور تظهر ملامحه في مناهج التعليم، وحتى على مستوى الممارسة التعليمية وتوجه المدارس والمؤسسات التابعة لها كل بحسب مناطقيته وطائفته وما تمليه عليه من توجهات"، مشيرًا إلى أن "أزمات الطائفية والتطرف والعنف لم نشهد حراكًا تعليميًا يواجهها من خلال خلق جيل مناهض لتلك المفاهيم".

أثر المحاصصة على التعليم

يلقي نظام الديمقراطية التوافقية آثاره على كل مفاصل الدولة، الخدمية منها وغير الخدمية، في القطاع الخاص أو العام، حيث يتم اختيار وزير التربية والتعليم عن طريق التحاصص المكوناتي والمذهبي، وليس للكفاءة علاقة باختيار الوزير.

أُفرغ المعلم في المدارس العراقية من قيمته التربوية والتعليمية وبات المعلمون مجرد موظفين عاديين يسعون لإنهاء دوامهم بأقل جهد

وقد تكون المرافق الوزارية والإدارية خاضعة لأقارب الوزير، أو معارفه أو الجماعة التي ينتمي لها بوصفها جزءًا من صعوده إلى الوزارة، وبالنتيجة لا تعمل الوزارة وفق ما يقتضيه الواقع التعليمي العام، أو المصلحة العامة للبلاد.

اقرأ/ي أيضًا: العراق.. مدارس خاصة للميسورين ولا عزاء للفقراء

وهذا ما أشار إليه محمود حميد، في قوله، إن "التعليم في العراق يدور في فَلَك النظام السياسي وأزماته، ومنه غياب التوجه العام للدولة في إستثمار التعليم ومخرجاته، بما يتلاءم و احتياجات مؤسساتها للخبرات والكوادر الفنية استنادًا لعملية تنموية، تشمل كافة مرافق الدولة ومؤسساتها".

جامعات في المراكز المتأخرة

لا يقتصر هذا الانحدار الخطير على واقع المدارس فقط، إذ تعاني الجامعات من أزمات متقاربة مع المدارس، لكنها أكبر. المسؤول عن الجامعات هي وزارة التعليم العالي، والتي أيضًا يتم اختيار وزيرها عن طريق التحاصص المكوناتي بين الكيانات السياسية. تحولت الجامعات في العراق إلى مفرخة للأميين، حيث نادرًا ما تجد طالبًا جامعيًا يجيد الإملاء في اللغة العربية، أو كفؤًا في اختصاصه الذي تخرج منه.

علاء ستار، وهو ناشط وطالب في كلية العلوم بجامعة بغداد، قال لـ"ألترا صوت"، إن "التعليم في العراق يتراجع، بل يعيش أسوأ حالاته منذ تأسيس الدولة العراقيّة في القرن الماضي"، متسائلًا: "تخيّل أن جامعة بغداد التي تمثل الجامعة الأولى في ترتيب جامعات العراق، والتي نطلق عليها في العراق تسمية الجامعة الأم، تراوح في مكانها نفسه في ترتيب QS العالمي لترتيب الجامعات، منذ سنين طوال، وفي ترتيب URAP حصلت جامعة بغداد على المركز 1889 من بين أكثر من 2000 جامعة متنافسة"، منتقدًا بسخرية: "في صفحته على الفيسبوك عدّ رئيس الجامعة هذا إنجازًا لكوادر الجامعة!".

تعرف الجامعات العراقية إهمالًا غير مسبوق إداريًا وتعليميًا
تعرف الجامعات العراقية إهمالًا غير مسبوق إداريًا وتعليميًا (أ.ف.ب)

وبخصوص الانحدار، يقول ستار: "في العراق، وباعتباري طالبًا جامعيًا وأجري دومًا مقارناتٍ بين المواد المنهجية وطرق التعليم التي تُقدّم في جامعاتنا وبين التي تقدم جامعاتٍ أخرى ومواقع تعليم إلكتروني عن بعد أخرى؛ أرى أن هنالك مشكلتين في التعليم العراقي لها أصلٌ وسببٌ واحد"، مفصلًا: "الأولى مشكلة طرق التعليم، والثانية محتوى التعليم المقدم". 

وأوضح علاء ستار أن "طرق التعليم في العراق قديمة جدًا، ولا تتطور ولا تستفيد من التجارب الأخرى، ليس لدينا طرق تفاعلية ابدًا، وليس لأصحاب القرار اهتمام بالغ في التركيز على الجانب التجريبي العملي في تقديم المناهج، خصوصًا في الاختصاصات العلميّة".

ليس هناك إرادة سياسية على تطوير التعليم في العراق، منذ 1991 بعد حرب الخليج، إذ كان العراق يتمتع بنظامًا تعليميًا متقدمًا في السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم، لكنه حاليًا يسير في روتين قديم، ويعتبر بدائيًا بالنسبة للأنظمة المتقدمة، وقد لفت علاء ستار إلى أن "الجامعة التي يدرس فيها، لا تحتوي على أجهزة عرض إلكترونية لعرض المناهج على الطلاب أثناء المحاضرات، مشيرًا إلى أن "بعض الجامعات لا توفر أي نسخ الكترونية من مناهجها للطلاب". إضافة إلى نقص المختبرات العلمية، ونقص مواد المختبر الضرورية.

وعلى نطاق واسع، يُعتقد بأن الانحدار التعليمي المريع تتركز أسبابه على الفساد الإداري في العملية السياسية، الناتج من نظام المحاصصة الحزبية الذي وضعه الاحتلال الأمريكي. فكما يقول ستار: "من يدير هذه المؤسسات المهمة، ليسوا رجال دولة، بل هم رجال لأحزابهم فقط".

تتركز أسباب الانحدار التعليمي في العراق على الفساد الإداري ونظام المحاصصة الحزبية الذي يجعل المسؤولين يعملون لصالح أحزابهم

السياسيون في العراق، لا يولون أهمية للواقع التعليمي في البلاد، إنما تقتصر اهتماماتهم في الحصول على المناصب، سواء في المؤسسات التعليمية أو غيرها، كما أن أساتذة الجامعات لم يخرجوا في إطار المجال العام، ما يذكره العراقيون عن أساتذة الجامعات أن نيتهم كانت تقتصر على الخروج للشارع في تشرين الأول/ أكتوبر 2015 في تظاهرة أمام الجامعة المستنصرية في بغداد اعتراضًا على خفض رواتبهم! متجاهلين كل أزمات البلاد، بالرغم من كونهم نخبة العراق الأكاديمية. كما أن معظم أزمات البلاد تعاني من غياب النخب، أو عدم دخولها في الهموم الكبرى للتغيير بشكل واقعي، بسبب الأحداث التي شهدتها البلاد من 40 عامًا، استبداد واستعمار واحتلال وأزمة في الدولة ومسارها في بناء البلد، أنتج مع هذا النظام السياسي الحالي هذا التردي والانحطاط التاريخي الكارثي على كل المقاييس.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجامعات العراقية بين الإهمال والوزراء المسيسين

العراق.. تلاميذ بلا مدارس