23-أغسطس-2019

تحول المغرب من محطة عبور إلى مستقر قسري للمهاجرين الأفارقة (الجزيرة)

إعداد: خديجة بوفوس وسفيان البالي

يقطعون آلاف الكيلومترات مشيًا على الأقدام أو متسلقين وسائل نقل متعددة لبعض المسافة، عبر الأدغال كما الصحاري. نساء مهددات بالاغتصاب وشبان يحاوطهم الموت بكل أشكاله؛ وصولًا إلى نهاية السير: المغرب!

وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، فإنه يمكن لموجات الهجرة التي يستقبلها المغرب أن تكونَ عاملًا في تنمية البلاد

لم يكن هذا مطمحهم الأمثل، لكن المغرب الذي تحول تدريجيًا من بلد عبور للهجرة نحو الجنة الأوروبية، إلى سد منيع دونها، عاد استقرارًا قسريًا يعيشه المهاجر القادم من جنوب الصحراء.

اقرأ/ي أيضًا: إقبار أحلام الشباب "الأسمر".. اتحاد مغربي إسباني لوقف الهجرة السرية

من ناحية المملكة المغربية، هذا خيار إستراتيجي واستثمارٌ كبير في العلاقات الدبلوماسية مع أوروبا، وفي الثراء البشري الذي تمنحه موجات الهجرة المتتالية، من الجنوب نحو الشمال. ومن ناحية أخرى، هي إدارة جيدة لأزمة إنسانية، كان لها أن تتولد بنفس البشاعة التي نشهدها والإعلام يغطي قواربَ الموت في عرض المتوسط.

الهجرة غير الشرعية
مهاجرون أفارقة يحاولون تجاوز الحدود المغربية إلى مليلة المحتلة إسبانيًا

من هكذا منطلقات شرع المغرب في تسوية الوضعية القانونية لإقامة هؤلاء المهاجرين، مشجعًا على انخراطهم في عجلة الإنتاج. غير أن الأمور ليست بهذه البساطة، فعلى ما يبدو أن الإدماج التام داخل النسيج الاجتماعي المغربي لا زال عصيًا، والشغل بندرته، منيعٌ أمام الوافد الجديد. هكذا يجد المهاجر نفسه وسط كل هذه التحديَات، منهيًا رحلة، وبادئًا في أخرى.

رحلة الأحلام الموؤودة

"قضيت ستة أشهر في المغرب، حاولت خلالها العبور نحو أوروبا أربع مرات فشلت كلها. اعترضت طريقنا عصابة من قطاع الطرق يحملون أسلحة بيضاء، أخذوا كل ما نملك، كنا قد استأجرنا قاربًا صغيرًا، دفع كل منا ثلاثة آلاف درهم (350 دولار أمريكي)"، يحكي يحيى، مهاجرٌ مالي (22 عامًا)، عن محاولته الفاشلة في تحقيق حلم الهجرة إلى أوروبا.

دامت رحلته ستة أشهر، انطلاقًا من بلده الأم، مرورًا بالجزائر وصولًا إلى المغرب مشيًا على الأقدام. "وضعيتنا صعبة وجد معقدة، ننام على الأرصفة، نعاني من الجوع، نأكل من حاويات النفايات" يضيف ساردًا أطوار معاناته.

يحيى حالة من كثير هي الحالات التي نصادفها في شوارع العاصمة الرباط، وغيرها من المدن المغربية. غالبًا ما تلاحظ تواجد هؤلاء المهاجرين، من كافة الأعمار والفئات، أغلبهم شباب وأكثرهم رجال، تعج بهم الأماكن العمومية، وتتزايد أعدادهم مع مرور الزمن.

زامبي ديالو، المهاجر الغيني ذو الـ18 ربيعًا، حالة أخرى قذفت بها الأقدار وفشلت كل محاولات عبوره نحو إسبانيا، ليستقر أخيرًا في أحد أحياء الرباط. يقول لـ"الترا صوت": "لا عمل لنا هنا في المغرب، نتسول بعض المال لنشتري ما نسد به جوعنا"، مضيفًا: "البعض يحتقرنا، أنا أتعرض للسب والشتم كل يوم".

عن سبب تواجده في الرباط يقول: "كنت في الدار البيضاء؛ الوضع كارثي هناك. نشب حريق في المخيم قرب محطة ولاد زيان، بسبب شجار وقع بين مجوعتين من المهاجرين من غينيا والكاميرون، كان ذلك مفزعًا بالنسبة لي، فقدمت للرباط". ليست هي الكارثة الأولى التي عاشها ديالو، فغيرها الكثير، يحكي منها: "في تلمسان، توفي قائد مجموعتنا، كنا نائمين في الغابة، وهو كان مستلقيًا بجانب سكة القطار، فدهسه ومات".

"لو حصلت على عمل واستقرار مادي هنا في المغرب، لما بحثت عن الركض وراء حلمي الذي لن يتحقق أبدا وهو الوصول لأوروبا"، يختم زامبي ديالو كلامه بحسرة.

تضعنا حسرة ديالو في الصورة: عنصرية متفاوتة يواجهها الأفارقة في المغرب، من فئات قليلة، ترى في هؤلاء المهاجرين مهددًا لوجودهم الاجتماعي.

يشترك يحيى وزامبي ديال في نفس الظروف المعيشية الرثة في بلدانهم الأصل: فقرٌ على ضعف المستوى الدراسي على بطالة. هذه هي السمات التي تغلب على كل هؤلاء المغامرين في الهجرة إلى الجنة الأوروبية، كحل أخير لكل معاناتهم. هذا ما يؤكده يحيى قائلًا: "نستطيع أن ندفع كل ما نملك من أجل الوصول لإسبانيا، حتى أن بعضا من رفاقي المسلمين قد غيروا ديانتهم لكي يستفيدوا من المساعدات الغذائية التي تقدمها الكنائس".

سياسة في أرقام ومعطيات

يورد تقرير منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، لسنة 2018، أنه يمكن لموجات الهجرة التي يستقبلها المغرب أن تكون عاملًا في تنمية البلاد، مشيرًا إلى أن موجة الهجرة بين الدول الافريقية يمكن أن تنعكس إيجابًا على التحول الهيكلي للبلدان المستقبلة، إن تم تدبيرها بشكل جيد، لأنها قادرة على رفع الناتج الداخلي الخام للفرد الواحد بالقارة في أفق 2030.

كما جاء في ذات التقرير أن سنة 2017 تميزت بتنقل ما يقارب 19 مليون مهاجر دولي داخل القارة، و 17 مليون أفريقي يعيشون خارج القارة، في حين يرص تحولًا طارئًا للهجرة نحو إفريقيا، بقدوم ما يعادل 5.5 ملايين شخص إليها من خارج القارة.

المهاجرون الأفارقة في المغرب
تتعسر محاولات اندماج المهاجرين الأفارقة المستقرين في المغرب

قبل ذلك، سنة 2013، أطلق المغرب "الإستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء"، استطاع بفضلها حوالي 23 ألف مهاجر أفريقي غير نظامي تسوية أوضاعهم. 

تشمل هذه الإستراتيجية برامج لتسهيل إدماج المهاجرين في المغرب في النظام التعليمي وضمان حصولهم على العلاج في المستشفيات المغربية، مع منحهم الحق في السكن وفق القوانين المغربية وامتيازات أخرى. لتطلق المرحلة الثانية من البرنامج سنة 2016، وقضى هذا الأخير بمنح بطاقة إقامة لمدة سنة تم تمديدها فيما بعد إلى ثلاث سنوات.

وفي تقرير للوزارة المنتدبة لدى وزير الخارجية والتعاون الدولي المكلفة بشؤون المغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، لسنة 2018، تم التطرق لأهداف الإستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء، وحصيلة المنجزات المتعلقة بتنفيذ الإستراتيجية، في عدة مجالات من بينها مجال التربية والتعليم، حيث عملت الوزارة الوصية بتعاون مع وزارة التربية الوطنية على تسهيل إدماج المهاجرين واللاجئين في مؤسسات التعليم النظامي، إذ تم تسجيل 5545 مستفيدًا برسم الموسم التربوي 2017-2018، وإدماجهم في برامج المساعدة على التمدرس ومكافحة الهدر المدرسي.

 أما في مجال الصحة فقد تم تعيين 75 مساعدًا اجتماعياً يعملون في مستشفيات مختلفة في جميع أنحاء المملكة لتقديم المعلومات والتوجيه للمهاجرين في المستشفيات. فضلًا عن تقديم خدمات إنسانية واجتماعية، واتخاذ عدة تدابير لمحاربة الاتجار في البشر، عن طريق عمليات اليقظة التي مكنت من إحباط أزيد من 68 ألف محاولة للهجرة السرية وتهريب المهاجرين، إضافة إلى تفكيك 102 شبكة خلال سنة 2018.

وفي إطار تقوية منظومة العودة الطوعية، جاء في التقرير أنه قد تم تمكين ثلاثة آلاف مهاجر للاستفادة من برنامج العودة الطوعية، ومساعدتهم على إعادة إدماجهم في بلد المنشأ. 

وفي هذا الصدد نُظمت 1196 عملية للعودة الطوعية ما بين كانون الثاني/يناير 2018 وأواخر أيلول/سبتمبر 2018، وفي نفس السياق حظي ما يقارب 20 ألف طلب تسوية بالموافقة من أصل 28 ألف طلب، على أن باقي الطلبات بصدد الدراسة من طرف اللجنة الوطنية للطعون. 

سراب الاندماج

"على الرغم من التجربة القانونية التي قام بها المغرب لتسوية أوضاع هؤلاء المهاجرين، فإنه لم يحصل أي اندماج ناجح بعد"، يصرح لـ"الترا صوت" عبد الواحد أكمير، المؤرخ المغربي والباحث في قضايا الهجرة، مضيفًا أن "وضعية المهاجرين الأفارقة في المغرب صعبة على جميع الأصعدة، حيث يصعب اندماجهم مهنيًا واجتماعيًا".

يقول أكمير: "في الفترة الممتدة بين نيسان/أبريل والشهر الجاري آب/أغسطس، تم إحباط أكثر من 40 ألف محاولة هجرة"، مؤكدًا صعوبة التوصل إلى حل لهذه الظاهرة، نظرًا لكون الفقر عاملًا أساسيًا من عواملها، ومشكلة بنيوية يصعب حلها على المدى القريب والمتوسط. 

ولكي تخرج أفريقيا من مشكل الهجرة "لابد من مخطط مماثل لمخطط مارشال الذي اعتمدته الدول الأوروبية بعد الحرب العالمية، وهذا غير ممكن لغياب التنسيق والإرادة والإمكانيات"، وفقًا لأكمير.

المهاجرون الأفارقة في المغرب
تحول المغرب مستقرًا قسريًا للمهاجرين الأفارقة

هذا ويعد المغرب قبلة لموجات الهجرة الأفريقية طوال تاريخه المعاصر، بسبب انعدام الاستقرار الذي يسم جواره سياسيًا واقتصاديًا، والمقصود دول الساحل والصحراء، وكذا بسبب لموقعه الإستراتيجي الأقرب للاتحاد الأوروبي والذي يحده بريًا تقريبًا، وكذلك للمعاهدات والاتفاقيات التي يلتزم بها والاتحاد لكبح وصول هذه الموجات إلى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط. بالتالي يتحول المغرب إلى أرض للاستقرار، بينما كان أرضًا للعبور، وبلد هجرة بعدما كان ممرًا للهجرة.

هنا يبلغ الصراع لتحقيق الاندماج داخل المجتمع المغربي أقصاه، بين الوافد الجديد والشعب المغربي، لإيجاد التوافقات بين حياتهم الأولى والحياة المغربية.

ويزيد تشبثهم وإصرارهم على المرور نحو أوروبا من صعوبة الاندماج، هكذا تجدهم يعيشون في شتات مجتمعات صغيرة منغلقة على ذاتها في غابات المغرب الشرقي والشمال، متحينين غفلة رجال الأمن من أجل التسلل لسبتة ومليلية المحتلتين، أو ركوب زوارق الموت لقطع المتوسط.

لا يقدم المجتمع المغربي أي خطوة للانفتاح على المهاجرين الأفارقة المستقرين في المغرب، في مقابل انغلاق المهاجرين على أنفسهم

وحتى الآخرين الذين يقيمون بشكل قانوني، يحافظون في أغلبهم على انغلاقهم على ذاتهم دون ربط علاقات مع المجتمع المغربي، في وقت لا يقدم المجتمع المغربي كذلك أي خطوة في طريق الانفتاح عليهم وتقبلهم في مناصب شغل غير تلك الهامشية التي يقومون بها؛ التجارة البسيطة غير المهيكلة والعشوائية لمنتوجات مزيفة، والتسول، وبالنسبة للنساء: نقش الحناء أو تسريح الشعر على الطريقة الأفريقية.