الترا صوت - فريق التحرير
قبل أن يعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، اليوم 1 نيسان/أبريل 2019، نية الاستقالة قريبًا، كانت قد أعلنت الرّئاسة الجزائريّة، يوم 13 آذار/ مارس الماضي، عن تعيين وزير الدّاخليّة والجماعات المحليّة وتهيئة المحيط نور الدّين بدوي، في حكومة أحمد أويحي، وزيرًا أوّل، لتشكيل حكومة كفاءات تشرف على تنفيذ ورقة الطّريق، التّي تفاعل من خلالها الرّئيس بوتفليقة مع مطالب الحراك الشّعبيّ، الذّي انطلق يوم 22 شباط/ فبراير الفائت. وممّا ضمّته تلك الورقة الدّعوة إلى تشكيل ندوة وطنيّة جامعة تشرف على تحديد موعد تراه مناسبًا لانتخابات رئاسيّة في أجل أقصاه سنة واحدة.
إعلان نية الرّئيس بوتفليقة الاستقالة الآن يثير مخاوف كثيرين، بعد أن اطمئنّ محيطه بتشكيل حكومة موالية له، فيصبح الإبقاء عليها إلزاميًّا بحكم المادّة 104 من الدّستور، التّي تمنع الرّئيس الانتقاليّ من إقالتها أو تعديلها
ظلّ الإعلان عن حكومة بدوي (1959) معلّقًا ثلاثة أسابيع، بسبب رفض كثير من الوجوه والفعاليات المشاركة فيها، لأنّها مرفوضة أصلًا من الحراك الشّعبيّ، حسبها. وجاءت لتلتفّ على مطالبه، في مقدمتها الرّحيل الفوريّ للرّئيس بوتفليقة والعاملين معه، بما فيهم الوزير الأوّل المعيّن نفسه.
اقرأ/ي أيضًا: تعتيم إعلامي على حراك الشعب الجزائري.. الرد في الشارع وفيسبوك
أخيرًا تمخّض الجبل
شهد المشهد الجزائريّ، خلال اليومين الماضيين، تطوّرات وُصفت بالخطيرة، منها دعوة المؤسّسة العسكريّة إلى الاستجابة للمطلب الشّعبيّ، الذّي رفعه في الجمعة السّادسة للحراك، بتعزيز المادّة 102 من الدّستور بالمادّتين 7 و8، بحيث يتمّ تعيين وجه جديد لرئاسة مجلس الأمّة عوضًا عن رئيسه الحالي المقرّب من الرّئيس بوتفليقة، حتّى يتولّى رئاسة الدّولة ويشرف على انتخابات رئاسيّة لا يترشّح لها في مدّة أقصاها ثلاثة أشهر. ثمّ قال بيان للمؤسّسة العسكريّة إنّ اجتماعًا مشبوهًا قامت به قوى غير دستورية هدف إلى زرع الفوضى بالتّنسيق مع عناصر من المخابرات الفرنسيّة.
أعطى ذلك انطباعًا بأنّ الجماعة الرّئاسيّة، في مقدّمتها شقيق الرّئيس الموصوف بكونه الحاكم الفعليّ للبلاد، باتت في قبضة الشّعب برعاية الجيش، حتّى أنّ خبرًا بتوجّه هذا الأخير إلى اعتقال وجوهها وتقديمهم للعدالة بتهمة التّخابر مع الخارج، تمّ تداوله على نطاق واسع. وفي عزّ اطمئنان الجزائريّين للوضع، أعلنت مؤسّسة الرّئاسة عن تشكيلة حكومة نور الدّين بدوي، في رسالة مفادها أنّها لا تزال على قيد الفعل والنّفوذ.
ضمّت الحكومة 27 حقيبة وزاريّة. منها ستّة وزراء من حكومة أحمد أويحي، مثل وزيرة البيئة ووزيرة البريد والتّكنولوجيات الحديثة، وواحدًا وعشرين وزيرًا لم يسبق لهم الاستوزار، قدم بعضهم من مناصب سامية، مثل وزير الدّاخلية ووزير التّربية والتعليم، اللذّين كانا نائبين للوزيرين السّابقين، فيما قدم بعضهم من "صفوف الشّعب"، بتعبير بقايا مناصري الرّئيس، مثل وزير العلاقة مع البرلمان فتحي خويل ووزيرة الثقافة مريم مرداسي.
وفي ظلّ تشفّي كثيرين في وزير الخارجية رمضان العمامرة، الذّي لم يرد اسمه في التّشكيلة الحكوميّة، رغم أنّه كان أوّل وزير تمّ تعيينه، قبل ثلاثة أسابيع، وقام بزيارات إلى دول منها روسيا وإيطاليا وألمانيا، بما اعتبره شباب الحراك استقواءً بالخارج، حظي وزير العلاقة مع البرلمان ووزيرة الثّقافة بحصّة الأسد من سخريّة روّاد موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسبوك، بحكم أنّ الأوّل ممثّل فكاهيّ، والثّانية لا تملك من المؤهلات، حسب كثير من التعليقات، إلا كونها جميلة.
كما لفت الإبقاء على رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح، في منصب نائب وزير الدّفاع، الذّي هو الرّئيس بوتفليقة نفسه، انتباه قطاع واسع من الجزائريّين. حيث قرأه البعض محاولةً من الجماعة الرئاسيّة لإحراجه مع الحراك، الذّي خرج، في اليومين السّابقين إلى الشّوارع دعمًا له في صراعه معها، فيما قرأه البعض من زاوية أنّها لعبة متّفق عليها بين الطّرفين، لإلهاء الحراك الشّعبيّ وتمهيد الطّريق لعودة النظام المغضوب عليه من النّافذة.
يقول النّاشط عمر بركاني لـ"ألترا صوت"، إنّه كان من الدّاعين إلى مسيرات حاشدة لنصرة قايد صالح في معركته مع شقيق الرّئيس وأتباعه، "لأنّ الشعب في حاجة إلى هذا التّحالف بينه وبين مؤسسة الجيش، في الظّروف الحالية. لكن في ظلّ التّطوّرات الجديدة، على القايد صالح أن يُثبت الولاء للشّعب برفضه منصب نيابة وزير الدّفاع، لأنّ قبوله به يعني تزكية للحكومة، مع احتفاظه بمنصب رئاسة أركان الجيش". يضيف: "في حالة استمراره في المنصب الحكوميّ، سيظهر أنّ هناك خطّة لإجهاض الحراك، ولا يبقى للشّعب حينها إلّا الاعتماد على نفسه لحمايته".
تصحيح النظرة
يبدو أنّ الجزائريّين سحبوا الرّوح السّاخرة والمرحة، التّي أبانوا عنها في الجمعات الستّ الماضية، إلى فيسبوك، فراحوا يُمارسون رفضهم لحكومة نور الدّين بدوي بالسّخريّة من وجوهها. بما أثار حفيظة بعض النّشطاء، الذّين قالوا إنّ الرّفض يتعلّق بالحكومة، من حيث وجودها أصلًا، لأنّها جاءت في سياق رئاسيّ وُجد الحراك لأجل إزاحته، ويجب تأكيد هذا الرّفض، حسبهم، حتّى وإن ضمّت وجوهًا مقبولة.
يقول الممثّل والنّاشط سليمان بن واري: "إنّ الغرق في تفاصيل الحكومة، من ذلك انتقاد تعيين الوجه الفلانيّ فيها، ينقل الاهتمام من رفض النّظام أصلًا وإرغامه على الرّحيل، إلى الاهتمام بسوء اختيار الوجوه. وهذا ما يُراد لنا بالضّبط". يشرح محدّث "ألترا صوت" فكرته: "إذا رأوا أنّ اللّهجة الغالبة هي انتقاد سوء اختيار الوجوه، فسيعمدون إلى تغييرها ليظهروا أنّهم استجابوا للمطالب الشّعبيّة، وهذا فخّ علينا أن نتفاداه".
اقرأ/ي أيضًا: حراك الجزائر.. ثورة الشباب على بوتفليقة والأبوية
في السّياق، يقول بن واري إنّ البعض، رغم أنّهم ضمن الحراك ضدّ النّظام، فقد ابتهجوا بتعيين وزراء منحدرين من مناطقهم، "ممّا يعني أنّ هناك مشكلة بنيويّة علينا الانتباه إليها وتفكيكها بما يخلق حالة من الانسجام داخل المسعى". يتدارك: "العزاء في أنّ كثيرًا من الاختلالات هي حكر على النّخب السّياسيّة والثقافيّة، أمّا على مستوى الشّارع، فالرّؤية واضحة والموقف صارم. مؤسف أن النّخبة متأخّرة عن شارعها".
لفت الإبقاء على رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح، في منصب نائب وزير الدّفاع، الذّي هو الرّئيس بوتفليقة نفسه، انتباه قطاع واسع من الجزائريّين، آخذين مواقف متباينة منه
إعلان الرّئيس بوتفليقة نية الاستقالة الآن يثير مخاوف كثيرين، بعد أن اطمئنّ محيطه بتشكيل حكومة موالية له، يصبح الإبقاء عليها إلزاميًّا بحكم المادّة 104 من الدّستور، التّي تمنع الرّئيس الانتقاليّ من إقالتها أو تعديلها. وهو الوضع الذّي قد يؤدّي إلى تعميق الأزمة السّياسيّة، بسبب إصرار الشّارع على رفض كلّ ما يمتّ للمنظومة السّابقة بصلة.
اقرأ/ي أيضًا: