11-يوليو-2019

كشفت عودة الإنترنت عن هول مجزرة فض الاعتصام (فيسبوك)

بعد قطع خدمة الإنترنت في السودان لأكثر من شهر عادت يوم الثلاثاء تدريجيًا لكافة المشتركين، وسط أجواء احتفالية في مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأ السودانيون استدعاء كثير مما فاتهم من أحداث وتطورات سياسية واجتماعية، دون أن تغطي الفرحة بعودة خدمة الإنترنت على مشاهد التعامل الوحشي مع الحراك السلمي، ومشاركة فيديوهات ظهرت لأول مرة، لم يكن متاحًا لها الظهور منذ أحداث فض اعتصام القيادة العامة في الـ29 من شهر رمضان الماضي.

كان لافتًا بمجرد عودة الإنترنت تدفق عشرات الفيديوهات التي وثقت وقائع فض الاعتصام من زوايا مختلفة، بكل تلك الفظاعة التي تركت جرحًا عميقًا في نفوس السودانيين، لتتجدد المآسي وتتوالى الإدانات

وكانت محكمة الخرطوم قد أصدرت صباح الثلاثاء أمرًا قضائيًا بإعادة خدمة الإنترنت في السودان. وجاء القرار القضائي بصورة نهائية ملزمة بإعادة الخدمة لمشتركي شركة "زين" و"إم تي إن" و"سوداني" بصورة تدريجية، وأعلنت تلك الشركات اعتذارها لمشتركي الدفع المقدم، ونيتها تعويض كل الذين اشتركوا في باقات الإنترنت خلال فترة انقطاع الخدمة، دون أن تتاح لهم، ما تسبب في خسائر مالية ومعنوية، لجميع الأطراف. 

اقرأ/ي أيضًا: اتفاق أطراف الأزمة في السودان بين التأييد والرفض الشعبي

توثيق المجزرة

كان لافتًا بمجرد عودة الإنترنت تدفق عشرات الفيديوهات التي وثقت وقائع فض الاعتصام من زوايا مختلفة، بكل تلك الفظاعة التي تركت جرحًا عميقًا في نفوس السودانيين، لتتجدد المآسي وتتوالى الإدانات، والمطالبة بتسريع لجان التحقيق، والقصاص للشهداء. لكن المثير في الأمر أن غالب الفيديوهات التي نشرت إن لم يكن جميعها، قام بتصويرها أفراد من قوات نظامية شاركت في فض الاعتصام، وهى تحمل الهراوات فقط، وظهرت وجوه بعضهم، بشكل أثار عاصفة من التساؤلات، أهمها هل كان الأمر مقصودًا لنسف الاتفاق بين قوى الحرية والتغيير التي اتفقت مع المجلس العسكري مؤخرًا ووضعها في امتحان جديد؟ أم أن ثمة رسالة تخويف وإثارة مشاعر الكراهية من جديد تقف خلفها ما تسمى بالدولة العميقة؟ لا سيما وأن لحظة فض الاعتصام رغم تراكم الأحداث حولها لم تُغر بالتناسي.

 

 

تعميق الأحزان

في تدوينة على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، كتب الصحفي عباس محمد مستنكرًا فض الاعتصام بتلك البشاعة التي ظهرت في الفيديوهات، معتبرًا ما وصفها بمجزرة 29 رمضان التي عمقتها مقاطع الفيديو المتدفقة منذ عودة الإنترنت، "تتويجًا للعنف الذي يعبر عن دولتنا المزيفة التى ظلت قواتها تقتل وتحرق وتغتصب دون توثيق وذاكرة غير كوابيس الناجين". وأضاف عباس أن التعامل مع هذه الجريمة بطريقة الفرز (جنجويد/ جيش) يعتبر هربًا ومحاولة تخدير. مشيرًا إلى أن ما جرى من انتهاكات وعنف بساحة الاعتصام هو سلوك يعبر عن المؤسسات محتكرة العنف في بلدنا؛ وبالتالي "علينا تقبل هذه الحقيقة دون هرب". وتساءل أيضًا: "هل الذي حدث كان مصادفة أم حكمة اختارت مكانها بدقة متناهية ليكون أمام مباني قيادة الجيش؟".

ذعر وعزلة

وشهد السودان فجر الثالث من حزيران/يونيو 2019  قطع خدمة الإنترنت بالكامل، وتزامن ذلك مع عملية فض الاعتصام بالقوة قبالة مقر قيادة الجيش، مما ترك السودانيين في حالة من الذعر والعزلة، بجانب فقدان التواصل مع بعضهم البعض، بصورة أشاعت الخوف والاعتقاد بأن السلطات فعلت ذلك بقصد إخفاء ما راج عن انتهاكات وفظائع موثقة صاحبت فض الاعتصام، فيما تكبدت شركات الاتصالات أيضًا خسائر مالية، وصفت بالفادحة. 

لم يتدرج المجلس العسكري في خطوات قطع الإنترنت، كما حدث إبان حكومة البشير، مثل حظر تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي في الأول، وإنما تم إغلاق الإنترنت بالكامل على نحوٍ مفاجئ. ونتيجة لتوقف خدمة الإنترنت توقفت شركات الطيران والكهرباء وبعض البنوك مؤقتًا، وخدمات التجارة الإلكترونية، وتطبيقات "ترحال ومشوار كريم" بصورة كاملة قبل أن تعود المؤسسات الرسمية عبر خدمات الإنترنت الأرضية، غير المتاحة للجمهور بطبيعة الحال. 

خلال أيام مريرة بدا السودانيون يشعرون بأهمية عودة خدمة الإنترنت، كحق طبيعي وأصيل، وارتفعت الأصوات الرافضة لذلك الإجراء التعسفي، باعتباره انتهاكًا لحقوق الإنسان، وحرمان من الحصول على المعلومات ومصادرة حرية التعبير. ووضعت قوى الحرية التغيير إرجاع خدمة الإنترنت كأحد الشروط الأساسية للعودة لطاولة المفاوضات.

مصادرة الحريات

من جهتها رفضت الشبكة العربية لإعلام الأزمات تصريحات المجلس العسكري بأن الإنترنت مهدد للأمن القومي، واعتبرت قطع الخدمة "جريمة تنتهك وتخالف مواثيق حقوق الإنسان، لكونه أصبح من أهم الضروريات مثل خدمة الكهرباء والماء وغيرها"، مؤكدة أن قطع الإنترنت عمومًا يصادر الحق في حرية الرأي والتعبير وحرية الاتصال السمعي والبصري والإلكتروني، ومحاولة فاشلة من المجلس العسكري لفرض حالة من التعتيم الإعلامي كتلك التي يفرضها على وسائل الإعلام المختلفة.

اقرأ/ي أيضًا: السودان.. ضغوط متزايدة على المجلس العسكري والشارع صامد على مطالبه

فيما أصدرت محكمة الخرطوم الجزئية أمرا ألزمت بموجبه شركة زين بإعادة الخدمة مؤقتًا للمواطن عبد العظيم لحين الفصل في الدعوة، وكتب عبد العظيم قبل أيام من عودة الإنترنت تدوينة على صفحته بالفيسبوك قائلًا "بحمد الله الإنترنت 4G انطلق من هاتفي المحمول. من حق كل مواطن ومواطنة سودانية الانضمام للدعوى وطلب عودة الخدمة"، مشيرًا إلى أن هناك دعاوي قيد الإجراء ضد شركتي سوداني وإم تي إن.

قدرت مصادر مختصة خسائر الإنترنت في السودان لنحو أسبوعين بما يقارِب 550 مليون دولار من الناتج القومي المحلي، و 36.66 مليون دولار يوميًا

خفة عبور الدماء

وفوق ذلك قدرت مصادر مختصة خسائر الإنترنت في السودان لنحو أسبوعين بما يقارِب 550 مليون دولار من الناتج القومي المحلي، و 36.66 مليون دولار يوميًا، وعادت الخدمة بالفعل مساء الثلاثاء بعد توقيع اتفاق بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري بتقاسم السلطة والمشاركة في المرحلة الانتقالية، دون أن يعلم أحد ما الذي تخبئه هواتف الناشطين من صور وفيديوهات صادمة أكثر مما ظهر ربما. لكن الأمر المهم أن تدفق مقاطع الفيديوهات نقل الأزمة إلى مربع جديد، أشبه بالقطيعة بين الشارع السوداني المتضامن مع نفسه والقوى السياسية التي قررت العبور بخفة فوق الدماء المتخثرة على الجدران وصور الشهداء، وتحديدًا قوى الحرية والتغيير التي منحها الشارع ثقته، فبدت اليوم كمن يحاول استرداد تلك الثقة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 السودان.. للثورة مواقيتها