ألترا صوت – فريق التحرير
في محاولة لإنعاش مشاهد اللحظات الأولى من انهيار يونيو/حزيران 2014 في أذهانهم، طرح قائد عمليات محافظة نينوى العراقية اللواء الركن نجم الجبوري على ضباطه سؤالًا، عن مدى "استعدادهم" للتخلي عن رتبهم العسكرية والفرار من المدينة مجددًا، بعد خروقات ضربت المحافظة والمدن المحررة، وأثارت مخاوف وتحذيرات من خطورة عودة نشاط تنظيم "داعش" مستغلًا "فسادًا وتواطؤًا" في أجهزة الأمن والحشد الشعبي.
تنذر عودة مفارز داعش والجماعات المتطرفة إلى المبادرة في اختيار الزمان والمكان والهدف، بخطورة الموقف الأمني في العراق
تمثلت الخروقات في نينوى بعدد من التفجيرات، أحدها هو الأول من نوعه في مدينة الموصل منذ تحريرها في العاشر من تموز/ يوليو 2017، حيث استهدف سيارة مفخخة مطعمًا في الجانب الأيمن من المدينة وأسفر عن مقتل شخصين واصابة 11 آخرين بحسب الرواية الحكومية، فيما قتل خمسة طلبة بتفجير عبوة ناسفة، الخميس 22 تشرين الثاني/نوفمبر.
أما مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين المجاورة، فقد شهدت مقتل عشرة أشخاص وإصابة نحو 12 آخرين بينهم نساء وأطفال بانفجار سيارة مفخخة، سبقها تفجير في مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار وآخر في الفلوجة.
ظهر الجبوري في مقطع مصور خلال اجتماع بحضور محافظ الموصل، نوفل العاكوب، وكبار ضباط المحافظة، وهو يرد على سؤاله بنفسه متعهدًا بـ "عدم تسليم" زمام أمن المحافظة إلى أي جهة، فيما دعا جميع الضباط إلى دعم معنويات جنودهم ومقاتليهم و"عدم ترويع الأهالي"، رغم الخروقات التي تستهدف "النيل من تلك المعنويات".
أما الحكومة العراقية فاكتفت بالإشارة، على لسان رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، الى أن تنظيم "داعش" لا يزال يواصل العمل من خلال خلاياه النائمة، مؤكدًا أن "جهود القضاء عليه متواصلة".
اقرأ/ي أيضًا: الحشد الشعبي..الميليشيا في مواجهة الدولة
#أنقذوا_الموصل
جاءت هذه التفجيرات بعد سلسلة من التحذيرات أطلقها سياسيون ومختصون بشأن الأوضاع في المناطق المحررة عمومًا في مدينة الموصل تحديدًا، بشأن وجود "فساد وتواطؤ" داخل الأجهزة الأمنية مكن قيادات في تنظيم داعش من مغادرة المعتقلات والعودة إلى المدن.
أما أبرز تلك التحذيرات فقد جاءت على لسان زعيم تحالف سائرون مقتدى الصدر، الذي أطلق وسم "أنقذوا الموصل" على تويتر، وقال إن "الموصل في خطر، وخلايا الإرهاب تنشط"، وهو ما أكده الخبير في شؤون الجماعات المسلحة، هشام الهاشمي على مستوى المدن المحررة كافة.
ورأى الهاشمي، أن "عودة مفارز داعش والجماعات المتطرفة إلى المبادرة في اختيار الزمان والمكان والهدف ينذر بخطورة الموقف الأمني"، مشيرًا الى أن ذلك يعني إعادة تجديد هياكل تنظيمات داعش كـ "تنظيم الظل"، والتي ستزيد من الأحمال الاستخبارية والاقتصادية على حكومة رئيس الوزراء الجديد عادل عبد المهدي.
وتتمثل خطورة التنظيم في الوقت الراهن ببناء قواعد جديدة في مناطق "الشرقاط والحضر والجزر (الغابات)" التي تنتشر في وسط دجلة جنوب الموصل بعد هزيمته في معركة المدينة القديمة، ومعها مناطق جبل مكحول وجبال حمرين والخانوكة بين محافظتي صلاح الدين وديالى، فضلًا عن "الشرّ القادم" من الحدود، كما يرى وزير الداخلية الأسبق باقر جبر الزبيدي.
يشير الزبيدي، إلى وجود قيادات عسكرية في الصف الأول تربطها علاقات صلة الرحم مع قياديين في تنظيم داعش، داعيًا إلى "إجراء تغييرات سريعة في هرم السلطة العسكرية في المحافظات، ومكافحة الفساد بشكل يكفل منع داعش من تأسيس قواعد له تعيدنا إلى المربع الأول".
من جهته، دعا محافظ الموصل السابق، أثيل النجيفي، إلى "التعاون" لإنقاذ الموصل، مشددًا على ضرورة "منع الفاسدين من الاستمرار في العبث بالموصل، ووضع حلول سريعة، فالموصل تسببت سابقًا بضررٍ لجميع العراق، وسيتكرر ذلك إذا اختل الأمن فيها، أو نشطت خلايا داعش مجددًا، أو إذا استمر العابثون الفاسدون، فستحصل كارثة جديدة للعراق".
وبشأن الأنبار، فقد حذر قائد شرطة المحافظة السابق اللواء طارق العسل، الأسبوع الماضي، من هجمات إرهابية قد تستهدف مناطق مختلفة من مدن الأنبار بقرب تشكيل الحكومة، مما يتطلب "معالجة أمنية صارمة" من خلال إعادة وضع الخطط العسكرية وتأمين الصحراء الغربية، مبينًا أن "تنظيم داعش الإرهابي يحاول استغلال أي ثغرة أمنية في المحافظة لشن هجمات تستهدف المدنيين والقوات الأمنية، والدليل ما حدث قبل أيام في الفلوجة من انفجار سيارة مفخخة وسط المدينة".
الفساد وصراع النفوذ!
لكن "الخطر الأكبر" الذي يمهد للانهيار الأمني وخلق البيئة المناسبة لظهور تنظيم داعش مجددًا أو تنظيم ارهابي جديد، في الموصل والمدن المحررة، يتمثل بوجود فساد وصراع بين قيادات في الأجهزة الأمنية وأخرى في الحشد الشعبي هدفه النفوذ والمال، وهو ما أشار إليه زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر في تغريدته أيضًا، حين حذر من "أيادي الفاسدين التي تنهش".
تندرج أعمال "تصفية الحسابات" بين الفصائل والجماعات المسلحة ضمن الصراع الإقليمي والدولي الدائر في العراق
ويتمثل اولئك "الفاسدون" بـ "قيادات أمنية انشغلت بعمليات تهريب السكائر والأغنام والنفط الخام، وبيع المناصب الأمنية وابتزاز المستثمرين والمواطنين"، بحسب وزير الداخلية الأسبق.
ووفقًا للمعلومات المقدمة، فإن ما يجري في محافظة نينوى وبعض المناطق المحررة هو تكرار للأوضاع التي سبقت الانهيار الأمني في 2014، وهو ما أكده تحالف القرار، إحدى الكتل السنية في البرلمان العراقي، في بيان تحد فيه عن وجود مافيات فساد وجريمة منتشرة، واستيلاء غير شرعي على أراض في نينوى، و"تدخل سافر" في عمل المنافذ الحدودية، وبطالة واسعة "يمكن أن تصبح بيئة مناسبة لأي عمل إرهابي"، فضلًا عن غياب أو تلكؤ الحكومة الاتحادية والمحلية في الاستجابة لأبسط حقوق المواطنين، ومنها الحصول على وثائق رسمية يحتاجها المواطن في حياته اليومية.
اقرأ/ي أيضًا: العراق.. الجبوري بريء من الفساد في ساعة واحدة
ووفقًا للبيان، فإن "كل ذلك سبب حالة خطيرة قوامها فقدان الأمل، وهو مؤشر شديد الإيحاء إلى ما آل إليه الوضع في نينوى"، مؤكدًا وجود موجة نزوح جديدة من المحافظة نحو المخيمات، فيما طالب رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي، بالتدخل الفوري السريع لضبط الأمن بطريقة منهجية كفوءة، وتوحيد الجهد المبعثر تحت قيادة واحدة.
ويعد تعدد الأجهزة الأمنية والفصائل والمجمايع المسلحة التي تتولى الملف الأمني في المناطق المحررة أحد أهم المعوقات أمام مهمة ضبط الأمن في تلك المناطق، بحسب مؤيد الجحيشي، مشيرًا إلى أن كل جهة من الجهات الأمنية تعمل بشكل منفرد ودون تنسيق مع الجهات الأخرى، بل يصل الحال أحيانًا الى حد التصادم فيما بينها، في ظل عدم وجود قيادة فعلية تتولى إدارة تلك الأجهزة وتوزيع مهامها.
من وراء التفجيرات!
بالعودة إلى التفجيرات الأخيرة والتي لم يتبن تنظيم داعش أي منها، فإن مختصون يرون أنها لا تحمل بصمات التنظيم الإرهابي، وتشير بقوة إلى مستوى الصراع بين "الفصائل المسلحة" في المدن المحررة.
حيث تهدف تلك العمليات إلى ترهيب أصحاب الأموال والمشاريع أو التمهيد للسيطرة على العقارات، فضلًا عن كونها وسائل لتصفية الحسابات بين بعض تلك الفصائل كما يقول الخبير بالشأن الأمني والعسكري مؤيد الجحيشي.
ويكشف الحجيشي لـ"ألترا صوت"، أن "السيارة المفخخة التي استهدفت مطعمًا في الجانب الأيمن من الموصل، كانت عبارة عن مركبة حمل صغيرة مكشوفة صنعت في عام 1979، وهي لا تتسع سوى لكمية محدودة من المواد المتفجرة"، مبينًا أن "التنظيم لا يستخدم مثل هذا الأسلوب في هجماته بل يعتمد على مركبات الصالون الحديثة، والتي تتيح له التفخيخ بكميات كبيرة من المتفجرات تصل إلى 500 كغم أحيانًا".
ويرى الجحيشي، أن الهدف من تفجير مطعم "أبو ليلى"، كان ترهيب صاحبه خاصة وأنه جاء بعد "رفضه دفع 20 ألف دولار لأحد الفصائل المسلحة"، فيما يوضح أن التفجير الذي وقع في وقت سابق في نينوى واستهدف مقرًا لأحد الفصائل كان من نفس النوع ضمن إطار "تصفية الحسابات"، وهو ما أقر به الفصيل المستهدف، على حد قول الجحيشي.
تأثير الإقليم وفراغ حقائب الأمن
تندرج أعمال "تصفية الحسابات" بين الفصائل والجماعات المسلحة ضمن الصراع الإقليمي والدولي الدائر في العراق، وبضمنه الصراع بين واشنطن وطهران، حيث تلعب التوازنات الإقليمية والدولية دورًا مؤثرًا وكبيرًا على مستوى الاستقرار الأمني في المناطق المحررة والبلاد عمومًا، فضلًا عن الصراع الداخلي على المناصب، كما يرى الخبير في الشأن الأمني أحمد الشريفي.
ويرى الشريفي في حديثه مع "ألترا صوت"، أن هناك خطرًا أمنيًا حقيقيًا يهدد المناطق المحررة بالتزامن مع ضغط تنظيم داعش على الجبهة الخارجية متمثلة بمناطق الشريط الحدودي مع سوريا، لكن خطر التنظيم "لا يرقى" إلى مستوى التهديد العسكري، فيما عد تأخير تشكيل الحكومة واختيار الوزراء الأمنيين، سببًا آخر ساهم في التراجع الأمني في الوقت الراهن.
تراجع الثقة وفقدان الأمل!
بالحديث عن الأسباب التي ساهمت في التراجع الأمني في المناطق التي استعادتها القوات العراقية قبل نحو عام، فإن أزمة انعدام ثقة المواطنين في تلك المناطق بالأجهزة الأمنية وعناصرها، والتي عادت إلى الظهور، تأتي في مقدمتها.
يتمثل "الخطر الأكبر" الذي يمهد للانهيار الأمني في الموصل والمدن المحررة، بوجود فساد وصراع بين قيادات في الأجهزة الأمنية وأخرى في الحشد الشعبي
وفي هذا السياق يؤكد الجحيشي، أن المواطنين في نينوى تعاونوا بشكل غير مسبوق مع الأجهزة الأمنية بعد تحرير المدينة بناءً على الثقة التي نالتها تلك الأجهزة بعد جهود تحرير المدن والتضحيات الجسيمة التي قدمتها، مبينًا أن ذلك التعاون أثمر عن كم هائل من المعلومات المهمة عن تنظيم داعش وعناصره.
لكن تكرار الأخطاء التي سبقت سقوط المدن من "فساد إداري ومالي واستغلال لواردات الدولة والاعتداء على أموال المواطنين بالإتاوات والرسوم، وفساد القوات المسلحة والقوات الأمنية بالتعامل السيئ مع المدنيين والتواطؤ مع الإرهاب"، خلق أزمة ثقة جديدة بين المواطنين وتلك الأجهزة.
اقرأ/ي أيضًا: العراق..مافيا الوظائف الحكومية تطيح بآمال الشباب
ويرى الجحيشي، أن ذلك يعد من أخطر المراحل والتي تخلق بيئًة مواتية للتنظيمات الإرهابية للظهور والتغلغل داخل المناطق، معتمدًة على عزوف المواطنين عن التعاون مع الدولة كنتيجة طبيعية لـ "سوء الإدارة والفساد والظلم"، متمثلة بقادة الأجهزة الأمنية والفصائل المنضوية تحت هيئة الحشد الشعبي.
وتتصاعد المخاوف بين المدنيين في المناطق المحررة وبالخصوص محافظة نينوى، من تكرار سيناريو اجتياح داعش للمحافظة، مع ارتفاع نسب الخروقات من عمليات تفجير واغتيال مقابل اعتقالات عشوائية.
يقول أبو أحمد وهو أحد سكان الموصل لـ "ألترا صوت"، إن "أكبر ما نخشاه هو تكرار المآسي التي قاسيناها خلال سيطرة تنظيم داعش والأحداث التي سبقت سيطرة التنظيم، حيث لم تعد نينوى قادرة على تحمل المزيد من الويلات والكوارث التي كان ثمنها دماء الآلاف".
ويدعو أبو أحمد، إلى خطط أمنية تقوم على جهد استخباري والاستفادة من خبرة أبناء المحافظة بإدراجهم ضمن الأجهزة الأمنية للحد من الخروقات الأمنية، فيما يؤكد أن الأساليب التقليدية المتمثلة بإغلاق الطرق ونصب نقاط التفتيش لا تحد من تحركات الإرهابيين، كونهم يسلكون طرقًا بعيدة عن أعين القوات الأمنية.
أما الشريفي، فيرى أن ضبط الأمن في المناطق المحررة والحفاظ عليها يمكن أن يتحقق عبر مسارين، أولهما إعادة الاعمار والثاني إعادة النظر في الوضع الأمني عبر إعادة النظر في الخطط الأمنية والقيادات.
وبالتركيز على محافظة نينوى حيث تعرضت مدينة الموصل إلى دمار شبه تام وتحديدًا الجانب الأيمن والمدينة القديمة منها، حيث أعلن زعيم داعش دولته الإسلامية منها، فإن الخبير الجحيشي يؤكد لـ "ألترا صوت"، أن الحل يكمن في نقطتين مترابطتين تتمثلان بتغيير قائد العمليات نجم الجبوري، لـ"عدم امتلاكه المؤهلات العسكرية أو الخبرة الكافية لإدارة المنصب"، ومنح القائد الجديد صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة في حدود المحافظة، لضبط الأجهزة الأمنية المختلفة وتنسيق عملها والسيطرة على نشاطات الفصائل والمجموعات المسلحة.
ويوضح الجحيشي، أن قائد العمليات وفق الشكل الحالي للمنصب لا يمتلك أي سلطة على القطعات العسكرية، ويعجز عن تحريك فوج من القوات المسلحة، لارتباط تلك القوات بسلسلة من المراجع التي تحول دون نفاذ أوامر قائد العمليات إلا بشرط موافقتها.
يشار إلى أن الحكومة العراقية كانت قد أعلنت عن تحرير الموصل، آخر مدينة احتلها "داعش"، والانتهاء من العمليات العسكرية في كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، إلا أنها لم تحسم حتى الآن أي من ملفات إعادة إعمار المدن المحررة أو إعادة العوائل النازحة إلى مدنها.