04-يناير-2019

جوليان أسانج في مؤتمر صحفي من سفارة الإكوادور بلندن (EPA)

إذا كان ثمّة من رافق كلمة الجدل في عالم الأخبار والتسريبات الصحفية، فعلى الأرجح لن يكون هنالك أبرز من جوليان أسانج، مؤسس منظمة ويكيليكس، صاحبة أكبر وأهم سلسلة تسريبات في التاريخ الحديث لعددٍ ضخم من الوثائق العسكرية والدبلوماسية لعشرات الدول والعواصم والشركات الكبرى.

أحدثت ويكيليكس ضجة كبيرة رافقت مؤسسها أسانج الذي حامت حوله الإشاعات، بل التلفيقات التي وقعت في بعضها مؤسسات صحفية مرموقة

أحدثت ويكيليكس ضجة كبيرة، رافقت مؤسسها أسانج الذي حامت حوله الأقاويل، ما بين القريب من الحقيقة، والكثير من الإشاعات، أو حتى التلفيقات، والتي وقعت في بعضها عدد من كبرى المؤسسات الصحفية المرموقة!

اقرأ/ي أيضًا: جوليان أسانج: مستعد لأي مصير 

تعتبر المؤسسات الرسمية التقليدية في الولايات المتحدة جوليان أسانج خطرًا يهدد الأمن القومي، وقد وُصف بـ"الإرهابي" على لسان هيلاري كلينتون، ونائب الرئيس السابق جو بايدن. 

وقال وزير الخارجية الأمريكي الحالي مايك بومبيو، عندما كان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، عن ويكيليكس إنه "جهاز مخابرات غير حكومي معادٍ لنا". 

وشدد السياسي الأمريكي الجمهوري وعضو مجلس الشيوخ السابق جيف سيشنز، على أن محاكمة أسانج هي "أولوية" بالنسبة للولايات المتحدة، وذلك حسبما نقلت الجزيرة على موقعها الإنجليزي.

هل عمل أسانج لحساب ترامب؟

في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، خبرًا مفاده أن نجل دونالد ترامب، تواصل مع منظمة ويكيليكس خلال الحملة الانتخابية للرئاسة الأمريكية في 2016. وربط البعض هذا التواصل، بعلاقات مُسبقة بين ويكيليكس وروسيا، في محاولة منظمة للتأثير على سير العملية الانتخابية لصالح دونالد ترامب ضد مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون.

جوليان أسانج
المؤسسات الرسمية التقليدية في الولايات المتحدة تعتبر أسانج خطرًا على الأمن القومي

وترددت بشكل مكثف الأقاويل حول استهداف أسانج لهيلاري كلينتون بشكل شخصي لمنع تقدمها في الانتخابات، بالإشارة تحديدًا إلى تسريبات البريد الإلكتروني لكلينتون التي أطلقتها ويكيليكس قبيل الانتخابات الأمريكية في 2016.

غير أنّ أسانج يُشدد على أنه غير معني بمهاجمة كلينتون شخصيًا، وفقًا لما جاء على لسانه في مقابلة أجراها معه موقع ذا إنتريسبت في 2017. بقدر ما كان معنيًا بتقديم الحقيقة أولًا وإعلان تضامنه مع حظوظ بيرني ساندرز في وجه هيلاري، والتنبؤات بترامب آنذاك، لكن هل فعلًا كان ثمة تنسيق بين أسانج وحملة ترامب الانتخابية؟

بُنيت الحبكة بالكامل على قصة مفادها أن شبكة "سي إن إن" حصلت على رسالة إلكترونية حصرية تتضمن روابط للرسائل الإلكترونية المسربة للحزب الديمقراطي موجهة لحملة ترامب، وأن تلك الرسائل بعث بها شخصٌ يُدعى مايكل جيه. 

هنا تكمن القضية، بالادعاء بأنّ مايكل جيه ليس إلا تمويهًا على ويكيليكس أو جوليان أسانج. غير أنّ ما يفضح وهم القصة، هي أنّ الرسائل بُعثت في 14 أيلول/سبتمبر من عام 2016، أي بعد 10 أيامٍ كاملة من بدء إعلان موقع ويكيليكس عن التسريبات. 

ويعني هذا أنه ما من ضرورة للتواصل المباشر العلني أو تحت اسم مايكل جيه أو غيره، بين ويكيليكس وحملة ترامب، التي هاجمها أسانج علنًا في غير مناسبة، وأنه على الأرجح لم يكن مايكل جيه سوى شخصٍ عادي، من بين آخرين مثله، حاولوا أن يرسلوا لحملة ترامب، بما في ذلك نجل ترامب، حول التسريبات كنوعٍ من لفت الانتباه.

اللافت في الأمر أن شبكة "سي إن إن" رفضت الاعتذار عن زيف قصتها، وادعت بدلًا عن ذلك بأن "مصادر متعددة" أعطتها تاريخًا غير صحيح!

حتى الغارديان!

يُروج المجتمع الاستخباراتي الأمريكي لكون ويكيليكس ذراعًا للمخابرات الروسية، ووقعت مؤسسات صحفية كبرى في فخ نظرية المؤامرة وراء هذا الادعاء، وما ينبني عليه. وعلى ما يبدو لم تكن صحيفة بوزن الغارديان بعيدة عن الوقوع في هذا الفخ بشكل أو بآخر. كما لم يكلف أي من أصحاب هذه الدعاية التي اتضح تضليلها تباعًا متابعة ضخامة التسريبات التي قدمتها ويكليكيس بحق موسكو والكرملين وبوتين ورجالاته وكامل أنشطتهم التجسسية دوليًا.

اقرأ/ي أيضًا: جوليان آسانج.. صحافي نادر على طريقته

فقد نشرت صحيفة الغارديان خبرًا حول مقابلة أجراها المحامي الأمريكي بول مانافورت الذي كان مديرًا لحملة دونالد ترامب حتى آب/أغسطس 2016، مع جوليان أسانج في مقر السفارة الإكوادورية بلندن حيث يقيم أسانج.

المشكلة في القصة الخبرية التي أوردتها الغارديان، هي القصة نفسها، التي بدأ صحفيون في التحقيق وراءها، لاكتشاف ثغرات خطيرة بها، تشير إلى ضعف صحتها، وربما تنسفها تمامًا.

جوليان اسانج
وقعت صحيفة الغارديان في فخ التلفيق على جوليان أسانج

أوّل ثغرة تلك التي أشار إليها موقع ذا إنتريسبت بالسؤال حول الكيفية التي استطاع بها مانافورت أن يتسلل إلى أحد أكثر المباني مراقبةً وتتبعًا، دون أن يلحظه أحد، ولثلاث مرات مختلفة!

اللافت أكثر، أن اسم مانافورت لم يظهر في أيّ من سجلات السفارة، على الرغم من أنّ الغارديان نفسها أشارت إلى أن زوار السفارة عادة ما يُسجّلون من قبل أمن السفارة، ويُظهرون جوازات سفرهم. 

ثم جاءت القاضية بالنسبة للغارديان التي لم تُجب على الأسئلة حول ثغرات قصتها الخبرية، عندما أكّد الدبلوماسي الإكوادوري والسكرتير السابق في السفارة الإكوادورية بلندن، فيدل نارفاز، في مقابلة صحفية، على أن قصة الغارديان "مزيّفة". 

كشف أسانج عن تسريبات لوثائق هامة كان لها تأثير كبير، لكنه أيضًا، وباعتباره ضحية هذه المرة، كشف عن فوضى التلفيق والفبركة الصحفية

كما يتضح، كشف أسانج عن تسريبات لوثائق هامة، أحدثت في أوقاتها زلازل ليست بالهينة، بعيدًا عن شروط مؤسسات الميديا الرئيسية، لكنه أيضًا من جهة أخرى، وباعتباره هذه المرة ضحية، كشف عن فوضى التلفيق والفبركة في عالم الصحافة، حتى من المؤسسات الكبرى والرئيسية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

2018.. عام الفبركات والأخبار الكاذبة؟

اعتراف القضاء البريطاني بويكيليكس منظمة إعلامية.. جولة لصالح حرية الصحافة