16-مارس-2019

لم يكن استهداف المسجد في نيوزلاندا أولًا من نوعه (فيسبوك)

يومٌ بعد الفاجعة، والعالم لم يبرأ بعد من هول ما عاشه صباح الجمعة 15 أذار/مارس. صور القتلى المتكومين داخل جنبات المسجد، وأصوات إطلاق النار ممزوجة باستغاثة مبحوحة لا زالت تهز أركان الكرة الأرضية. والجرح لا زال غائرًا، ينز الدماء، في عملية إرهابية هي الأكثر شناعة خلال السنة الأخيرة. لكن ما قام به الإرهابي اليمينيّ المدعو برينتون تارانت، ليس شيئًا مستجدًا، وإن استجد بفعلته تلك الحديث عن إرهاب أبيض، لا يقل خطورة عن ما سمّاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ذات مرة، في خطاب عنصري، بالإرهاب الإسلامي. بل ولطالما، كانت دور العبادة هدفًا مفضلًا لجرائم مثل ما شهدته نيوزيلندا يوم الجمعة.

من الناحية العملية، فإن دور العبادة أهداف سهلة، بما هي من جهة مركز تجمهر كثير من الناس، الذين يكونون بحكم الموقف عزلًا. وهكذا تتم التصفية دون مقاومة

فمن قبل، وعلى طول السنوات الخمس الأخيرة، توالت فواجع المجازر التي تستهدف دور العبادة والمرافق الروحية، لأسباب تتعدد وتختلف، وبدوافع أكثر تعددًا واختلافًا. نعرض عليكم أبرزها، على طول السنوات الأخيرة، محاولين الإجابة عن السؤال: لماذا تستهدف مثل هذه المرافق وروادها المسالمين؟

اقرأ/ي أيضًا: "مانفستو الإرهابيّ".. ماذا كتب سفاح نيوزلندا قبل جريمته؟

تفجير جامع الإمام الصادق

يعد جامع الإمام الصادق،  بحي الصوابر شرقي العاصمة الكويت، أحد أعرق وأكبر المساجد الشيعية بالإمارة. ما يجعله محجًا بارزًا من قبل المصلين أتباع هذا الطائفة المسلمة، وما حوله في المقابل، هدفًا للتطرف الطائفي من جهة أخرى. وذلك ما تحقق في الهجوم الإرهابي الذي ضرب المسجد يوم 26 حزيران/يونيو سنة 2015، والذي تزامن وصلاة الجمعة الثانية من شهر رمضان، في تحين لإحدى ساعات ذروة امتلاء المسجد، وإسقاط أكبر عدد من الضحايا الأبرياء. خلف الهجوم الانتحاري الذي تبنى تنظيم داعش تنفيذه حصيلة ثقيلة، ما يعادل 27 قتيلًغ وأكثر من 200 جريح.

تفجيرات المسجد النبوي

لم يسلم حتى المسجد النبوي بالمدينة المنوّرة، أحد أكثر البقع قداسة عند المسلمين، من الهجوم الإرهابي. كان ذلك يوم 29 رمضان قبل ثلاث سنوات، أي ما يوافق 4 تموز/يوليو سنة 2016. حيث استهدف انتحاري من جماعة داعش مجموعة من رجال الأمن بموقف سيارات المسجد، بعدما حاولوا إيقافه لاشتباههم فيه، مفجرًا حزامه الناسف، فراح ضحية هذا العمل أربعة من قوات الأمن، وخمس جرحى آخرين حسب ما جاء يومها في تقرير وزارة الداخلية.

استهداف الكاتدرائية المرقسية

في الخمس سنوات الأخيرة، كانت الكاتدرائية المرقسية بالقاهرة، المركز الديني الأكثر تعرضًا للهجمات الإرهابية. حيث تعرضت لهجومين في ظرف أقل من سنة. يعود الأول إلى شهر كانون الأول/ديسمبر من سنة 2016، وتزامنًا مع احتفالات أعياد الميلاد، وقع الهجوم الإرهابي بواسطة عبوة ناسفة، راح ضحيته 9 وأصيب 49 آخرون.

بعده بأربع أشهر فقط، تعرضت الكاتدرائية لهجوم آخر، من ضمن سلسلة هجمات استهدفت كذلك كنيسة ماري جرجس بمدينة طنطا، ولولا يقظة حارس الأمن وتضحيته لخلف حصيلة أثقل من سابقتها. وفي وقت لاحق، كانت قد تبنت جماعة داعش الهجومين.

مجزرة مسجد موريال

بعيدًا عن الشرق الأوسط، هذه المرة في بقعة أقل التهابًا على ما يبدو، في الكيبيك المقاطعة الكندية الفرنكوفونية، يوم 29 كانون الثاني/يناير سنة 2017. حيث تعرض المركز الإسلامي ومسجد مدينة مونتريال، لهجوم مسلح نفذه شاب كندي يدعى ألكزندر بيسونيت، ذو خلفية يمينية عنصرية معادية للمهاجرين. وكما ورد في التحقيقات معه، فقد كان يرى في المهاجرين المسلمين خطرًا عليه وعلى عائلته، وعلى هذه القاعدة نفذ عمليته. وراح ضحية هذه الجريمة الشنيعة 6 قتلى، و9 جرحى.

دهس في محيط مسجد فينسبوري 

لا تتوقف الهجمات على دور العبادة عند اقتحامها، تفجيرها أو رشها بطلقات الرصاص. في هذه الحالة نلاحظ تغيير تكتيك الهجوم. عودة إلى سنة 2017، سيهتز العالم لوقع حادثة أخرى، هذه المرة عملية دهس في محيط مسجد فينسبوري بقلب العاصمة البريطانية لندن. دوافع الهجوم تندرج تحت خانة العنصرية، ومعاداة الإسلام والمهاجرين، لم تخلف ضحايا أكثر من قتيل واحد وعشرة جرحى. وتبعت هذه العملية بسلسلة من العمليات الإرهابية، ذات نفس الدوافع، وذات الضحايا.

ما الذي يجعل دور العبادة أكثر إغراء للهجمات الإرهابية؟

لا يمكن الجواب على هذا السؤال بشكل مباشر، كونه سؤال إشكالي، لا يقوم على قراءة واحدة، بل على مقاربات عديدة. ولتكن العودة في التحليل إلى أكثر عناصر هذه الجرم حيوية، أي علاقة الجاني بضحاياه، بوصفها علاقة إنسانية من جهة، ومن جهة أخرى علاقة سياسية محضة. بحيث أن الجاني لا يرى في هدفه إلا انتصارًا لما يفكر فيه. 

اقرأ/ي أيضًا: إعادة الاعتبار للغضب في فهم "الإرهاب"

هنا يلعب المكان، أي دار العبادة، دورًا حاملًا لهذه الأيديولوجية المعادية في نظر المجرم، بل رمزًا لما يهاجمه. وبالتالي فإن مهاجمته، وتدنيسه بالدماء، وتحطيمه بمثابة تدمير وتحطيم ومهاجمة الجماعة والهدف لهذا العداء. من ناحية، وبالتالي فإن تصفية إنسان داخله تأخذ صورة التصفية للفكرة التي يمثلها هؤلاء الضحايا، أو لما يتبعونه.

على طول السنوات الخمس الأخيرة، توالت فواجع المجازر التي تستهدف دور العبادة والمرافق الروحية، لأسباب تتعدد وتختلف

أما من الناحية العملية، فإن دور العبادة أهداف سهلة، بما هي من جهة مركز تجمهر كثير من الناس، الذين يكونون بحكم الموقف عزلًا. وهكذا تتم التصفية دون مقاومة كما تحصد خسائر أكبر منهم، خاصة أن العمليات غالبًا ما تكون فردية، وبدون أسلحة متطورة جدًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 من يؤيد سفاح نيوزيلندا حقًا؟

رهاب الإرهاب