07-أكتوبر-2017

رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحي (رياض كرامدي/ أ.ف.ب)

داخل حافلة مهترئة تشق الطريق المزدحم كعادة الجزائر العاصمة كل صباح، يحمل شيخ إحدى الصحف، مُكلمًا شابًا كان جالسًا أمامه: "هل قرأت ما قاله الوزير الأول"، لقد صرح أحمد أويحيى بـ"الفم المليان" أن خزائن الدولة فارغة.

يُوصف أحمد أويحيى في الجزائر بـ"رجل المهمات الصعبة"، وتصفه المعارضة بصريح العبارة "رجل المهمات القذرة" 

يُضيف الشيخ: "أحمد أويحيى نذير شؤم، فكلما أوليت له مهمة قيادة الحكومة إلا وحلت الأزمة وكأنه يجر القحط في ثوبه". أجابه الشاب: "أنا أقرأ الأمر بطريقة عكسية، النظام يلجأ للرجل كلما اشتد الحال ووجب الزج بشخص يحسن شد الحزام"، فبعد بحبوحة مالية كان فيها النظام يوزع الريع وأموال البترول شمالًا ويمينًا، انخفض سعر النفط وتهاوت العائدات، فكان واجبًا على أهل الربط والحل الاستنجاد بهذا الإطفائي الذي يلقبه البعض برجل المهمات الصعبة، فيما يصفه المعارضون في الجزائر بصريح العبارة (رجل المهمات القذرة)".

اقرأ/ي أيضًا: بعد رئاسته الحكومة للمرة الرابعة.. هل يخلف أويحيى بوتفليقة في حكم الجزائر؟

أحمد أويحيى (65 عامًا) أحد أهم رجال السياسة في الجزائر، ورجل ثقة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، أو على الأقل المؤسسات الحاكمة وعلى راسها المؤسسة العسكرية. أوكلت له مهمة رئاسة الحكومة قبل شهرين خلفًا لعبد المجيد تبون، الذي لم يعمّر أكثر من شهرين في مبنى الدكتور سعدان. يتولى أويحيى أيضًا الأمانة العامة لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، ثاني أكبر الأحزاب تمثيلًا في البرلمان الجزائري.

في هذا يرى الصحفي جعفر خلوفي، في حديث مع "ألترا صوت"، أن أحمد أويحيى تحول على مر العشريتين الأخيرتين، إلى "ثابت في توليفة النظام المعروفة بكثرة المتغيرات"، مُوضحًا: "فالرجل يمتلك قدرة رهيبة على الانحناء أمام عواصف التغيير، فكلما تهاوت أسماء ثقيلة ولفظها النظام، يسقط أويحيى ويجزم المحللون بأنه انتهى وتقاعد، ليعود للواجهة مرة أخرى".

يُمثل أويحيى في المشهد السياسي الجزائري تركيبة مثيرة للاهتمام، فكما يقول خلوفي: "تنسب له كل الأوصاف، وخاصة الأضداد، قد يكون حازمًا، يحارب الشعبوية اليوم ليسقط فيها غدًا دونما حرج"، مُضيفًا: "أويحيى يدافع عن الشيء وضده بنفس الحدة، بل وبنفس الاقتناع، يمكنه أن يتنبأ بتطور اقتصادي قريب قبل عشر سنوات، ليعود بعدها، ويفخر بقدرة الدولة على مجرد دفع رواتب الموظفين بعد شهرين، ويمضي في حال سبيله رغم الهوة بين الحالتين". ولأن "وجهه صار مقرونًا بالأزمات"، بتعبير مخلوف، فإن الشعب يخافه أو لعله يتشاءم منه.

وأثناء الحملة الانتخابية لتشريعيات أيار/مايو الماضي، تبنى أويحيى خطابًا كان أقرب لمعارضة النظام منه للموالاة، فقد انتقد في مواضع كثيرة وفي تجمعات عدة حكومة عبد المالك سلال، بل وذهب حتى للتمويه بفشل برنامج رئيس الجمهورية، وهو البرنامج الذي تغنى به أويحيى لسنوات عديدة حين كان على رأس الجهاز التنفيذي في الجزائر. 

في تلك الأثناء ذهب غالبية المحللين للمشهد السياسي الجزائري للقول بأن أويحية يقدم نفسه بديلًا للرئيس بوتفليقة، ومرشحًا مرتقبًا لرئاسيات 2019، لكنه فاجأ الجميع وظهر مرة أخرى ليترأس الحكومة للمرة الثانية كوزير أول ولخامس مرة إذا احتسبنا عهداته الثلاث كرئيس للحكومة, مرة أخرى عاد أويحيى ليهلل لبرنامج الرئيس ويثني عليه ويعتبره السبيل الوحيد لخلاص الجزائر من عنق الزجاجة.

وقبل أيام، وأثناء عرض برنامج الحكومة على نواب الشعب، سأل أحد نواب حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، أحمد أويحيى عن مصير الأموال التي صرفتها الحكومات المتتالية في عهد الرئيس بوتفليقة، فعوضًا عن أن يجيبه أويحيى جوابًا كافيًا ووافيًا يحمل أرقامًا وبراهين مقنعة، اختصر الكلام كعادته، قائلًا: "الشعب يعلم أين صرفت تلك الأموال"!

فيما تأتي حكومات وتذهب اُخرى، وتتوالى الصدمات في الجزائر، يبقى أويحيى ما بين ذهاب وإياب كـ"رجل المد والجزر"! 

وفي ذات المجلس أيضًا، حين أراد الوزير الأول إقناع النواب بضرورة الموافقة على قانون القرض من البنك المركزي، خاطبهم قائلًا: "إن لم نستدين مالًا فلن نوفي أجوركم لشهر تشرين الثاني/نوفمبر". وبمثل هذه الإجابات والكثير من التعاليق التي تحمل بعض السخرية، كوّن أويحيى لنفسه صورة شبه قاتمة في المخيال الجمعي الجزائري، إذ تحمل بعض تصريحاته استخفافًا، وكثيرًا ما خلقت جدلًا واسعًا، بتلونه حسب الظرف، وتهربه من السؤال بفتح جبهات على أجوبة لا علاقة لها بالسؤال، ما جعل الكثير من الجزائريين ينبهرون في بعض الأحيان بأسلوب وزيرهم الأول، خاصة أمام الصحافة العالمية التي نادرًا ما أخذت تصريحًا على مقاسها من الرجل. 

تذهب حكومات وتأتي حكومات، تتوالى الصدمات في الجزائر وسط أزمة اقتصادية خانقة، ليبقى أويحيى في ذهاب وإياب بين المناصب، حتى صح تسميته بـ"رجل المد والجزر".

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل الجزائر هي رئيسها فقط؟

تعديل الدستور والعجز الدائم في الجزائر