تناولت "بي بي سي عربي" في وثائقي بثته مؤخرًا بعنوان "أمراء آل سعود المخطوفون" حوادث اختطاف 3 أمراء سعوديين يعيشون في أوروبا وذلك خلال السنتين الماضيتين، وهم الأمراء سلطان بن تركي، وتركي بن بندر، وسعود بن سيف النصر، وجميعهم أحفاد الملك المؤسس للمملكة. وقدمت شهادة للأمير المعارض خالد بن فرحان والمقيم حاليًا في منفاه بألمانيا، والذي كشف عن حذره من اختطافه على غرار بقية أبناء عمومته. ليسلّط بذلك الوثائقي الضوء على جرائم النظام السعودي بحقّ الأمراء المعارضين لتوجهات الأسرة الحاكمة خاصة فيما يتعلق باستشراء الفساد والاستفراد بالسلطة.
يسلط وثائقي "أمراء آل سعود المخطوفون" الضوء على جرائم النظام السعودي بحق الأمراء المعارضين للفساد المنتشر والاستفراد بالسلطة
اقرأ/ي أيضًا: حزمة أوامر العاهل السعودي.. خطة محمد بن سلمان للسيطرة على كل شيء
عن الأمراء المخطوفين
تعرّض الأمير سلطان بن تركي لحادثتي اختطاف سنة 2003 ثم سنة 2016 وذلك بسبب مواقفه المعلنة المعارضة للنظام وخاصة مبادرته بتقديم شكوى جنائية ضد عضو في الأسرة الحاكمة في سويسرا وهو ما أدى لاختطافه في المرة الثانية.
تمّت عملية الاختطاف الأولى في حزيران/ يونيو 2003 حينما استدعاه ابن عمه الأمير عبد العزيز بن فهد لقصر الملك فهد في جنيف لاحتساء القهوة بحضور وزير الشؤون الإسلامية صالح آل شيخ، حيث تمّت دعوته خلال اللقاء للعودة طواعية للمملكة لحلّ الخلاف مع الأسرة وهو ما رفضه الأمير سلطان. إثر ذلك، غادر الأمير عبد العزيز والوزير المرافق غرفة الفندق، لتدخل مجموعة ملثّمة قامت بتخدير الأمير سلطان وترحيله للسعودية في طائرة خاصّة. وهذه الرواية أخبر بها الأمير بنفسه محكمة سويسرية لاحقَا. ودعّمتها شهادة مساعده مسؤول الاتصالات ادي فيريرا، الذي قال إنه بعد عملية الاختطاف، جاء السفير السعودي في سويسرا برفقة المدير العام للفندق ودعوا الموظفين المساعدين للأمير المختطف لمغادرة الجناح "بكل هدوء".
وتعرض الأمير المختطف لمشاكل صحيّة في المملكة التي سمحت له سنة 2010 بالمغادرة إلى مدينة بوسطن في ولاية ماساتشوتس الأمريكية من أجل العلاج ثم توجه لأوروبا، غير أن الأمير بادر بتقديم شكوى جنائية في المحاكم السويسرية اتهم فيها الأمير عبد العزيز بن فهد والشيخ صالح آل الشيخ بالمسؤولية عن اختطافه في عام 2003. في هذا السياق، قدّم المحامي الأمريكي للأمير كلايد بيرغستريسر، شهادة بيّن فيها أن التقرير الطبي للأمير في مستشفى الملك فيصل في الرياض، بيّن أنه اثر اختطافه سنة 2003 عانى من الشلل في الحجاب الحاجز نتيجة للاعتداء عليه.
وواصل الأمير في أوروبا إجراء مقابلات ينتقد فيها الحكومة السعودية وسجلها في حقوق الإنسان واستشراء الفساد بين الأمراء، ليقع اختطافه للمرة الثانية باستدراجه عبر طائرة خاصّة كان من المفترض أن تهبط في القاهرة ليزور والده الأمير تركي، غير أنها غيرت مسارها نحو الرياض. وقد قدم الوثائقي شهادات لمرافقين من أصل 18 مرافقًا للأمير في الطائرة، كشفا فيها وقائع الاختطاف وحجزهم ونزع جوازات سفرهم قبل إطلاق سراحهم لاحقًا.
أما الأمير المختطف الثاني فهو تركي بن بندر والذي كان مسؤولًا رفيعًا في جهاز الأمن قبل أن يدخل في نزاع حول الإرث مع الأسرة الحاكمة وتحديدًا الملك السابق عبد الله باتهامه بالاستيلاء على قطعتي أرض لشقيقته الأميرة بندري والدة الأمير تركي، الذي فرّ لاحقًا سنة 2013 إلى باريس أين بدأ ببثّ مقاطع فيديو في يوتيوب يدعو فيها إلى ضرورة تبني إصلاحات في السعودية، وذلك قبل أن يختفي عن الأنظار.
كشف المدون وائل خلف وهو صديق للأمير في شهادته في الوثائقي بأنه سمع عن ضابط كبير في السعودية بأن تركي رُحّل للسعودية. وهي رواية تؤكدها صحيفة مغربية كشفت أن السلطات المغربية اعتقلت الأمير وسلّمته لنظيرتها السعودية. وكشف المدوّن خلف بأن الأمير تركي سبق وقد سلّمه نسخة من كتاب ألّفه مصحوبة بكلمات "عزيزي وائل، هذه البيانات لا ينبغي تبادلها إلا إذا تعرضت للاختطاف أو الاغتيال. أعرف أيضًا أنهم ينتهكون حقوقي وحقوق الشعب السعودي".
أما ثالث الأمراء المخطوفين فهو الأمير سعود بن سيف النصر، الذي عُرف بتغريداته الناقدة للنظام السعودي، حيث دعا في إحداها إلى مقاضاة المسؤولين السعوديين الذين أيدوا الانقلاب العسكري في مصر وعزل الرئيس محمد مرسي سنة 2013. غير أن أهم تغريداته والتي على الأرجح سبّبت في اختطافه هو إعلان دعمه بصفة علنية لمضمون رسالتين نشرها أمير سعودي مجهول، تضمنتا الدعوة إلى انقلاب داخل الأسرة الحاكمة لخلع الملك سلمان، حيث كتب صراحة "أدعو الشعب السعودي إلى تحويل فحوى هاتين الرسالتين إلى ضغوط شعبية"، وذلك قبل أن يختفي تمامًا على تويتر.
ويذكر الأمير المعارض خالد بن فرحان أن ابن عمه سعود وقع ضحية فخ المخابرات السعودية باستدراجه من مدينة ميلانو إلى العاصمة روما لمناقشة مشروع مع شركة روسية إيطالية كانت تسعى لفتح فروع في الخليج، حيث كان من المفترض أن تقله طائرة خاصة بالشرطة إلى روما غير أنها توجهت إلى الرياض.
تاريخ المعارضة الأسرية
ليست المعارضة الأسرية بالعنصر المستجد داخل السعودية، فقبل نصف قرن، أسس 5 أمراء من أبناء الملك المؤسس حركة "الأمراء الأحرار"
ليست المعارضة الأسرية بالعنصر المستجدّ داخل المملكة السعودية، فقبل نصف قرن، أسّس 5 أمراء من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز حركة "الأمراء الأحرار" سنة 1958، وطالبوا بارساء حكم دستوري وبرلماني في البلاد، وفصل الأسرة الحاكمة عن الحكم، وقدّموا مسودّة دستور. وقد سافر الأمراء حينها خشية من الاعتقال لبيروت ومنها للقاهرة، ومن أهمهم الأمير طلال، والد الملياردير الوليد بن طلال، والأمير تركي الثاني، والد الأمير سلطان المختطف المُشار إليه في الوثائقي، والأمير بدر الذي عاد من منفاه لاحقًا وتولّى منصب نائب رئيس جهاز الحرس الوطني.
حيث عاد جميعهم لاحقًا للمملكة دون تراجع بعضهم عن مواقفهم السابقة، وعلى رأسهم الأمير طلال الذي أعلن قبل سنتين رفضه قرار تعيين محمد بن نايف ولًيا للعهد، ومحمد بن سلمان وليًا لولي العهد، حيث قال حينها في بيان للعموم إن القرارات الملكية "مخالفة للشريعة الإسلامية وأنظمة الدولة".
ويُطلق اليوم على الأمراء الشباب المختطفين أو المعارضين لتوجهات قيادة الأسرة بـ"المعارضة الشبابية" حيث أنهم جميعًا من طبقة أحفاد الملك المؤسس، وذلك تمييزًا عن المعارضة التي قادها أباؤهم وأحفادهم قبل عقود. وفي هذا الجانب، يعتمد ولي العهد محمد بن سلمان على تعزيز تحالفاته مع أبناء عمومته حيث قام بتصعيد العشرات منهم في مناصب هامّة كنواب لمناطق المملكة وسفراء، وذلك لسدّ الطريق على بقية أبناء عمومته المعارضين له، سواء الرافضين لتوجهات الأسرة بصفة عامة على غرار الأمراء المختطفين والمنفيين في الخارج، أو أولئك الذين وقفوا في طريق طموحاته من الأمراء النافذين على غرار محمد بن نايف ولي العهد المعزول، وخالد بن سلطان نائب وزير الدفاع السابق، إضافة لأبناء الملك السابق عبد الله بن عبد العزيز عدا نجله القويّ الأمير متعب الذي لا يزال يتربّص به محمد بن سلمان لإقالته من رئاسة جهاز الحرس الوطني.
اقرأ/ي أيضًا: ما هي خبايا ليلة الإطاحة بمحمد بن نايف ومؤامرة ابن سلمان لتولي العرش؟
ماهو الجديد في الوثائقي؟
لم يقدم وثائقي الـبي بي سي جديدًا ملحوظًا واكتفى بعرض معطيات معلومة بالنسبة للمتابعين لأخبار المعارضة الأسرية في المملكة
في عرض قضايا الأمراء الثلاثة المختطفين، اكتفى أساسًا الوثائقي، الذي دام عرضه أقل من 30 دقيقة، بعرض معطيات معلومة بالنسبة للمتابعين لأخبار المعارضة الأسرية في المملكة، غير أنه قدم بعض المعطيات الإضافية على لسان الشهود خاصة في قضية اختطاف الأمير سلطان بن تركي، ولذلك فهو وثائقي معلوماتي استعراضي أكثر منه استقصائي، وإن حاول النبش في هذا المنحى. حيث مثل غياب المعلومات من الداخل السعودي، ورفض السلطات تقديم شهاداتها، عائقًا نحو معرفة مصير الأمراء المختطفين، إذا ما كانوا تحت الإقامة الجبرية أو في السجن، وإذا لا زالوا أحياء أم تمت تصفيتهم.
في الأثناء، مثلت شهادة الأمير خالد بن فرحان حلقة وصل رابطة بين حوادث اختطاف أبناء عمومته، وكشف أنه يعي بوجوده في قائمة الاختطافات ولذلك فهو حذر في تحركاته في منفاه في ألمانيا. في نفس الإطار، حينما سُئل عن مصدر معلوماته، أجاب أن "الحكومة هي من الأسرة الحاكمة وأنا من هذه الأسرة"، وهو ما يكشف عن سيولة المعلومة داخل أسرة تتكون من مئات الأمراء الفاعلين على الأقل.
ويتبادر للذهن، في هذا السياق، السؤال عن "مجتهد"، صاحب الحساب الأشهر على تويتر فيما يتعلّق بالمعلومات السريّة حول العلاقات داخل الأسرة السعودية الحاكمة وتوجهاتها في القضايا المحلية والإقليمية، حيث لا يزال لا يُعرف لليوم هوية صاحب هذا الحساب، وإن كان على الأرجح فردًا من الأسرة الحاكمة كذلك.
اقرأ/ي أيضًا: