14-سبتمبر-2018

الترطيب والتبريد من حقوق الإنسان في ظل التغير المناخي القاسي (Getty)

التغير المناخي القاسي هو بطبيعة الحال مما جنته يد البشرية، لكن للأغنياء والأكثر قوة وسطوة، مساهمة أكبر من غيرهم في هذا التغيير الذي نتجت عنه سنوات من الارتفاع الحاد في درجات الحرارة، والذي يعاني منه الفقراء والمشردون أكثر من غيرهم، لذا بات التبريد والترطيب حق من حقوق الإنسان، تعمد مؤسسات مجتمعية في العديد من الولايات الأمريكية على توفيره. وهذا ما يُسلط مقال نشر بموقع "Truth Out" الضوء عليه، أي مبادرات توفير التبريد والترطيب للمعوزين في الولايات المتحدة، والذي ننقله لكم مترجمًا بتصرف فيما يلي.


يمكنني الاستمتاع بنسمات الهواء العليلة الباردة، عندما استيقظ صباحًا في الساعة الخامسة فحسب، لاسيما في ظل هذا الطقس الصيفي الصحراوي؛ إذ ما تلبث أن ترتفع درجة الحرارة في غضون ساعات قليلة لتتجاوز 38 درجة مئوية لتصل إلى نحو 47 درجة بحلول منتصف اليوم، حسبما تفيد قراءة الترمومتر في لوحة القيادة بسيارتي

وفقًا لوكالة ناسا، يُعد عام 2017 ثاني أكثر عام من حيث ارتفاع درجات الحرارة خلال الـ138 عامًا السابقة

ولعل ذلك ما يُفسر احتفاظي بمقاعد السيارة الخاصة بأطفالي مغطاة بالمناشف القديمة و أكياس البقالة، لمنع ارتفاع درجة حرارة أحزمة المقاعد على غرار مكاوي الملابس.

اقرأ/ي أيضًا: بعد الفقر والحروب.. الاحتباس الحراري سبب آخر للهجرة من الشرق الأوسط

وتبدو الأوراق المتدلية من أشجار البرتقال على طول جانبي الطريق، وحتى نباتات الصبار، ظمآنة، ففي حديقة سانتا ريتا بكاليفورنيا في الولايات المتحدة، يتمدد عشرات الناس على أسطح البطانيات على العشب، محتمين من الحرارة بأشجار الظل القليلة المائلة.

ففي كل صيف هناك تعج الأخبار بالتحذيرات الموسمية التي تتضمن تذكيرًا بالحفاظ على الترطيب بالتعرض للمياه وتناول كميات كبيرة منها، وعدم ترك الأطفال أو الحيوانات الأليفة في سيارة مغلقة، لذا يفضل البحث عن مكان داخلي بارد خلال فترات اليوم الأكثر ارتفاعًا في درجات الحرارة.

ذات مرة، خلال موجة حارة، تطوعت في مركز ترطيب للحالات الطارئة يقع في الطابق السفلي من مبنى شبه مهجور، أسف درج ضيق من الطوب المترنح، وعندما وجهت نظري إلى الظلام، تمكنت من رؤية حضور أشخاص آخرين جالسين على الجدار الإسمنتي، أو مُتكئين على أسرّة نقالة صغيرة ضيقة يمكن طيّها.

كان معظم الناس هادئين، يستمعون إلى أنفاس بعضهم البعض، يأخذون قسطًا من الغفوة، ويتكلمون قليلًا في بعض الأحيان، يملؤون أكوابًا من الماء من إبريق الماء المفلتر بجوار الباب. فلقد أمضوا ساعات هناك حتى غربت الشمس، ثم عادوا للظهور مجددًا فوق الأرض، إلا أن درجة الحرارة لم تنزل عن 38 درجة مئوية حتى في الليل. 

وفقًا لوكالة ناسا للفضاء، يُعد عام 2017 ثاني أكثر عام من حيث ارتفاع درجة الحرارة، خلال الـ138 عامًا السابقة، علمًا بأن أكثر خمس أعوام ارتفاع في درجات الحرارة، سُجلت منذ عام 2010. ففي الولايات المتحدة والعالم، يؤثر تغير المناخ وما ينتج عنه من حرارة وجفاف، بشكل غير متناسب، على أولئك الذين يعيشون في الفقر، كما تفعل الظواهر الجوية القاسية مثل الأعاصير والحرائق.

ويصف مركز المناخ وحلول الطاقة، الحرارة الشديدة بأنها "أكثر الكوارث الطبيعية فتكًا في الولايات المتحدة، إذ تقتل عددًا أكبر من الأشخاص بمتوسط حوالي 600 شخص في السنة، أكثر من ضحايا الأعاصير والبرق والأعاصير الحلزونية والزلازل والفيضانات مجتمعة معًا"!

أصبحت مبادرات توفير الترطيب أو التبريد، في المجتمعات السكانية بجميع أنحاء البلاد، ضرورة مُلحة بشكل متزايد، لمنع انتشار الأمراض المُرتبطة بارتفاع درجات الحرارة و ما تسببه من حالات الوفاة، وخاصة بين السكان ذوي الدخل المنخفض أو المُشردين.

تشهد مدينة فينيكس، عاصمة ولاية أريزونا الأميركية، في المتوسط ​​كل عام، نحو 110 يومًا تزيد فيهم درجات الحرارة على 38 درجة مئوية، وتسقط خلالها عشرات الوفيات الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة أو الأمراض المُرتبطة بها. ففي الصيف الماضي، أُلغيت عشرات الرحلات الجوية من وإلى فينيكس، عندما بلغت درجات الحرارة إلى حوالي 49 درجة مئوية، إذ ذكرت شركات الطيران أن الطائرات كانت أسخن من أن تكون قادرة على الإقلاع!

فيما سجلت مقاطعة ماريكوبا، 155 حالة وفاة بسبب الحر أو مرتبطة بارتفاع درجات الحرارة في عام 2017، إذ ارتفعت أعداد الوفيات بشكل كبير خلال شهر تموز/يوليو.

ولأكثر من عقد من الزمان، طورت مدينة فينيكس إستراتيجيات لإنقاذ الحياة في حالة الحرارة الشديدة، ونتج معظم هذا التخطيط عما شهدته مدينة  فينيكس ومقاطعة ماريكوبا المُحيطة بها، من أسبوع كارثي في شهر تموز/يوليو عام 2005 بسبب موجة شديدة الحرارة، أسفرت عن 30 حالة وفاة في أسبوع واحد جراء التعرض للحر، من بينهم كثير من الأفراد المُشردين.

وردًا على ذلك، عقد مجلس الحكومات الذي يعمل كوكالة إقليمية لمنطقة ماريكوبا الكبرى (MAG)، محادثة مع شركاء المجتمع، ونتج عن ذلك تأسيس شبكة لتخفيف الحرارة، وهي عبارة عن تعاون بين المنظمات غير الربحية والمجتمعات الدينية والشركات والبلديات التي تدير 179 موقعًا للترطيب وتخفيف الحرارة عبر مقاطعة ماريكوبا، والتي توفر تكييف الهواء والمياه المعبأة والقبعات الواقية من الشمس ومرطبات الشفاه.

وتعتقد براند ميد، مديرة الخدمات الإنسانية في مجلس الحكومات بمقاطعة ماريكوبا الأميركية، أن تعامل المجتمع مع الارتفاع الشديد في درجات الحرارة بمقاطعة ماريكوبا، هو أمر قابل للتكرار في أماكن أخرى.

وتقول ميد إن مبادرات مماثلة بدأت في مناطق أخرى من الولاية، موضحة أن "هذه المبادرات، في الأساس، جهد شعبي نابع من الحاجة إلى توفير المساعدة للسكان المستضعفين، اعتمادًا على ما لدينا جيمعًا بالفعل من موارد مُتاحة".

وتٌعرف مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) مركز التبريد أو التطريب، بأنه "موقع، عادة ما يكون مكيفًا أو مُزود بوسائل تبريد وترطيب، مُصمم باعتباره مكانًا لتوفير الراحة والأمان أثناء الحرارة الشديدة". ووصف تقرير صدر حديثًا، دور مراكز التبريد، بصفتها "مراكز فعالة من حيث التكلفة، ومستخدمة على نطاق واسع لمنع وقوع وفيات بسبب ارتفاع درجات الحرارة".

وفي عام 1995، أبلغت ولاية شيكاغو الأمريكية، خلال موجة ارتفاع في درجات الحرارة آنذاك، عن 700 حالة وفاة مرتبطة بالحرارة، فضلًا عن زيارة آلاف المواطنين للمستشفيات وغرف الطوارئ. واستجابة لذلك، نفذت المدينة نظامًا للتحذير من الحرارة، شمل مراكز للتبريد، ما نتج عنه انخفاض نسبة 80% من الوفيات المرتبطة بالحرارة خلال موجة حر مشابهة عام 1999.

وتعترف مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، أيضًا، بالتحديات التي تواجهها مع إنشاء مراكز الترطيب التبريد، بما في ذلك نشر معلومات عن الموقع للجمهور، فضلًا عن مقاومة بعض الأفراد لفكرة ترك منازلهم لفترات طويلة.

ويوجد أيضًا تخوف مُعلن من قضاء ساعات شاغرة في الأماكن العامة الباردة مع الغرباء، وسط اعتقاد آخرين بأن مراكز التبريد مُخصصة للمسنين فحسب، بينما قال أشخاص آخرون إنهم اعتمدوا بالفعل على المكتبات العامة والمراكزا لتجارية للتمتع بنسمات مكيفات الهواء أثناء الأوقات الأكثر حرارة في العام.

في ظل ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن التغير المناخي القاسي، يُعد التبريد والتطريب حقًا من حقوق الإنسان الأساسية

وعلى الرغم من هذه التحديات، تُعتبر مراكز التبريد إحدى الطرق لزيادة القدرة المجتمعية والفردية على التكيف في ظل تغير المناخ، إذ تظهر هذه المبادرات في المدن عبر جميع أنحاء الولايات المتحدة، بما في ذلك بالتيمور ولوس أنجلوس وديترويت ولاس فيغاس، فضلًا عن المدن الصغيرة والمجتمعات الريفية.

ويساهم كل مبنى حكومي أو مكتبة أو مركز ديني بفتح أبوابه، ويوفر مساحة للترطيب والبتريد لأولئك الذين يحتاجون إليها؛ في إيصال رسالة متنامية تفيد بأن التبريد هو حق من حقوق الإنسان.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أبرز 5 مخاطر تهدد العالم في 2018

سياسات المناخ الأمريكية.. أبعد من الدبلوماسية أقرب إلى الحرب