"في الجامعة الجزائرية الطالب لا يقرأ"، هذا ما يعترف به الأساتذة والطلبة أيضًا، على إثر حادثة بين أستاذ وطلبته بإحدى كليات الترجمة في الجزائر. طلب أستاذ من طلبته البحث عن رواية وتلخيصها في شكل "بطاقة قراءة" قبل إجراء امتحان مادته بعشرة أيام كاملة، مؤكدًا لهم أنه في موعد الامتحان سيراجع أوراقهم للاطلاع على مدى فهمهم للرواية واستنتاجهم منها وما الذي أثارهم ولفت انتباههم في الرواية المعنية، وهذا بحسب الأستاذ الذي كشف لـ"ألترا صوت" أنه أراد أن يشجع طلبته وهم في سنة أولى جامعة على القراءة.
يعتقد الكثيرون أن مشكلة الطالب الجامعي تجاه قراءة الكتب وتلخيصها وانعدام الشغف للمطالعة مرتبط بمنظومة تربوية لم تحفزه على ذلك
وأضاف ذات الأستاذ: "نحن مسؤولون كأساتذة على أن نفتح لطلبتنا بعض النوافذ حتى نمنحهم فرصة قراءة العالم"، على حد تعبيره، لكن تجري الرياح بما لا تشتهيه إرادة ورغبة هذا الأستاذ، حيث حدثت المفاجأة، بل رد الفعل السلبي من الطلبة الذين اشتكوا به إلى مدير الجامعة، على اعتبار أنهم لم يجدوا متسعًا من الوقت للبحث عن الرواية أو تحميلها عبر الشبكة العنكبوتية وقراءتها وإعداد بطاقة قراءة حولها، بل ذهب بعض الطلبة بعيدًا في انتقاد الأستاذ وصب جام غضبهم عليه عبر شبكات التواصل الاجتماعي مع تعليقات "جارحة".
اقرأ/ي أيضًا: سنة بيضاء بكليات الصيدلة وطب الأسنان الجزائرية؟
أثار ما حصل الأستاذ حيث قرر، في لحظة غضب، منح جميع طلبته نقاطًا مرضية للجميع ودون استثناء بمعنى أنه من استعد لامتحانه أو من لم يستعد حصل على نقطة فوق العشرة من عشرين، مع إلغاء بطاقة القراءة المذكورة سالفًا، في خطوة أثارت استغراب زملائه ثم أبلغهم بأن هدف البطاقة ليس امتحانهم ولكن لتحفيزهم على القراءة فقط، ومحاولة لترسيخها في أذهانهم طوال المواسم الدراسية المتبقية.
القرار الذي اتخذه هذا الأستاذ لم يكن في الحسبان وأحدث ضجة كبيرة في الحرم الجامعي، حيث ذكرت الأستاذة بثينة ناصري في حديثها لـ"ألترا صوت" إن "الوضع صار خطيرًا عندما وصل الطلبة إلى مهاجمة أستاذهم عبر الشبكة العنكبوتية بمجرد أن تعامل معهم بحزم وبجدية من جهة، كما أن القضية تزيح الستار عن تدني المستوى الذي وصلت إليه الجامعة الجزائرية، حيث صار الأستاذ يرضخ لنزوات الطلبة".
كما تساءلت المتحدثة: "كيف يرغب الكثير من الطلبة من مواصلة الدراسات العليا وهم بحاجة إلى طرق للمطالعة وفتح شهيتهم للقراءة أيضًا وإجراء البحوث، كما يرغب الكثيرون في التوظيف في مجالات تحتاج إلى الملكة اللغوية خصوصًا مجال الصحافة إلا أنهم يرفضون القيام ببطاقة قراءة لكتاب واحد؟".
يتحجج الكثيرون بـ"التكنولوجبا" التي حجبت عنهم قراءة الكتب وخصوصًا مع تطور الوسائل المستعملة في تلقي الأخبار والمعلومات وتسارع الاعتماد عليها، حيث أجزم البعض في تصريحات متفرقة لـ"ألترا صوت" أن الطالب الجامعي متأخر كثيرًا في المطالعة وقراءة الكتب إلا ما تعلق منها بالمقررات التعليمية والمنشورات المرتبطة ببعض التخصصات.
يتحجج الكثيرون بالتكنولوجيا التي حجبت عنهم قراءة الكتب وخصوصًا مع تطور الوسائل المستعملة في تلقي الأخبار والمعلومات
اقرأ/ي أيضًا: المنظمات الطلابية الجزائرية.. أي فائدة؟
من خلال تجربة إيمان ساحل، الطالبة بالسنة الثالثة في معهد الحقوق والعلوم القانونية بالعاصمة الجزائرية، اعترفت أنها "لا تطالع الكتب خارج المقررات الجامعية"، معللة ذلك بـ"عدد المواد المقررة في البرنامج الدراسي إضافة إلى البحوث التي تفرض عليهم في الأقسام، وتقتصر قراءتها على ما هو متعلق بتخصصها في القانون العام".
في سياق ذي صلة، يعتقد الكثيرون أن مشكلة الطالب الجامعي تجاه قراءة الكتب وتلخيصها وانعدام الشغف للمطالعة مرتبط بمنظومة تربوية لم تحفز طلاب العلم على حب المعرفة والاطلاع، بحسب الأستاذ في علوم التربية توفيق كساي، حيث قال لـ"ألترا صوت" إن المنظومة التربوية خالية من مادة بيداغوجية في البرامج التعليمية للتلاميذ تحثهم على القراءة، فضلًا عن أن أغلب البلدات الجزائرية لا توجد فيها مكتبات عمومية تمنح للتلميذ فرصة الاطلاع، وخصوصًا في المدن الداخلية"، مضيفًا أن هناك برامج ثقافية أو مبادرات هامشية يقودها مهتمون بالمطالعة تحاول أن تحفز التلاميذ الصغار على القراءة لكنها غير ممنهجة وغير بيداغوجية بل وهي ظرفية فقط.
وأضاف في هذا السياق أن "معضلة المطالعة للطلبة الجامعيين هي عبارة عن إرث تراكم خلال سنوات الدراسة مع مراحله الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وهو ما أنتج اليوم جيلًا من الطلبة لا يقرأ".
ويرى آخرون أن الحكومة بذلت جهودًا في مجال ترسيخ القراءة لدى الشباب وإنشاء المكتبات ومعارض الكتب، لكن بحسبهم فإن جهودها "جاءت في وقت تزامن مع بروز وسائل التواصل الاجتماعي التي استلبت عقول الشباب والطلبة بوجه خاص ومكنتهم من المعلومات بشكل سهل ومثلت منافسة شرسة مع المطالعة التي تحتاج للجهد والتمحيص والتفكير، حيث يلجأ الطلبة والتلاميذ إلى البحوث الجاهزة التي توفرها محركات البحث عبر شبكة الإنترنت، ومعها يقتصد الكثيرون الجهد ولكنها في النهاية تنتج طلبة كسالى يستسلمون للتكنولوجيا ويغضون الطرف عن ما تقدمه لهم المطالعة في شتى المجالات.
اقرأ/ي أيضًا: