22-مارس-2019

لا يصدق اللبنانيون خطط الحكومة لمحاربة الفساد (تويتر)

 خلال إطلاق الحملة الوطنية لاستنهاض الاقتصاد اللبناني، أعلن رئيس الجمهورية ميشال عون أنه سيتم القضاء على الفساد قبل هلال شهر رمضان. وقد توقف اللبنانيون عند هذا الوعد، واعتبروه ضربًا من الخيال، في الوقت الذي تغرق فيه البلاد في الفساد في المجالات كافة. وقد تزامن تصريح ميشال عون مع نشر النائب بولا يعقوبيان لوثيقة تظهر دفع الحكومة اللبنانية ما يقارب 15 ألف دولار أميركي في مطار هيثرو في لندن، لفتح صالون الشرف لوزير الخارجية جبران باسيل ومرافقيه خلال إحدى السفرات، في الوقت الذي تعاني فيه الدولة من عجز مالي، ويدّعي ساستها أنهم حريصون على المال العام وترشيد الإنفاق، وفي طليعتهم جبران باسيل، وهو صهر رئيس الجمهورية ورئيس التيار الذي أسّسه عون، والذي يملأ موقع تويتر بتغريداته المطالبة بمحاربة الفساد.

يتسابق زعماء الأحزاب في لبنان والسياسيون في صياغة الخطابات والمطولات حول مكافحة الفساد، ويدعي كل واحد منهم أنه يحمل الحلول السحرية للبنانيين في جعبته، فيما لا يأخذ المواطنون هذه الوعود بجدّية

وكان سعد الحريري رئيس الحكومة الحالية، التي نالت ثقة مجلس النواب قبل شهر تقريبًا، قد أطلق شعار "إلى العمل" على النهج الذي ستتبعه حكومته. وقد وُضع ملف مكافحة الفساد على سلم الأوليات على اعتبار أن الدول المانحة التي قررت أن تمنح لبنان مساعدات وقروضًا في مؤتمر سيدر الذي عقد  في الصيف الماضي في العاصمة الفرنسية باريس، قد اشترطت على الدولة اللبنانية القيام برزمة إصلاحات فيما يتعلق بمكافحة الفساد، ومعالجة مكامن الهدر، وإصلاح البنى التحتية، كما اشترطت الدول والجهات المالية على لبنان القيام بإصلاحات مالية لخفض العجز المالي بنسبة 10% خلال عشر سنوات، والعمل بجدية على مكافحة تبييض الأموال، واتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة تمويل الإرهاب.

اقرأ/ي أيضًا: الفساد يلاحق المواطنين إلى قبورهم في لبنان

يتسابق زعماء الأحزاب في لبنان ونوابه ووزراؤه في صياغة الخطابات والمطولات حول مكافحة الفساد، وادّعى كل واحد منهم أنه يحمل الحلول السحرية للبنانيين في جعبته، فيما لا يأخذ المواطنون هذه الوعود بجدّية، ويدركون أنها ستذهب أدراج الرياح، فتجاربهم السابقة مع هذه الطبقة السياسية سيئة للغاية.

واستهلت الحكومة حملتها في مكافحة الفساد، فكرّت سبحة التوقيفات والاعتقالات، وبدا أن الصفقات والسمسرات والرشى راسخة في دوائر الدولة ووزاراتها ومؤسساتها، وتطال كافة القطاعات الصحية والتعليمية والأمنية والقضائية، وقد تم توقيف شبكة لتزوير الشهادات التعليمية، حيث أظهرت التحقيقات تورّط موظفين في بعض الجامعات الخاصة مع موظفين في القطاع العام، وتزوير شهادات بهدف الحصول على ترقيات. وعلى صعيد الأمن الصحي، تم توقيف موظفين في صندوق الضمان الاجتماعي، بتهمة اختلاس أموال من الصندوق، وتزوير معاملات وأوراق وملفات طبية، فيما أعلنت مصادر قضائية أن التحقيق سيطال أطباء وصيادلة مشتبه بتورطهم في الملف. كما انتشرت أخبار في الأيام الماضية عن الاشتباه بعدد من سائقي ومرافقي بعض القضاة والموظفين الكبار، وأبرزهم سائق القاضية غادة عون، النائب العام الاستئنافية في جبل لبنان، بتهمة تلقي رشوى للتلاعب بأحد الملفات الموجودة لدى عون.

اقرأ/ي أيضًا: القطاع العام في لبنان.. فشل بطعم طائفي

ومع ذلك فإن اللبنانيين يعرفون أن الهدف من هذه الحملة لا يعدو عن كونه رسالة موجهة إلى القيمين على مؤتمر سيدر، والظهور أمام المجتمع الدولي بمظهر الحريص على المال العام وانتظام عمل مؤسسات الدولة، لكي يفرج المانحون عن الأموال الموعودة، والتي لا يبدي اللبنانيون أية ثقة في الطريقة التي سيتصرف الساسة بها، ويتوجسون من سرقتها من خلال الصفقات المشبوهة، فيما سيتراكم الدين وسيزداد عجز الميزانية، الأمر الذي سيقع على كاهل المواطن، ضرائبَ وترديًا في الخدمات ومزيدًا من الفقر وما إلى ذلك.

يدرك القسم الأكبر من اللبنانيين أن حملة مكافحة الفساد هذه لن تطال الرؤوس الكبيرة في الدولة، بل ستقتصر على الأذناب والسماسمرة الذين يتم وضعهم في الواجهة

 ويدرك القسم الأكبر من اللبنانيين أن حملة مكافحة الفساد هذه لن تطال الرؤوس الكبيرة في الدولة، بل ستقتصر على الأذناب والسماسرة الذين يتم وضعهم في الواجهة، فيما يبقى كف النائب والوزير "نظيفًا". ولا يخفى على المتابعين أن الحصانة القانونية التي يتمتع بها الوزراء والنواب والرؤساء تجعلهم في مأمن من أية ملاحقة قانونية محتملة، بسبب طبيعة القانون والآلية المعقدة فيما يتعلق بمحاسبتهم، وبالتالي فإن الحملة الحالية، كسابقاتها من الحملات، ليست أكثر من ذر للرماد في العيون.

 

اقرأ/ي أيضًا:

القطاع الصحي الحكومي في لبنان.. اختلاسات وفساد!

خصخصة الكهرباء في لبنان.. فواتير اللحم الحيّ