أصدر تنظيم "ولاية سيناء" التابع لتنظيم الدولة الإسلامية-داعش مقطع فيديو جديد بثّه أمس الثلاثاء 11 نسسان/أبريل، تحت عنوان "صاعقات القلوب"، يُظهر صورًا مُسجلة لقنص عناصر التنظيم جنودًا مصريين في سيناء. وكعادته يُوغل التنظيم الإرهابي في الحرب النفسية عبر سلاسل إصداراته الإعلامية، سواءً تلك الصادرة من قلب العراق والشام، أو الأُخرى من فروع التنظيم حول العالم.
كشف استطلاع للرأي أن 77% من البريطانيين يتصدر الخوف من داعش قائمة مخاوفهم
ورغم أنّ الإصدار الأخير-صاعقات القلوب- قد يُسلط الضوء الكثيف على مظاهر وحشيّة التنظيم تجاه المجندين المصريين، إلا أنّه على جانب آخر يكشف عن قصور في الأداء العسكري للتنظيم على الأرض، وهو قصورٌ لا يُمكن تجاهل ارتباطه بفشل التنظيم في تحقيق ولايةٍ فعلية له على أي جزء من أرض سيناء.
في إحدى استطلاعات الرأي التي نفذتها شركة يوجوف البريطانية للأبحاث، تبيّن أنّ 77% من البريطانيين يتصدر الخوف من داعش قائمة مخاوفهم، ليتقدّم الخوف من التنظيم على قضايا أُخرى شغلت الرأي العام الأوروبي لأعوام، كالنزاعات المسحلة والأوبئة العابرة للقارات.
قد يكشف ذلك عن حجم التأثير الذي استطاع التنظيم تحقيقه، ولكن ليس فقط عبر عملياته الإرهابية، فالعمليات الإرهابية لم تنقطع منذ عقود، ولكن يبدو أن نوعًا آخر من العمليات وحربًا أُخرى غير الحرب استطاع التنظيم أن يتقدّم فيها؛ إنها حرب الإعلام الذي حقق فيها تقدّمًا مُؤثرًا فيها بتكريسه صورةً ذهنية معيّنة عنه غالبًا ما تلقى رواجًا لدى الجماهير، اعتمد فيها كثيرًا على الكذب في إستراتيجية إعلامية معقدة وتكاد تكون متقنة.
كيف صعد داعش؟
يتمثّل القلق من داعش في أن مشروعه لا تحده بقعة جغرافية محددة، بل يُحاول إعادة ضبط نظام العالم، بالإضافة إلى ميله لاستخدام وسائل حديثة في حربه على كافة مستوياتها، ما تعتبر نقلةً نوعية في استراتيجيات وآليات المنظمات المتطرفة.
في هذا الصدد تقول الباحثة في الحركات الإسلامية، رابحة سيف علام، لـ"ألترا صوت"، إنه رغم وجود العديد من المؤشرات على تراجع داعش على الأرض، إلا أنه يستخدم إستراتيجية إعلامية تعتمد قدرًا كبيرًا من الإثارة بشكل يجذب لها المزيد من الأعضاء والأتباع. قد يتوافق ذلك مع ما أشارت إليه وكالة بلومبيرغ الإخبارية في آب/أغسطس الماضي، من أن ما يقرب 8 آلاف شخص عبروا الحدود السورية من تركيا للانضمام إلى داعش، وما أشارت إليه رويترز سابقًا من أنّ حوالي 25 ألف شخصٍ انضموا للتنظيم من 100 دولةٍ حول العالم. ويعتبر سقوط الموصل نقطة تحوّل كبيرة فيما يخص اجتذاب التنظيم لمزيد من العناصر.
اقرأ/ي أيضًا: لماذا لن ينتهي "داعش" بعد الموصل؟
تُضيف رابحة سيف: "لكن علينا التفريق مبدئيًا بين داعش الذي يتواجد على الأرض، وبين العمليات المنفردة التي يقوم بها أفرادٌ ينتمون فكريًا لداعش، والتي تُسمى بعمليات "الذئاب المنفردة"، مُوضّحة أن أجندات للتنظيم الموضحة في إستراتيجية داعش الإعلامية يُنفذها مدنيون وعسكريون حاليون ومتقاعدون. يجتذب التنظيم كذلك شبابًا عربيًا مُهمّشًا على عدة مستويات، وشبابًا أوروبيًا عبر صفحاتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، لم يكن لديهم سابق انتماء لأية أنشطة. هناك أيضًا عسكريون وضباط سابقون في العراق ومن كانت لديهم خبرات استخباراتية أو إدارية سياسية. "هذا الخليط كان مهيئًا لأن يُصبح داعش الدولة، إلا ولأنّه خليط غير متجانس تتراكب عليه عناصر اعتادت الجريمة المنظّمة، فباتت نظرة هذا الخليط إلى الدولة، نظرة مُستجدّة"، تقول رابحة سيف.
وبتحديد السؤال عن العنصر الأوروبي في التنظيم، أوضحت الباحثة رابحة سيف أن "منهم من هو من الجيل الثاني والثالث من المهاجرين الذين لم يستطيعوا الاندماج، ومنهم من له سجلّ إجرامي بلا خلفيات دينية"، وهناك بالطبع من ليس له سجل إجرامي، وهو ما سنأتي بذكره.
الإستراتيجيات الدعائية لداعش
يُعرف ريبيل كول الدعاية على أنها "أي محاولة منهجية للتأثير على الرأي العام على نطاق واسع. وهي شكل من أشكال التواصل الذي يسعى إلى تشجيع أو تثبيط المواقف، كوسيلة للدفاع عن منظمة أو فرد أو قضية، تستهدف جمهورًا ما بوسائل إعلامية معينة".
في تقرير سابق نشرته وكالة أنباء رويترز عن الإستراتيجية الإعلامية لداعش، أوضحت كيف أن كلمة "بروباغندا" ترتبط دائمًا بالمعنى السلبي للدعاية، أو بعرض نصف الحقائق، وأنها تاريخيًا ارتبطت بالفاشيات كالنازية والاتحاد السوفيتي. إنها الدعاية السوداء التي تلعب في حيّز نصف الحقيقة وبمصادر غير معروفة، وهي ما تستخدمه داعش.
وقبل التعريج على ذكر الأمثلة في هذا الصدد، من الهام فهم كيف يُسيطر داعش على وسائل الإعلام الجديد؟ في البداية يعزل داعش الأماكن التي يسيطر عليها عزلًا كاملًا ويمنع أي وسيلة صحافة أو أي إعلام من دخولها إلا من يختاره التنظيم لغاية أخرى. أصبح ذلك بمثابة قانون دولة خرقه يعني الموت، لذا فإن كثير من الصحفيين والنشطاء كستيفن ستولف وديفيد هاينز وإيرفيه جروديل، وغيرهم، لقوا حتفهم ذبحًا جراء دخولهم مناطق سيطرة داعش.
يعزل داعش الأماكن التي يسيطر عليها عزلًا كاملًا ويمنع أي وسيلة صحافة من دخولها إلا من يختاره التنظيم لغاية في نفس يعقوب
كان الأمر فيما سبق مختلفًا مع طالبان والقاعدة، إذ كان يُنظر للتعامل مع الصحافة الأجنبية على أنه من باب المنفعة المتبادلة، مع إمكانية إضافة جانب إنساني للقصة، وكان الجهادي الطالباني ينتظر أن يكتب الصحافي عنه شيئًا مُهمّا.
يبدو أنه وفقًا لإستراتيجية داعش الإعلامية فإن الكثير مما يصلنا عنه يعتمد على ما تبثه مصادره الإعلامية الخاصة به فقط، ومنها وكالة أعماق وصفحاته عبر منصات الإعلام الاجتماعي، كما أن مثله مثل أغلب الأنظمة الاستبدادية، يُراقب مستخدمي الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في المناطق الخاضعة لسيطرته، وأي خرق لذلك قد يكون جزاؤه الموت. في المقابل ينشر داعمو داعش أكثر من 90 ألف تغريدة يوميًا في سياق دعم التنظيم، وبالطبع فإن أي محاولة لتعقب هذه الحسابات لن تؤول إلى نجاح، فإغلاقها يعني ببساطة إنشاء واحدٍ آخر، لذا فإنها كالفيروس الذي يصعب السيطرة عليه.
اقرأ/ي أيضًا: كيف يموَّل داعش؟
ويشير تقرير إعلامي نشرته مجموعة تايلور آند فرانسيس الإعلامية، إلى أن داعش استخدم تويتر للتسويق لدخول الموصل، حيث قام بعض من المستخدمين إبان سقوط المدينة، بالدخول على وسوم (هاشتاغ) بعينها لجعلها على قائمة الأكثر متابعة إظهارًا وترويجًا للانتصار في المعركة، كما لفت التقرير إلى استخدامهم إحدى التطبيقات الهامة التي استخدمت في الحملات الانتخابية بالولايات المتحدة للدعاية والترويج عبر تويتر.
لم تتوقف إستراتيجية داعش الإعلامية عند ذلك، بل سطا التنظيم على بعض الهاشتاغات الخاصة بكأس العالم مثل "#France" و"#ENG" و"#Brazil2014" وغيرها، للوصول إلى عشرات الملايين من متابعي كأس العالم من حول العالم.
ورغم ما يبدو أنها سيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي في إستراتيجية إعلامية محكمة، إلا أن ثمّة جانبًا سلبيًا في هذه الدعاية، وهي مقاطع الفيديو التي تعرض لفظاعاتهم ووحشيّتهم، وهي بمثابة سلاح ذي حدّين، ومع ازديادها على وسائل التواصل الاجتماعي قدّمت تغذية إعلامية مضادة، للدرجة التي دفعت ببعض القادة الإعلاميين للتنظيم إلى منع تداول هذه المقاطع لبعض الوقت، بخاصة بعد أنتجت وزارة الخارجية الأمريكية مقطع فيديو ساخرًا من توظيف داعش لمستخدمي الإنترنت، مُلمّحة فيه إلى أن مغامرة الانضمام تنتهي بـ"موت غير مُشرّف".
البنية الإعلامية لداعش واستغلال العنصر النسائي
قسّم التنظيم مراصده الإعلامية إلى أقسام تهتم بالوسائط المصورة وأخرى بالطقوس الدينية، أما ما جعل بنيته الإعلامية ذات انتشار واسع، فهو قدرة التنظيم الوصول إلى عدة لغات بشكل جيّد وهذا أيضًا من أساسيات إستراتيجيات داعش الإعلامية. كما أن مجلّة "دابق" التي تنقل الحياة اليومية للتنظيم من على أرضه، مترجمة أيضًا إلى عدة لغات أوروبية وغير أوروبية، فضلًا عن أنّها مُحررة بشكل متماسك، بصرف النظر عن المُحتوى، وهو ما يجعل منها قابلة للوصول للجمهور، ومتخطية العربي إلى الغربي.
وفيما يخص التعامل مع النساء في إستراتيجية داعش الإعلامية، فإن ثمّة اختلافان جوهريان في التعامل مع المرأة بين داعش وحركات الجهاد التقليدية كطالبان، فعند داعش ظهرت المرأة في إطار محدد فيه تأطير لدورها داخل دولة التنظيم المزعومة، كما أنه حوّلها علانيةً إلى أداة جنسية وهو ما تسبب في إثارة شهية كثيرٍ ممن اندفعوا للانضمام إلى داعش. أمّا عند طالبان فكان ينطلق على المرأة مفهوم "الحريم"، من حيث العزلة والمنع من العمل والخروج إلا عند الضرورة، وربما أيضًا من التعليم بعد سن التاسعة، ولعل هذه الطريقة في التعامل كانت من بين ما قلل التعاطف القاعدي الغربي مع طالبان، وخلق كادرًا أوسع للمؤيدين لدخول حرب أفغانستان في 2001، وهو ما أشار إليه أيضًا تقرير مجموعة تايلور آند فرانسيس الإعلامية.
وفي عام 2015، وتأكيدًا على فكرة تأطير دور المرأة في إستراتيجية داعش الإعلامية ، ظهر ما يُسمى مانيفيستو المرأة في الدولة الإسلامية، وهو بيان صاغته إحدى فرق الشرطة النسائية في داعش. ويتُيح البيان المكتوب في 41 صفحة، للنساء وبخاصة الطبيبات والمعلمات من الخروج، لكن وفقًا لبعض "الضوابط الشرعية". كما يُسمح لهن بالعمل ثلاثة أيام في الأسبوع لتتفرغ لمنزلها بقيّة الأيام، ومن هذه النقطة يعرج البيان بالانتقاد إلى عمل المرأة الغربية المتواصل الذي يجعلها تترك منزلها وزوجها، ويُحيل ذلك إلى كون المجتمعات الغربية مادّية تُقدّس العمل وتهمل الإنسان.
المثير للاهتمام، أنه في الوقت الذي يترجم داعش فيه كل منشوراته للعديد من اللغات، إلا أن هذا البيان لم يُترجم لإداركه أنه فاقد لعنصر الجذب من المجتمعات الغربية، لذا فقد أبقاه بيانًا داخليًا، وفي نفس الوقت يُخاطب المرأة العربية في محيطه، وهو ما يدل على أن إستراتيجية داعش الإعلامية قد تراعي بعض الخصوصيات التي قد تؤثر على حضورها لدى بعض المجتمعات.
ركز داعش في "مانيفيستو المرأة" على انتقاد المجتمعات الغربية المادية التي تهمل الإنسان وتدفع المرأة للعمل طوال الوقت!
مع ذلك رُصد انضمام ما لا يقل عن 500 امرأة وفتاة أوروبية لداعش، نقلًا عن استقصائيات رصدتها عدّة تقارير أجنبية، ليبقى السؤال: كيف يصطاد التنظيم الفتيات والنساء؟
يشير تقرير لرويترز إلى أن التنظيم يتعمد وضع منشورات للفت انتباه الفتيات، مثل: صور سعيدة لحياة مثالية للأسرة وصور لقطط لطيفة، ووصفات طعام، ويُجنّد فتيات ونساء للتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي، يُعبّرن عن الآسى لحال المسلمين في العالم ويرسمن صورًا للحياة في دولة داعش المزعومة على أنها تمثل المجتمع المثالي، كما أنهن يستخدمن الثيمة التقليدية لداعش بالترويج لمستقبل مزدهر للمؤمنين على طريقتهم.
نفس التقرير أورد نموذجًا لفتاة التحقت بالتنظيم، وعملت محاربة في إحدى الفرق النسائية المسلحة، أو "المنصهرة مع الدور الذكوري للتنظيم" بتعبير التقرير. وهؤلاء النساء من عضوات التنظيم المسلحات يصفن أنفسهن بـ"المسلمات الحقيقيات"، ويرون في أنفسهن أفضلية على القاعدات في منازلهن، ويفصحن عن ذلك بتحدٍ.
اقرأ/ي أيضًا: لمَ لا يلتحقون بـ"داعش"؟
أما بالنسبة لجرائم التنظيم في حق الأيزيديات، فقد بررها باعتماده على سرديات دينية من القرآن والسنة كما يدّعي، بينما أشار البروفيسور فريمون أستاذ القانون ومدير برنامج دراسي عن الرق المعاصر بجامعة سايتون هول، إلى أن تنظيم داعش يتصرف بهذه الطريقة "تلبية لرغبات العديد من الرجال الذين يفضلون الاستعباد والاعتداء الجنسي على النساء"، وعليه فإذا كان بإمكانهم تبرير أفعالهم استشهادًا بالقرآن، يصبح من الأسهل بالنسبة لهم، لأنها تضيف مناعة أخلاقية ودينية وتجنّبهم الإدانة.
الباحثة في شؤون الحركات الإسلامية، رابحة سيف علام، ختمت بأنّ صعود تنظيمات مثل داعش في المنطقة العربية وانتشارها حول العالم، هي "نتيجة حتمية للتضييق على النشطاء السياسيين والحقوقيين"، وترى أن ذلك أخلى الساحة لأصحاب الأفكار الجهادية المتطرفة. "انسداد أفق التغيير في المجتمعات العربية، وضعف الثقة في المؤسسات الدينية والأمنية، وأخيرًا عدم قدرة الدول على الدخول في مساومات مع مثل هذه التنظيمات للحد من انتشارها" هي الأسباب التي أوردتها رابحة علام لظهور داعش وأشباهها وتطورهم وتعاظم دورهم حول العالم، إذ كانت داعش "تطوّر مترتب على نجاح ثورة الجهاديين الشباب على الجهاديين من الجيل القديم في القاعدة".
اقرأ/ي أيضًا: