لم تقف مقدمة الفيلم الوثائقي "الرجل الذي لم يوقع" الذي أنتجته قناة الميادين عن حافظ الأسد، سعاد قاروط العشي، في منطقة مطلة على الجولان المحتل منذ أكثر من خمسين عامًا، بينما كانت تروي بطولات "الرجل الصعب"، ولكنها وقفت على جبل "قاسيون" مطلة على دمشق، حيث تسيطر القوات الروسية والإيرانية، فيما ستمر دقائق قبل أن تخبرها بثينة شعبان، مستشارة النظام وأحد أكثر المقربين له، عن حرص حافظ الأسد على استقلال القرار السوري والإرادة الوطنية.
كان الفيلم الوثائقي عن حياة رئيس النظام السوري السابق، أشبه بحلقة تثقيفية أو جلسة حزبية من جلسات البعث المغلقة
وبلغة لا تدعي كثيرًا من الحياد، ومن دون قلق بأسئلة الموضوعية، كان الفيلم الوثائقي عن حياة رئيس النظام السوري السابق، حافظ الأسد، أشبه بحلقة تثقيفية أو جلسة حزبية من جلسات البعث المغلقة. حيث تبنت القناة في الجزء الأول من الفيلم الذي يفترض أن يعرض في 12 حلقة، كل رواية النظام، واستشهدت حصرًا بشخصيات بارزة فيه.
زمنيًا، بدأت الحلقة التي بثت يوم الأحد الـ29 من شهر تموز/ يوليو الجاري، من لحظة تولي رئيس النظام السوري منصب وزير الدفاع في سوريا، مع تعقيب سريع على الدور الذي لعبه في تمكين قدرات الجيش المنهار وتهييئه لانتصار "تشرين" اللاحق، بينما تجاوز معدو الوثائقي الصراعات الحادة والتوظيفات الطائفية التي أوصلته إلى الحكم، وقفزوا عن حلقة دموية من تاريخ سوريا والبعث.
اقرأ/ي أيضًا: حافظ الأسد.. ذاكرة الرعب
أما فيما يتعلق بترتيب المشاهد، فتبدأ الحلقة بخطاب مسجل للأسد، يقول فيه إن دفع الثمن ضرورة، لتنعم الأجيال القادمة بالحرية والعيش الرغيد والمستقبل الباسم المشرق الذي ينعمون فيه بالحرية والأمن. ولعل القائمين على الفيلم الوثائقي وضعوا المشاهدين، من دون قصد، أمام هذا التناقض الفج، في كلمات الأمن والحرية، بعد سنوات من الإبادة والخراب بداعي الأمن للحرب على مطالب الحرية!
فيلم وثائقي أم مقابلة مع بثينة شعبان؟
تعتمد الحلقة الأولى التي بثت حتى الآن من الفيلم، بشكل أساسي على شهادة المستشارة الإعلامية والسياسية لرئيس النظام السوري بشار الأسد، بثينة شعبان، بينما تُظهر شخصيات أخرى بأدوار هامشية وغير مفهومة.
وفي حين أن شعبان تتحدث فقط عن حياة الأسد، فقد تم الاستعانة بآراء أشخاص آخرين للحديث عن القضايا التي لا تتعلق بالأسد نفسه، مثل العلاقات المصرية السورية وحرب عام 1973، وردة فعل الفلسطينيين بخصوص الحرب، إلخ.
يعلق ماهر الطاهر، وهو عضو المكتب السياسي لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" المعروفة بانحيازها المباشر للأسد ولكل روايات النظام، عن بهجة الفلسطينيين بإنجاز "بطل البعث". أما عبد الله الأشعل، فهو مساعد لوزير الخارجية المصري بين عامي 1998 و2003، فيتحدث كخبير وشاهد بخصوص العلاقات المصرية مع بشار الأسد في السبعينات، وهي الفترة التي لم يكن له دور فيها.
وكان حضور هؤلاء، بالإضافة إلى بعض السياسيين مجرد ديكور للموضوعية لا أكثر، إذ إنهم سيتحدثون في الأمور التاريخية والتقنية المعروفة، أما ما يخص شخصية حافظ الأسد ومساهماته الاستثنائية، وهو موضوع الفيلم الأساسي، فسيكون متروكًا لبثينة شعبان فقط.
اقرأ/ي أيضًا: "لا" لحافظ الأسد.. لا للطعنة الأعمق في ظهر البلاد
وقد حظيت مستشارة الأسد، والوزيرة السابقة المعروفة بكونها من المقربين له، بمعظم وقت الحلقة، فيما كانت معدة الفيلم تحاورها وكأنهما في مقابلة لا أكثر.
الوحش الديمقراطي!
لم تخل الحلقة الأولى التي تم من خلالها افتتاح وثائقي الميادين، من هفوات وأخطاء تاريخية، منها مثلًا استخدام صوت عبد الهادي البكار وهو يقول في فترة العدوان الثلاثي "من دمشق هنا القاهرة"، في خضم الحديث عن حرب أكتوبر في عام 1973. لكن ثمة نوع من التضليل المقصود الذي يفوق هذه الأخطاء أهمية. حيث كررت بثينة شعبان الحديث عن النظام التعددي الذي أداره حافظ الأسد، مشيدة بالسماح بوجود أحزاب معارضة، على عكس دول الحزب الواحد الاشتراكية.
حظيت بثينة شعبان بمعظم وقت الحلقة، فيما كانت مقدمة الفيلم تحاورها وكأنهما في مقابلة لا أكثر
وتطرقت شعبان إلى قرار حافظ الأسد بإشراك الأحزاب الأخرى في الحكم، من خلال تأسيس تحالف تمثله الجبهة الوطنية التقدمية. غير أنها لم تتطرق إلى كون هذا التحالف أسس أصلًا بقرار سياسي من الرئيس، وكان يمكن إلغاء وجوده في أي لحظة بقرار سياسي أيضًا، عدا عن خضوع هذه الأحزاب إلى مراقبة أمنية شديدة، والعلاقة الوثيقة لجزء من القائمين عليها مع السلطة وأجهزة المخابرات. لم تلعب هذه الأحزاب أي دور فعال في المؤسسة السياسية السورية، سوى دور الدعاية التعددية للنظام، فيما بقيت مجرد واجهة تتحكم بها السلطات الأمنية، وهوا ما لم يقله القائمون على الفيلم بالتأكيد، كما يبدو أنهم لن يقولوا الكثير، خارج بيانات البعث، أيضًا في أجزائهم المسرحية الموعودة!
اقرأ/ي أيضًا: