الترا صوت – فريق التحرير
تقول أرقام "المعهد الوطنيّ للإحصاء" إنّ الجزائريين بلغوا 43 مليونًا. وإنّ 16 مليونًا منهم أقلّ من 16 عامًا، أي أنّهم لم يعرفوا رئيسًا غير الرّئيس بوتفليقة، الذّي وصل إلى الحكم عام 1999، ولم يسبق لهم أن شاركوا في مسيرة ذات مطالب سياسية، وهو المعطى الذّي جعل المتحمّسين لمسيرة أمس الجمعة الرّافضة لولاية خامسة للرّجل المريض، 1937، يتخوّفون من إقبال طفيف عليها، في مقابل تخوّف الرّافضين لها من إقبالهم على العنف وتكسير الممتلكات العامّة.
كانت المسيرات في المدن الجزائرية سلميّة وذات أبعاد حضارية، حيث أبان فيها الجزائريّون عن مستوى عالٍ من الوعي والانضباط والإدراك لحساسية الأوضاع
لكن ما أن حلّت السّاعة العاشرة صباحًا، حتّى فتح الطّرفان أفواههم اندهاشًا، ذلك أنّ الإقبال كان حاشدًا، من طرف كلّ الشّرائح والأعمار، في الولايات الـ48، وأنّ المسيرات كانت سلميّة وذات أبعاد حضارية أبان فيها الجزائريّون عن مستوى عالٍ من الوعي والانضباط، إذ اكتفوا بحمل ولباس الأعلام الوطنيّة، وتوزيع المياه على بعضهم، وتقديم الورود لرجال الأمن، وتجنّب المساس بالممتلكات العامّة والخاصّة، وتنظيف ساحات التّظاهر مباشرةً بعد انتهائه.
اقرأ/ي أيضًا: فشل المعارضة في تحديد مرشّح توافقي يحرك الشارع الجزائري
ردّد المشاركون شعارات كثيرة كان في مقدّمتها "هذا نهار شباب، الأمن والشّعب أحباب"، و"يا الوليد يا الوليد لا بوتفليقة لا السّعيد"، في إشارة إلى الرّئيس وشقيقه، الذي ظلّ يحكم باسمه، منذ إصابته بجلطة دماغيّة عام 2014، وتجاوز كلّ الإكراهات وأقنع الأجهزة الحكوميّة والحزبيّة الموالية لها بترشيحه لولاية خامسة.
عمّت المسيرات التّي غابت عنها الأحزاب المعارضة الجهات الأربع للبلاد، بما فيها المدن الصحراويّة البعيدة، غير أنّ المسيرة التّي لفتت الانتباه إليها أكثر كانت مسيرة الجزائر العاصمة، التّي بقيت مستثناة من التّرخيص بحرّية التّجمهر والتّظاهر، بعد رفع حالة الطوارئ في البلاد عام 2011، بحكم رمزيّة العاصمة وكثافة المشاركة في المسيرة، التي وصلت حشودها إلى قصر الرّئاسة، في أعالي المدينة، وهي المرّة الوحيدة، التّي اضطرّ رجال الأمن فيها إلى استعمال خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدّموع.
مثلما كان موقع التّواصل الاجتماعي فيسبوك المنبر الوحيد، الذّي تمّت الدّعوة إلى الاحتجاج على الولاية الخامسة من خلاله، فقد تفنّن الجزائريون فيه، بعد انتهاء المسيرات، في نقل المشاهد المعبّرة عن نجاحها، من زوايا سلميتها وكثافة المشاركين فيها وروح التّضامن التي سادت بينهم، وتحوّلت بعض الصّور إلى أيقونات يتداولها الجميع، مثل الصّورة التّي قدّم فيها الشّباب الورود إلى رجال الأمن، وصور تنظيف الشّباب لأماكن التّظاهر، وصور زجاجات الماء على قارعات الطّرق.
اقرأ/ي أيضًا: تعتيم إعلامي على حراك الشعب الجزائري.. الرد في الشارع وفيسبوك
في المقابل، أفرغ قطاع واسع من رواد مواقع التواصل الاجتماعي الجزائريين سخطهم على الجهات، التّي تخاذلت في التّفاعل مع الحدث، منها القنوات الفضائية المستقلّة، إذ استمرّت في بثّ برامجها، وكأنّ شيئًا لم يحدث، وأئمّة المساجد ذوي النّزعة الوهابيّة السّعوديّة، إذ حرّموا التّظاهر واعتبروه من التّقاليد الغربيّة الوافدة، والنّخب الثّقافية والسّياسيّة، التّي بقيت على الحياد.
ردّد المشاركون شعارات كثيرة كان في مقدّمتها "هذا نهار شباب، الأمن والشّعب أحباب"، و"يا الوليد يا الوليد لا بوتفليقة لا السّعيد"، في إشارة إلى الرّئيس وشقيقه
عكس المنابر الإعلاميّة، التّي تقول عن نفسها إنّها مستقلّة، فاجأت وكالة الأنباء الرّسمية الجميع، بنشر موضوع عن المسيرات، أشارت فيه إلى أنّ المتظاهرين طالبوا الرّئيس بوتفليقة بالعدول عن التّرشّح، وهو ما فهمته بعض الأوساط على أنّها رسالة من مخابر صناعة القرار إلى محيط الرّئيس بضرورة الاستجابة للمطلب الشّعبي، وإعادة النّظر في انتخابات الـ18 نيسان/إبريل القادم، إمّا بتأجيلها أو المبادرة بتقديم مرشّح آخر باسم النّظام.
اقرأ/ي أيضًا:
جدل حول مصير بوتفليقة.. هل يترشح الشيخ العاجز للرئاسة مجددًا؟