23-يونيو-2018

اعتقلت السلطات السعودية الناشطات اللواتي طالبن بإلغاء حظر قيادة المرأة (Getty)

بعد أن اعتقلت السلطات السعودية معظم الناشطات اللواتي طالبن بإلغاء الحظر المفروض على قيادة المرأة في المملكة العربية السعودية، وبعد حملات قمع واسعة طالت عددًا كبيرًا من الناشطات المدافعات عن حقوق المرأة، ستبدأ يوم الأحد إجراءات السماح للنساء بالقيادة، وهو ما يتتبعه هذا التقرير المترجم بتصرف عن صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، مبينًا غياب الدوافع الجدية لتحسين أوضاع المرأة في المملكة، خاصة في الجوانب الحقوقية.


لعقود، كان كلما أراد أحد منتقدي المملكة العربية السعودية أن يقدم اختزالًا بسيطًا لما يظن أنه المشكلة في البلد، أشار إلى المثال الواضح وهو أن النساء السعوديات غير مسموح لهن بقيادة السيارات. لم يكن هذا الحظر موجودًا في مكان آخر في العالم الحديث، وبالنسبة للكثيرين، كان يُظهر أنه على الرغم من أن السعودية تبدو حليفًا ثريًا وعصريًّا للولايات المتحدة، إلا أن مجتمعها لا يزال عالقًا في الماضي.

على الرغم من أنه صار مسموحًا للنساء السعوديات بالقيادة، ليس واضحًا بعد عدد اللاتي سيفعلن ذلك بالفعل

اعتبارًا من نهاية هذا الأسبوع، لن يعود هذا المثال صالحًا. سيكون يوم الأحد هو اليوم الأول في تاريخ السعودية الذي يُسمح فيه للمرأة قانونيًا بقيادة السيارة، وهو الإنجاز الرمزي للمملكة وولي عهدها البالغ من العمر 32 عامًا: محمد بن سلمان.

كان القرار بالسماح للنساء السعوديات بحمل رخصة للقيادة قد أُعلن عنه في مرسوم ملكي صدر في أيلول/سبتمبر الماضي. وعلى الرغم من أن الملك سلمان هو من وقع عليه، إلا أنه نُسب بالأساس إلى تأثير محمد بن سلمان، والخطة  الأكبر التي ينفذها الأمير الشاب للانتقال بالسعودية نحو المستقبل.

لكن بعد تسعة أشهر، صار واضحًا أن الأمور ليست بسيطة مثل إصدار مرسوم، فعلى الرغم من أنه صار مسموحًا للنساء بالقيادة، ليس واضحًا بعد عدد اللاتي سيفعلن ذلك بالفعل. إذ لم يستخرج التراخيص سوى عدد قليل نسبيًا، وكثير من النساء الأخريات قد يراودهن القلق من الانضمام إليهن، فالكثير من الرجال السعوديين لا يوافقون بالكامل على تلك السياسة.

اقرأ/ي أيضًا: هوامش بروباغندا ابن سلمان الصاخبة.. سعوديات محكومات بالصمت

تقول كلٌ من مارغريتا ستانساتي ودونا عبد العزيز من صحيفة وول ستريت جورنال: "لقد أبدى العديد من الرجال اعتراضهم على قرار رفع الحظر من خلال هاشتاغ #لن_تقودي على تويتر"، وتضيفان أنه "بعد الإعلان عن رفع الحظر الذي سيطبق في أيلول/سبتمبر، أُلقي القبض على رجل لنشره مقطع فيديو على الإنترنت يهدد فيه بإشعال النار في النساء وسياراتهن إذا تجرأن على القيادة".

وفي الأسابيع الأخيرة، ألقت الحكومة القبض على بعض أبرز الناشطات اللاتي شجعن على قيادة النساء للسيارات. وقالت إحدى الناشطات للصحفية لوفداي موريس التي تعمل لصالح صحيفة الواشنطن بوست، إن "حملة الاعتقالات تستهدف الحركة النسائية في السعودية".

أظهرت تلك الاعتقالات أنه على الرغم من كثرة الحديث عن "سعودية" جديدة طبيعية، فإن التغيير الحاصل، هو من نواحٍ كثيرة ليس سوى تغيير سطحي. ربما فتح محمد بن سلمان الباب أمام النساء للقيادة ولأشكال الترفيه الأخرى التي حُرمن منها في السابق، مثل دور السينما، لكن إحداث إصلاح سياسي رئيسي لن يكون على جدول أعماله في أي وقت قريب. كما أن التغييرات ترجع في المقام الأول إلى اعتباراتٍ اقتصادية، حتى تلك التغييرات المتعلقة بحقوق المرأة.

لطالما كانت شركة أرامكو السعودية العملاقة التابعة للدولة، تُعطي النساء حرية العيش على النمط الغربي داخل مجمعاتها. وقد قال الأمير خالد بن سلمان، السفير السعودي في واشنطن وقتها، أثناء إعلانه عن المرسوم الملكي في أيلول/سبتمبر إن على النساء "توصيل أنفسهن إلى العمل".

تتوافق هذه الفكرة مع خطة "الرؤية المستقبلية" التي كشف عنها محمد بن سلمان لعام 2030 لأول مرة في شهر نيسان/أبريل 2016. وتدعو هذه الخطة، التي أعلن عنها في ظل تراجع أسعار النفط الذي جعل المستقبل الاقتصادي للمملكة العربية السعودية يبدو متزعزعًا، إلى جعل الاقتصاد أكثر تنوعًا، بعيدًا عن الدخل الذي تحصل عليه من الطاقة، ووقف الخمول الاقتصادي الذي نشأ من العيش لعقود على دولارات النفط. من أهداف هذه الخطة زيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة لتمثل 30% بحلول عام 2030 بدلًا من 22%/ إلا أن عديد التقارير والتقديرات تشكك في جدية ونجاعة هذه الخطة.

يبدو واضحًا أن محمد بن سلمان غير خائف من قلب الأمور عما هي عليه، كما تجلى في حملة مكافحة الفساد المفترضة التي انتُقدت على نطاق واسع، والتي وضع فيها بعض أفراد عائلته المالكة تحت الإقامة الجبرية في فندق ريتز كارلتون في الرياض. وبالإضافة إلى إصلاحاته الداخلية، اتبع سياسة خارجية عدوانية محفوفة بالمخاطر، تجعل السعودية في مواجهة إيران، العدو القديم، وتحاصر قطر بغير وجه حق.

أثرت تحركات السياسة الاجتماعية التي قام بها محمد بن سلمان على قوة الإسلاميين المحافظين في البلاد. "لا ندري ما الذي يحدث" هكذا قال أحد الرجال في الرياض والذي وصف نفسه لزميلي كريم فهيم بأنه سلفي، أي عضو في فصيل إسلامي شديد المحافظة، ويضيف: "كأننا نصير أغرابًا".

بين المؤامرات الجارية في القصر والشائعات المنتشرة على الإنترنت، هناك مخاوف من أن هذا القطاع من المجتمع يمكن أن يشكل تهديدًا على الحكومة السعودية. وتساءل أحد المسؤولين السابقين في حديث له مع مجلة الإيكونوميست: "المتدينون هادئون حتى الآن، هل سيحافظون على هذا الهدوء، أم أنهم سيردون بعنف؟".

اقرأ/ي أيضًا: دفاعًا عن حقوق المرأة أم تطلعات ابن سلمان؟!

قد يفسر ذلك استعداد الحكومة السعودية للقيام بأمور شبيهة باعتقال الناشطات قبل أسابيع فقط من السماح للنساء بالقيادة، حيث لا يعمل ذلك فقط على تبطيء عجلة الإصلاحات الاجتماعية التي تثير مخاوف الكثيرين في البلاد، ولكنه أيضًا يذكر السعوديين من هو المسؤول والمتحكم.

كان القانون الذي يمنع النساء من الحصول على رخصة قيادة مجرد واحد من القيود الكثيرة المفروضة عليهن

بالنسبة للسعوديات اللاتي يأملن في الإصلاح، فهذا يضعهن على أرضية غير مستقرة. كان القانون الذي يمنع النساء من الحصول على رخصة قيادة مجرد واحد من القيود الكثيرة المفروضة عليهن. بدأت بعض تلك القواعد الأخرى في التغير أيضًا: فقد أفادت ليز سلاي من الواشنطن بوست مؤخرًا أنه في مدينة جدة المتحررة نسبيًا، بدأت بعض النساء بالتخلي عن العباءات التي تغطي رأسهن إلى أخمص القدمين والتي كنّ يلتزمن بها في السابق، وأن المقاهي بدأت تلغي الأقسام التي تفصل الرجال عن النساء. لكن تلك التغييرات ليست منتشرة بشكل متساوٍ.

ولعل أكثر القواعد قسوة، مثل نظام وصاية الذكور الذي يضع كل النساء السعوديات تحت سلطة قريب ذكر، لا تزال قائمة. وكما قالت إحدى النساء السعوديات، التي لم تعرف نفسها: "يمكنني القيادة في بلدي، لكنني لا أستطيع أن أغادرها إلا إذا سمح لي ابني بذلك". في الوقت الراهن، على الأقل، لا يزال الكثير في مملكة محمد بن سلمان المأمولة باقيًا على حاله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قيادة المرأة للسيارة..فرصة ابن سلمان مع "التنوير" بعد الفشل في كل شيء

أدلة إضافية ضد مملكة الإرهاب.. تدريبات على "غزوة مانهاتن" بأموال السعودية