على غرار أنظمة معظم الدول العربية، انتهبت السلطات المغربية إلى خطورة الإعلام الإلكتروني، المارد الجديد الذي خرج عن عباءة سيطرتها بغتة، مُتجاوزًا هامش الحرية الضيق للصحافة التقليدية بكثير، حتى باتت الصحف الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، تتطرق لكافة الموضوعات دون خطوط حمراء، مستفيدة من امتيازات هذا الوسط الجديد.
مئات المواقع الصحفية المغربية مهددة بالإغلاق بعد أن انتهت مهلة توفيق أوضاعها وفقًا لقانون الصحافة والنشر المغربي
لكن سرعان ما تحركت السلطات المغربية وأصدرت قوانين خاصة بالصحافة الإلكترونية، في محاولة منها لاستيعاب الوسيط الرقمي، وتجنب إكراهاته على السلطة.
قوانين في وجه الصحافة الإلكترونية
يتهدد مئات المواقع المغربية شبح الإغلاق، بعدما انتهت قبل أسبوعين مهلة ملاءمة وضعيتها القانونية وفق مقتضيات قانون الصحافة والنشر المغربي، الذي صدر في الجريدة الرسمية منذ عام من الآن، وأثار نقاشًا ساخنًا بين الحكومة والوسط الإعلامي، لما يتضمنه من بنود، تحد حرية الصحافة الإلكترونية.
اقرأ/ي أيضًا: الصحافة المكتوبة مهددة في المغرب أيضًا
ومن بين المثير للجدل في القانون، المادة 11 التي تشترط لتأسيس صحيفة إلكترونية، تحمل المسؤولية عن كل ما يصدر عن الصحيفة بما في ذلك مقالات الرأي المنشورة وتعاليق المتصفحين، وأن يلزم موقع الصحيفة بالكشف عن هوية أصحاب المقالات لدى وكيل الملك عند الاقتضاء، والتحقق من مدى "شرعية" مضامين المواد المنشورة في الصحيفة، وإلا تعرض صحاب موقع الصحيفة الإلكترونية لمتابعة قضائية.
كما يفرض القانون في نفس المادة، أن يكون مدير النشر متوفرًا على صفة "الصحفي المهني"، التي لا يمكن الحصول عليها إلا عند الحصول على أجر منتظم من مزاولة مهنة الصحافة بإحدى المؤسسات الصحفية المستقرة في المغرب، وهذا يعني أن جميع المواقع الصحفية الواقع مقرها خارجًا، معرضة للحجب والمتابعة القضائية!
فضلًا عن أن تأسيس صحيفة إلكترونية، مثلما يظهر في المادة 20 من قانون الصحافة والنشر، يتطلب الدخول في بيروقراطية معقدة، تبدأ بالمحكمة الابتدائية، مرورًا بالوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات، ثم الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، فالمركز السينمائي المغربي، مع كومة من الأوراق الإدارية التي تُعرّف بالمؤسس والمحررين وبالصحيفة.
من أوجه التضييق التي يفرضها القانون المغربي، الغرامات المغلظة التي تهدد حرية العمل الصحفي الإلكتروني في البلاد
أما من يؤسس صحيفة إلكترونية بدون تصريح، فهو معرض لغرامة تتراوح ما بين ألفي و10 آلاف درهم، وفقًا للمادة 24. وفي حالة الاستمرار في النشر بدون تسوية الوضعية القانونية للصحافة فإنها قد تتعرض لغرامة قدرها 20 ألف درهم فضلًا عن الحجب.
اقرأ/ي أيضًا: الصحافة الإلكترونية المغربية..فوضى أم حرية تعبير؟
وبالجملة، نجد في القانون حزمة من المواد التي تعاقب الصحف الإلكترونية بغرامات مغلظة، منها المادة 72 التي تغرم "كل من نشر أخبار غير صحيحة تخل بالنظام العام أو تثير الفزع بين الناس"، مبلغًا يتراوح ما بين 20 ألف و200 ألف درهم، وكذا المادة 81 التي تعاقب على المس بشخص وكرامة رؤساء الدول ورؤساء الحكومات ووزراء الشؤون الخارجية للدول الأجنبية من قبل الصحيفة، بغرامة تبدأ من 100 ألف درهم وصولًا لـ300 ألف درهم، بالإضافة إلى مواد أخرى.
تراجع في حرية الصحافة
رغم أن الكثير كان يشتكي من حالة فوضى تعيشها ساحة المواقع الإلكترونية في المغرب، إلا أن هذا القانون الذي جاء تحت حجة تنظيم وتقنين سوق الصحف الرقمية، سيمثل ضررًا وخيمًا على حرية التعبير في المغرب، وفقًا لقراءة البعض للأمر.
ففي هذا السياق، يرى الكاتب الكبير الداديسي أن قانون الصحافة والنشر المغربي، يتضمن آليات قد تعرقل حرية التعبير والصحافة، وترهب كل من يفكر في إنشاء مقاولة صحفية إلكترونية، مضيفًا أن هذا القانون "قد شدد الخناق على الصحافة، خاصة الصحافة الإليكترونية، ورسم مستقبلًا قاتمًا يهدد وجود آلاف الصحف الإليكترونية".
ويشاطر الداديسي في الرأي، الصحافي المعروف علي أنوزلا، الذي يشكك في أن يكون الهدف من وراء هذا القانون هو تقنين القطاع الرقمي كما تقول السلطات المغربية، ويرى في المقابل أنّ المُستهدف هو محاولة ضبط القطاع الرقمي ليكون رهنًا للسلطات وتحكماتها، قائلًا إن "كل ما أتى به هو أنه حذف بعض العقوبات الحبسية، وترك أخرى، وصدّر أخرى إلى القانون الجنائي. وبالتالي، فتح المشروع الجديد ممرًا آمنًا للقضاء ما بين القانونين، والعبور منه تُرك لتأويل القاضي ولمزاج السلطة".
وتجدر الإشارة إلى أن المغرب يحتل الرتبة 133 من بين 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة، ضمن فئة البلدان ذات "الوضع الصعب"، وفق التقرير الحديث لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، التي قالت إن المغرب يواصل "ممارسة الضغط السياسي والاقتصادي على وسائل الإعلام المغربية المستقلة لثنيها عن معالجة القضايا الحساسة".
يتبوأ المغرب مرتبة متأخرة في مؤشرات حرية الصحافة، وقد يزداد ترتيبه تأخرًا بعد القانون الذي يضيّق أكثر على الصحافة الإلكترونية
كما صنفت منظمة "فريدم هاوس" المغرب ضمن خانة الدول "غير الحرة" في تقريرها الأخير، مُشيرةً إلى أن الصحافة في المغرب، وخصوصًا الرقمية منها، "تنهج نوعًا من الرقابة الذاتية، احترازا لما قد يطالها من توقيف في حالة تجاوز المسموح به". وقد تعرض هذا العام العديد من الصحفيين إلى المتابعة القضائية، بينهم عبد الله البقالي رئيس النقابة الوطنية للصحفيين المغاربة، وحميد المهداوي مدير موقع بديل، والقابع حاليًا في السجن.
اقرأ/ي أيضًا: الحكم على صحفي مغربي بالسجن والغرامة.. محنة الحقوق والحريات تتفاقم
هذا ويزداد العاملون في القطاع الرقمي بالمغرب ارتيابًا، في ظل ورود الأخبار التي تكشف أن المغرب يعتبر زبونًا مهمًا لشركات بيع برامج التجسس الأجنبية، إذ أظهرت التسريبات الخاصة بشركة "هاكينج تايم"، أن المغرب اقتنى برامج خبيثة لاقتحام هواتف الأندرويد، واختراق البريد الإلكتروني، لصالح مؤسستي الدفاع الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني الحكوميتين، مما يزيد الرقابة الذاتية لدى الصحافيين، في إطار من الخوف أن تطالهم أيدي السلطات الأمنية.
اقرأ/ي أيضًا:
في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. ما واقع حرية الصحافة بالمغرب؟