05-يناير-2018

الصحفي محمد أحداد، أحد الصحفيين المتتبعين قضائيًا (فيسبوك)

مع بداية سنة 2018، اصطدم الوسط الصحافي في المغرب بخبر تتبع أربعة صحافيين وفق القانون الجنائي وذلك على خلفية قضية متعلقة بـ"تسريبات صندوق التقاعد"، وهو ما أثار حنقًا داخل الحقل الإعلامي والحقوقي للمسار "المثير للشفقة"، الذي تتجه إليه الصحافة في البلاد نتيجة التضييق المتزايد.

اصطدم الوسط الصحافي في المغرب بخبر تتبع أربعة صحافيين وفق القانون الجنائي وذلك على خلفية قضية متعلقة بـ"تسريبات صندوق التقاعد"

وكان وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالرباط قد وجّه، الثلاثاء 2 يناير/كانون الثاني، استدعاءات للصحافيين محمد أحداد في جريدة "المساء"، وعبد الحق بلشكر في جريدة "أخبار اليوم"، وكوثر زاكي وعبد لإله ساخير في موقع "الجريدة 24"، للمثول أمام المحكمة بتهمة "نشر معلومات تتعلق بلجنة تقصي الحقائق"، فيما وُجهت تهمة "إفشاء السر المهني والمشاركة في نشر معلومات تتعلق بعمل لجنة تقصي الحقائق"، للبرلماني بمجلس المستشارين عبد الحق حيسان. وسيمثل الصحفيون يوم 25 يناير/ كانون الثاني الجاري أمام المحكمة.

وتعود تفاصيل القضية، حسب ما نشر موقع مجلة "تيل كيل" المحلية، إلى نشر الصحافيين المعنيين مقالات صحفية حول نتائج تقرير، كانت قد أعدته لجنة تقصي الحقائق التابعة للبرلمان حول ملف صندوق التقاعد، قبل إعلانه رسميًا، فقام رئيس اللجنة النيابية لتقصي الحقائق عزيز بنعزوز، بمراسلة رئيس مجلس المستشارين حكيم بنشماش من وراء التسريبات التي وصلت الصحافة، ثم أحال الأخير بدوره المراسلة إلى وزير العدل والحريات آنذاك مصطفى الرميد، ليقوم الوزير بطلب فتح تحقيق حول موضوع تسـريب معلومات ومعطيات نشرتها الصحافة بخصوص مداولات اللجنة التي من المفروض أنها تحظى بالسرية طبقًا للقانون التنظيمي، فحققت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية مع أعضاء لجنة تقصي الحقائق والصحافيين، قبل أن تتم إحالة المعنيين إلى المتابعة القضائية.

اقرأ/ي أيضًا: الصحافة الإلكترونية في المغرب.. ضحية جديدة لتقنين قمع الحريات

وفي هذا الشأن، تنص المادة 14 من القانون التنظيمي للجنة تقصي الحقائق، على أنه يعاقب بغرامة من ألف درهم ‏إلى 10 ألف درهم (1000 دولار أمريكي) وبالحبس من سنة واحدة إلى خمس سنوات، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل شخص قام، مهما كانت الوسيلة المستعملة، بنشر المعلومات التي تولت اللجنة جمعها، وتضاعف العقوبة في حالة نشر المعلومات المتعلقة بمضمون شهادات الأشخاص الذين تم الاستماع إليهم، وذلك دون الإخلال، عند الاقتضاء، بالعقوبات الأشد التي قد يتطلبها تكييف الفعل الجرمي"، كما تقول المادة.

وكانت فضيحة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في المغرب قد تفجرت عام 2002، عندما أفاد تقرير لجنة تقصي الحقائق برئاسة "رحو الهليع" تقريرًا مفصلًا عن نهب أكثر من 115 مليار درهم على مدى 30 سنة، منها 47,7 مليار درهم مجموع الأموال التي صرفها الصندوق من دون حق من خلال اختلاسات وصفقات مشبوهة حسب اللجنة، مما تسبب في الأخير في إفلاس صندوق التقاعد، فتم تعيين لجنة تقصي شكّلها مجلس المستشارين للتحقيق من جديد حول الملف، والتي خلصت في تقريرها النهائي إلى خروقات قانونية متعددة شابت عمل هذه المؤسسة منذ عقود.

وحول الموضوع، تحدث "ألترا صوت" مع الصحافي المغربي من جريدة "المساء" محمد أحداد، وهو أحد الصحافيين محل التتبع، فعلّق: "من حق الصحفي أن ينشر الأخبار ويوضح للرأي العام، ومحاكمة الصحفيين بغير قانون الصحافة مؤشر آخر يحيل إلى التضييق على حرية التعبير"، قبل أن يستدرك "أعتقد أن الذي يستحق المحاكمة هم هؤلاء الذين نهبوا صناديق التقاعد".

بينما كتب المدون حميد زايد ساخرًا من الحال الذي وصلت إليه حرية الصحافة في البلاد: "لم يسبق لي أن سمعت صحفيًا ينشر معلومات، بل أكثر من هذا تماديتم ونشرتم معلومات تتعلق بأعمال لجنة تقصي الحقائق حول التقاعد، ربما تجهلون أن دور الصحفي في المغرب هو ألا يبحث عن الخبر، وألا ينشر أي شيء، وألا يفتش عن الأسرار المهنية، وأن يغير مهنته ربما..".

محاكمة الصحفيين بغير قانون الصحافة مؤشر آخر يحيل إلى التضييق على حرية التعبير في المغرب

اقرأ/ي أيضًا: الحكم على صحفي مغربي بالسجن والغرامة.. محنة الحقوق والحريات تتفاقم

وأصدرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية بلاغاً تضامنيًا، أبدت فيه امتعاضها وتفاجئها من متابعة صحافيين قضائيًا، فقط قاموا بواجبهم في الإخبار بمعلومات صحيحة ودقيقة، مضيفة أن "تقرير لجنة تقصي الحقائق موضوع التسريب نشر للعموم ولم تعد وقائعه من الأسرار"، وسجلت النقابة استغرابها الشديد من الالتجاء مرة أخرى إلى القانون الجنائي في متابعة الصحافيين في قضايا تهم النشر، متخوفة من أن "يكون الصحافيون المعنيون بهذه المتابعة ضحايا لحسابات سياسية بين الفرقاء السياسيين داخل مجلس المستشارين"، كما أعلن عدد من المنظمات الإعلامية والحقوقية تضامنهم مع قضية الصحافيين المتابعين.

تجدر الإشارة إلى أن منظمة "مراسلون بلا حدود" بوأت المغرب في تقريرها السنوي العام المنصرم المركز 133 من أصل 180 في مؤشر حرية الصحافة، ضمن فئة "الوضع الصعب"، متأخرًا عن السنة التي سبقتها 2016 التي احتل فيها الرتبة 131، وهو ما جعل المنظمة تعلن عما وصفته بـ"التدهور البطيء والثابت لحرية الصحافة بالمغرب"، خلال السنوات الأخيرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. ما واقع حرية الصحافة بالمغرب؟

"كوابيس السلطة الرابعة".. كيف تغيرت الصحافة العربية في 2017؟