الإمارات تحظر موقع العربي الجديد، بعد أيام من حظره في السعودية.
هذا من الأخبار القليلة التي يشعر قارئها أن لا داعي للسؤال عن معلومات أكثر. هل لا يزال خبر الحظر في السعودية والإمارات خبرا؟ حظر أي شيء، كتاب أو أمسية أو فيلم أو موقع إلكتروني. هل هنالك من يتساءل لماذا؟ لا يحصل هذا عادة، لأن الحظر عادة، والمبررات صارت مكرورة.
دولة الإمارات تحظر موقع العربي الجديد، بعد أيام من حظره في السعودية
في السعودية، كل حالات الحظر مرتبطة بالمنطق الذي ترى فيه المملكة كل ما يقع خارجها أو مختلفا عنها. هل من المفيد الحديث عن حرية التعبير هنا؟ ونحن نتحدث عن حظر وسيلة إعلامية؟ أيُّ تعبير والقصيدة يمكن أن تودي بصاحبها إلى "قطع رقبته". و"قطع رقبته" ليس تعبيرا مجازيًّا في السعودية.
طيب ما جدوى الحظر؟ لا جدوى، من المواقع "غير الأخلاقية" حتى كتب الفلسفة حتى المواقع الإخبارية. نحن في زمن كسر الحظر، ومن يتابعون أو ينشغلون بأي محظور يعرفون كيف يصلون إليه، هنالك آلاف الوسائل في عالم الاتصال الذي نحيا به.
الفكرة أننا نتعرف على النظم الحاكمة في تلك الدول أكثر فأكثر، نتأكد من افتراضات عن رؤيتها للحياة والعالم، ونتأكد من كيفية تعاملها مع شعوبها كمجموعات عاجزة لا تصل إلا إلى ما توفره الدولة أو ترضاه، كمجموعات يسهل السيطرة عليها وتضليلها أو تعميتها عما حوله حتى لا ترى إلا ما يرى حاكموها.
ماذا بشأن الإمارات العربية المتحدة؟ لا يختلف الأمر كثيرا لولا التذاكي في إخراجه، بينما العقلية واحدة. والعقلية هذه موجودة في كل دولة وفي كل مكان، إلا أن فاعلية الشعوب وتنوّع النخب هو ما يواجه تصورات تلك العقليات الحاكمة.
لافت كيف تتقن الإمارات تصوير نفسها راعية للفنون والثقافة بقوة المال وفي الوقت نفسه لا تفهم إلا لغة الحظر والمنع والتقييد
ومن اللافت هنا كيف تتقن دولة الإمارات العربية المتحدة تصوير نفسها راعية للفنون والثقافة والإعلام بقوة المال وفي الوقت نفسه لا تفهم إلا لغة الحظر والمنع والتقييد. ربما هذا السؤال موجّه أيضا للنخب العربية الثقافية والإعلامية التي تطمع بالجوائز والأعطيات الإماراتية وتتسابق إليها متغاضية عن رسوخ هذه العقلية. أو أنه المنطق الانتقائي - الانتهازي أيضا- الذي لا يرى الممارسات الباطلة حين تمارس بحق الآخرين.
اليوم، ومن قبل، هنالك من يصرون بعناد عجيب على أن نعيش في عصور سابقة، وما أكثرهم. وهنالك من يصرون بسياسات ممنهجة على حصر خيارات شعوبهم في ما يريدون هم، بالقوة والاعتقال والقتل والاغتيال والحظر.
الصحافة العربية تعيش محنة، وزمنا من أسوأ الأزمنة، من كواتم الصوت التي تستخدمها داعش في تركيا، حتى حظر المواقع الإلكترونية في الخليج، وصولا إلى محاكمة الصحفيين والتنكيل بهم في مصر. كل الدول العربية متورطة، والعهدة على الصحافة نفسها، مواقفها التضامنية، المنحازة لحرية العمل الصحفي وإن اختلفت القناعات والتوجهات السياسية. هل هذا ممكن؟ لا يبدو قريبا ولا متوفرا ولكن التعويل عليه ضروري.
في عقود سبقت كانت القاعدة الرائجة بين الصحفيين العرب تقول: حين تكون في لندن أو باريس فأنت في النقطة الأقرب إلى الوطن العربي. أنت أقرب هناك إلى الوطن العربي حتى إن كنت تعيش فيه. واليوم وعند حظر أي موقع في دولة عربية يستخدم المتابعون تقنيات كسر الحظر، تلك التي تستخدم حسابات وخوادم وكأنها في أمريكا. وهذا طريف، فزوار المواقع في الدول المحظورة يظهرون وكأنهم في أمريكا.
وفي ظل سيطرة العقليات الحاكمة يبدو أننا سنظل ندور في فلك الدول الغربية تلك ونكتشف أننا فيها أقرب إلى أوطاننا وشعوبنا. يا لها من نكتة!
في حالات كهذه يمكننا فهم لماذا سموها "ثورة" الاتصالات والمعلومات.
اقرأ/ي أيضًا: