27-سبتمبر-2024
موجة نزوح على مداخل العاصمة بيروت (AFP)

موجة نزوح على مداخل العاصمة بيروت (AFP)

يفاقم العدوان الإسرائيلي الشامل على لبنان أوضاع المواطنين المثقلين بالأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وسط انقسام سياسي وشلل مؤسساتي، في بلد تديره حكومة تصريف أعمال ويعجز البرلمان عن انتخاب رئيس للبلاد منذ حوالي العامين.

في شوارع العاصمة بيروت، حركة السير والناس أبطأ من العادة، وهذا مؤشر على حالة الترقب التي يعيشها اللبنانيون في ظل إغلاق المدارس والجامعات، وتحويل بعضها إلى مراكز إيواء لعشرات آلاف من النازحين الذين فروا من مناطق استهدفتها الغارات الإسرائيلية العشوائية منذ مطلع هذا الأسبوع.

في شوارع العاصمة بيروت، حركة السير والناس أبطأ من العادة، وهذا مؤشر على حالة الترقب التي يعشيها اللبنانيون

يتحدث أنيس ربيز، البالغ من العمر 51 عامًا، لوكالة "فرانس برس"، عن أن كل شيء ينهار حولهم، ولا قدرة لديهم لتحمل هذه الحرب. ويضيف الرجل، الذي يملك شركة عقارية، بينما يركن سيارته في أحد شوارع الأشرفية في شرق بيروت، "نفسية الناس متعبة. تكفينا الحرب الاقتصادية والأموال العالقة في المصارف". ويتابع: "الوضع لا يطمئن، لا أفق للمستقبل أو حتى بصيص نور"، مشيرًا الى هجرة آلاف الشباب على وقع الأزمات المتلاحقة.

ومن أمام مركز تسوّق في حي الأشرفية، تخبر عبير خاطر وكالة "فرانس برس" بأنها جاهزة في حال اندلاع الحرب، وتقول: "أعددت حقيبة تحتوي على أوراق أولادي الثبوتية وجوازات سفر وثياب، وضعتها قرب الباب".

تتحدث الأم لثلاثة أولاد، البالغة من العمر 43 عامًا وهي مديرة متجر، أنها انتقلت وعائلتها من منطقة عين الرمانة المتاخمة للضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، إلى بلدة بحمدون في شرق بيروت، لكنها تعبر عن خشيتها من سقوط صاروخ، ولا يمكن لأحد أن يعرف ما قد يحصل لهم. تكشف عبير: أن "أولادها لم يتعافوا نفسيًا بعد من انفجار مرفأ بيروت"، وتضيف "عام 2006، لم أكن متزوجة. لكن الآن يتملكني خوف كبير على أطفالي".

وفي وسط ساحة ساسين في الأشرفية، حيث يرفرف علم لبناني ضخم، يجلس محمد خليل على مقعد خشبي يفكر بكيفية تأمين لقمة عيش عائلته، بعد أن نزح مع زوجته وأطفاله الثلاثة ووالدته من قريته دير انطار في محافظة النبطية الجنوبية. يقول الشاب، البالغ من العمر 33 عامًا، "منذ نحو ثلاث ساعات، أفكر كيف سأؤمن عملًا ومسكنًا، لدي أطفال يجب أن يذهبوا إلى المدارس، أفكر في مستقبلهم... لكنني أصطدم بحائط مسدود".

رغم ذلك، يبدو خليل واثقًا من أنه في نهاية المطاف، سيكون النصر حليفهم، ويشدد على أن ما حصل لأهل الجنوب "يجب ألا يُسكت عليه"، مؤكدًا أن كل شيء "فداء للمقاومة".

في شارع الحمراء في غرب بيروت، تعبر غادة حاطوم، عن موقفها مما يحدث، قائلةً: "حزب الله ليس الدولة ليأخذ قرار السلم والحرب، هو كيان مواز للدولة، وأثبت لشعبه وبيئته التي تحتضنه أنه اتخذ قرارًا خاطئًا. لا أحد يجهّز نفسه للحرب ولا يبني ملجأ. هل أرواحنا رخيصة لهذه الغاية؟"، وتضيف: إذا "لم يكن لدي ملجأ أختبئ فيه لم تجرني الى الحرب؟".

رغم ذلك، يبدو خليل واثقًا من أنه في نهاية المطاف، سيكون النصر حليفهم، ويشدد على أن ما حصل لأهل الجنوب "يجب ألا يُسكت عليه"

على أحد أرصفة حي الأشرفية، يعزف فكتور، البالغ من العمر 65 عامًا ورفض إعطاء اسم عائلته، على آلة الأكورديون، غير مكترث لهدير دراجات نارية وأبواق سيارات من حوله. يقول الرجل الذي عاش الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990 لـ"فرانس برس"، "تفصلني الموسيقى عن الواقع، وتهدئ أعصابي"، ويضيف بنبرة هادئة: "لستُ خائفًا من اندلاع حرب لأننا اعتدنا الحروب ومن له عمر لا تقتله الشدّة".

وعلى بعد عشرات الأمتار، تبدي نينا روفايل، التي كانت تسير بخطوات متسارعة، تعاطفها مع أهالي الجنوب الذين فروا من منازلهم جراء الهجمات الإسرائيلية، لكنها تخشى من تصعيد إضافي. وتسأل: "لديّ خوف من الغد... من سيرمّم؟ من سيبني؟ من سيطعم؟ ومن سيعلم؟ لدي خوف من كل شيء"، وتضيف المدرّسة الخمسينية: "لا أشعر بالخوف من اندلاع حرب فحسب، إنما لدي خوف من أن ينتهي لبنان بالكامل".