قدمت ألمانيا في مونديال روسيا 2018، أسوأ نسخة مونديالية لها في تاريخها. المنتخب الذي لم يخرج من دور المجموعات قط في تاريخه، والمنتخب الذي قال عنه في الثمانينات النجم الإنجليزي غاري لينكر: "إذا لعبت ألمانيا بشكل سيء ستصل للمباراة النهائية، وإذا لعبت بشكل جيد ستفوز باللقب"؛ وجد نفسه متذيلًا لمجموعته في كأس العالم، ليخرج حامل لقب نسخة البرازيل 2014، مطأطأ الرأس، ومن الباب الضيّق.
كانت صدمة قوية بالنسبة لجمهور المنتخب الألماني مشاهدة أداؤه السيء وخروجه المبكر من مونديال روسيا 2018
أصاب الذهول جماهير، وخاصة عشاق منتخب المانشافت المنتشرين في كل أنحاء العالم، وشعروا بطعنة نجلاء أصابت كبرياءهم. لم يعتد هذا الجمهور أن ينتهي المونديال بشكل مبكر إلى هذا الحد بالنسبة إليهم.
اقرأ/ي أيضًا: لماذا خرجت ألمانيا من الدور الأول لمونديال 2018؟
بعد المونديال، قرر الاتحاد الألماني إعطاء فرصة جديدة للمدرب يواخيم لوف، رغم خروج أصوات مطالبة بالاستغناء عنه بعد الأداء الهزيل في روسيا، فيما رأى البعض أن لوف قدم كل ما يمكن تقديمه مع المنتخب خلال السنوات الـ12 الأخيرة، وقد توّج مسيرته بالظفر بالكأس الأغلى في مونديال البرازيل، وأصبح المنتخب الألماني مع لوف المرشح الاول للظفر بكل بطولة يشارك بها.
وعليه، فإن المنتخب الذي وصل إلى الذروة في 2014، كان من الأفضل له أن يبدأ مسيرة جديدة من بعدها، مع مدرب جديد وجيل جديد من اللاعبين، يشكلون نواةً للمستقبل.
وعلى كل حال، فإن الأسماء التي لمعت في مونديال البرازيل، وأهدت الألمان نجمتهم الرابعة، قدمت مستويات محبطة في روسيا، ولم ينجح الألمان في تجهيز منتخب شاب للمستقبل، ولم ينجح ذوو الخبرة في تخطي عتبة دور المجموعات.
قرر الاتحاد الألماني إذن إعطاء فرصة جديدة للوف، ولأنه لا بد من وجود مذنب عند كل إخفاق ليتحمل القسط الأكبر من المسؤولية؛ وجهت الصحافة الألمانية سهام انتقاداتها باتجاه مسعود أوزيل، واتهمه عدد من نجوم ألمانيا السابقين بالتخاذل والتقاعس، واتخذ الأمر أبعادًا سياسية، فاعتزل أوزيل اللعب الدولي، وأقفلت صفحة اللاعب صاحب أكبر عدد تمريرات حاسمة في تاريخ المنتخب.
استحدث الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، مسابقة بطولة دوري الأمم الأوروبية، وهي بطولة رسمية سيؤخذ بنتائجها لتحديد المستويات في قرعة يورو 2020، والهدف منها زيادة الاحتكاك بين المنتخبات، والتخلص من فكرة المباريات التي لم تعد تُؤخذ بالجدية الكافية، ولا تثير انتباه المتابعين.
وقسّمت المنتخبات الـ55 إلى أربع مستويات، بحسب قيمتها ونتائجها ومستواها. ألمانيا المصنفة "أ" وقعت في المجموعة الأولى مع فرنسا وهولندا. وكان التحدي كبيرًا أمام يواخيم لوف ورجاله، فالظفر بصدارة المجموعة كان سيداوي الكثير من الجروح الألمانية، وسيعطي الجماهير انطباعًا بأن كبوة المونديال باتت مجرد ذكرى سيئة، وأن الأمور عادت إلى الطريق الصحيحة.
ويزيد من أهمية تصدّر المجموعة، ضمّها لبطل العالم والفريق الذي أخرج ألمانيا من نصف يورو 2016، كما تضم المنتخب الهولندي، الجار اللدود لألمانيا، حيث تميزت مبارياتهما دائمًا بالندية والإثارة.
واستضافت ألمانيا في أولى مباريات المجموعة، فرنسا بطلة العالم. وانتهت المباراة بالتعادل السلبي. وقدّم رجال يواخيم لوف مباراة مقبولة المستوى، لكن الضربة القاصمة أتت في المباراة الثانية، عندما تلقى الألمان خسارة مهينة أمام منتخب الطواحين الهولندية 3-0 في هولندا. ونجح المنتخب البرتقالي الغائب عن مونديال 2014، في فرض أسلوب لعبه، ومنع الألمان من إيجاد انفسهم. وقوبلت الخسارة بغضب عارم من الرأي العام والصحافة الرياضية الألمانية.
نجم المنتخب السابق، وصاحب الرقم القياسي في المشاركة في المباريات في كأس العالم، لوثر ماتيوس، انتقد التشكيل الذي بدأ به لوف المباراة، إذ أبدى نجم بايرن ميونيخ السابق استغرابة من الكيفية التي بدأ بها لوف المباراة بخط دفاع مكون من لاعبي بايرن ميونيخ، الفريق الذي تتلقى شباكه الأهداف بغزارة في الفترة الأخيرة.
كذلك استغرب ماتيوس من عدم الزج بتير شتيغن كحارس أساسي، بعد المستويات المدهشة التي يقدمها رفقة برشلونة، والاعتماد في المقابل على مانويل نوير الذي لم ينجح إلى الآن في استعادة مستواه بعد الإصابة التي لحقت به العام الماضي، وأبعدته فترة طويلة عن الملاعب.
وانتقدت الصحف الألمانية لوف بعد المباراة، وانتقدت غياب أي رد فعل للمنتخب بعد ما وصفته بـ"كارثة المونديال"، وأبدت استغرابها مما اعتبرته إصرارًا من لوف على الاعتماد على نفس العناصر، رغم أنها أثبتت في المونديال أنها انتهت عمليًا، وأن الفريق بحاجة لعناصر ودماء جديدة.
وطالت الانتقادات بشكل خاص توماس مولر، الذي لم يقدم أي شيء يذكر للمنتخب منذ 2014، كذلك جيروم بواتنغ وجوليان دراكسلر. فيما أثار غياب ليروي ساني عن التشكيلة الأساسية ضد هولندا، حفيظة المتابعين، علمًا بأن لوف كان قد استبعد ساني عن المونديال الأخير، بالرغم من المستوى الكبير الذي قدّمه مع مانشستر سيتي في العام الماضي، والتتويج معه بلقب الدوري. وثبت جليًّا خلال المونديال، أن المنتخب كان بحاجة للاعب من نوعية ساني يمتلك مهارات عالية، ولديه قدرة على اختراق الدفاعات المتكتلة.
يحتاج منتخب ألمانيا اليوم لثورة جديدة وورشة عمل لإعادة الأمور إلى نصابها، شبيهةً بما حدث بعد الخروج المذل من الدور الأول في يورو 2000
وفي المباراة الثالثة، خسر المنتخب الألماني أمام فرنسا 2-1، وتلاشت فرص المنتخب كلّيًا في اعتلاء صدارة المجموعة، بل إنه يواجه اليوم خطر احتلال المركز الأخير في المجموعة، والهبوط إلى المستوى الثاني، وهو أمر لن يعجب أبدًا الجمهور الألماني الذي اعتاد أن يكون دائمًا في المقدمة.
وقد سخرت تقارير صحفية من خسارة ألمانيا أمام فرنسا، ووصفتها بـ"أفضل خسارة هذه السنة"، في إشارة إلى أن المنتخب خسر ست مباريات هذه السنة، وبالتالي فإن الخسارة أمام بطل العالم ستبدو مقبولة. ويذكر في هذا السياق أنه لم يحدث منذ 1985، أن خسر منتخب ألمانيا ست مباريات في سنة واحدة!
يحتاج منتخب ألمانيا اليوم إلى ثورة جديدة، وورشة عمل لإعادة الأمور إلى نصابها، تكون شبيهة بما حصل بعد الخروج المذل من الدور الأول في يورو 2000، حيث وضعت خطط رياضية ومالية وإنمائية، وأثمرت عن الوصول إلى نهائي اليورو والتتويج بكأس العالم وكأس القارات. وإلا فإن الأمور يبدو أنها تتجه نحو الأسوأ، في الوقت الذي تشهد المنتخبات المنافسة كفرنسا وبلجيكا وإنجلترا وغيرها، طفرة في المواهب، وتطورًا ملحوظًا في النتائج.
اقرأ/ي أيضًا:
لعنة حامل اللقب.. ألمانيا عاشر بطل يفشل في أولى مبارياته بالمونديال