10-سبتمبر-2017

الأمراض النفسية تعشش في المجتمع المغربي بسبب ضعف الطب النفسي (Bet)

لا يكاد يمر يوم دون سماع أخبار عن حالات انتحار في المغرب، كان آخرها أمس حينما وضعت أم لطفلين بعمر 28 عامًا حدًا لحياتها شنقًا، الأخبار التي باتت تثير فزع الرأي العام من شدة تواترها، وبدأت تلفت انتباه الباحثين حول أسباب انفجار الظاهرة بهذا الشكل في الآونة الأخيرة بالمملكة.

كل أربعين ثانية تقريبًا ينتحر شخص ما، كما أن الانتحار هو ثاني أهم سبب للوفاة خاصة عند من تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا

الانتحار في أرقام
يصادف اليوم 10 أيلول/سبتمبر "اليوم العالمي لمحاربة الانتحار"، وبهذه المناسبة نشرت منظمة الصحة العالمية معطيات مُحدثة بناء على دراستها سنة 2015 حول ظاهرة الانتحار، تقول فيها إن ما يقارب 800 ألف شخص يلقى حتفه كل عام بسبب الانتحار.

أي أنه في كل أربعين ثانية تقريبًا ينتحر شخص ما، ونبه التقرير إلى أن الانتحار هو ثاني أهم سبب للوفاة خاصة عند من تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا، وتضيف المنظمة أن 78% من حوادث الانتحار في العالم مسجلة بالبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

اقرأ/ي أيضًا: مذكّرات قبل الانتحار

أما على مستوى المغرب، فإنه لا توجد بيانات دقيقة ترصد حالات الانتحار إلى الآن، لأسباب تتعلق بتقاعس السلطات الرسمية في إنجاز إحصائيات حول الظاهرة، وأخرى لشعور عائلات المنتحرين بـ"العار"، فتمتنع عن التبليغ للمراكز الحقوقية، ما يحول دون معرفة حجم المشكلة في الواقع.

لكن هناك تقرير أعدته منظمة الصحة العالمية حول الانتحار اعتمادًا على المنظمات الحقوقية المحلية سنة 2014، يذكر أن عدد حالات الانتحار بالمغرب تضاعفت ما بين سنتي 2000 و2012 بنسبة 97.8%، حيث انتقل معدل حوادث الانتحار من 2.7 لكل مئة ألف سنة 2000 إلى 5.3 لكل مئة ألف سنة 2012.

وفي سنة 2012 بلغ عدد حالات الانتحار في المغرب، وفق منظمة الصحة العالمية، 1628 حالة انتحار، محتلًا بذلك المركز الثاني بعد السودان، بين البلدان العربية الأكثر معاناة من الظاهرة. يمثل الرجال 87% من هؤلاء المنتحرين بنحو 1431 حالة انتحار، و198 حالة فقط منهم نساء، ولم تستثن حالات الانتحار في المغرب مختلف الشرائح العمرية، بما في ذلك الأطفال والمسنون.

سنة 2012 بلغت حالات الانتحار في المغرب، وفق منظمة الصحة العالمية، 1628 حالة انتحار، محتلًا بذلك المركز الثاني عربيًا بعد السودان

دون أن ننسى محاولات الانتحار الفاشلة التي يتجاوز عددها أعداد المنتحرين فعليًا بكثير، أو الذين يفكرون في الانتحار، والمقدر عددهم بثلاثة ملايين بالمغرب.

أسباب الانتحار في المغرب
رغم أن الانتحار ظاهرة عالمية، غير أن لكل بلد عوامل خاصة به تساهم في شيوع الانتحار بين مواطنيه، ما يحتم فهم الظاهرة بشكل دقيق في المغرب، والقيام بدراسات ميدانية تستقصي الأسباب، وهو ما لا يتوفر حتى الآن.

لكن منظمة الصحة العالمية تربط الانتحار بشكل عام بالأشخاص الذين يفقدون القدرة على مواجهة ضغوط الحياة، والمشاكل الأسرية، والعاطفية، والمالية، والدراسية، والذين يعانون من اضطرابات نفسية، أو أمراض مزمنة، أو حالات إدمان، وأيضًا المضطهدين من الأقليات والمستضعفين في المجتمع، ولا يجدون حلولًا أو مساعدة من قبل الدولة والمجتمع.

كما ترتبط النزعات الانتحارية بالحروب والكوارث والعنف وسوء المعاملة أو الفقدان الأعزاء بالإضافة إلى الشعور بالعزلة، كلها عوامل تؤجج السلوك الانتحاري. وإذا كانت معظم حالات الانتحار في البلدان ذات الدخل المرتفع تقترن بالاضطرابات النفسية والآثار الناجمة عن إدمان الكحول، وفق منظمة الصحة العالمية، فإن شيوع الظاهرة بالمجتمعات المنخفضة الدخل، مثل المغرب، يرتبط عادة بعوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية.

اقرأ/ي أيضًا: أشهر محاولات انتحار في المغرب.. الظلم والبطالة هما العنوان

وفي هذا الصدد، يرجح مهتمون السبب الرئيس في تفشي الانتحار في المغرب إلى التفاوتات الطبقية الصارخة في المغرب، بين نخبة نافذة تكدس الأموال من خلال النهب والفساد وطبقات شعبية مسحوقة تعيش الفقر المدقع، وهو ما يتسبب في أزمات اجتماعية ونفسية للكثيرين من المعوزين.

بينما آخرون يذهبون إلى أن الأمراض النفسية تعشش في المجتمع المغربي، وبسبب ضعف الطب النفسي محليًا لا يتم إنقاذ المحتاجين إلى المساعدة النفسية من تفاقم اضطراباتهم.

المغرب يحتل المرتبة 99 في مؤشرة السعادة من 156 دولة، بحسب دراسة لجامعة كولومبيا في الولايات المتحدة

وكانت دراسة أعدتها وزارة الصحة المغربية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، قد توصلت بأن نصف المغاربة تقريبًا مرضى نفسيون حسب المعايير العالمية للاضطرابات النفسية، كما تجدر الإشارة إلى أن المغرب يحتل المرتبة 99 في مؤشرة السعادة من 156 دولة، بحسب دراسة لجامعة كولومبيا في الولايات المتحدة.

ومن جهة ثالثة، يعتقد متخصصون اجتماعيون أن المجتمع المغربي يعيش عمومًا في تيه معرفي وقيمي بين السياق التقليدي الذي تربى فيه والسياق العالمي الحديث، الحافل بالصدمات الثقافية، ما يؤدي بالبعض إلى فقدان البوصلة في الحياة، والعجز عن مجاراة السياق المعولم شديد التغير، وبالتالي يختارون مغادرة هذا العالم غير المفهوم بالنسبة لهم.

هذا ما يحتم على كل من الدولة والمجتمع المدني القيام بأدوارهما لتوفير بيئة مواتية للعيش الكريم، تتوفر فيها الشروط السياسية والاقتصادية والاجتماعية السليمة، وتزود أفراد المجتمع بالأدوات المادية والمعرفية اللازمة ليتكيف مع العصر ومجابهة المشكلات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

انتحار في العيد.. لماذا ينهي الشباب حياتهم في مصر؟

الانتحار.. غول أطفال تونس