20-سبتمبر-2024
دونالد ترامب

يفضّل ترامب التضليل والتهويل في تعامله مع ملف المهاجرين (رويترز)

يستثمر المرشح الجمهوري دونالد ترامب ملف المهاجرين غير النظاميين في دعايته الانتخابية بشكلٍ مكثف، محاولًا ضرب عصفورين بحجر واحد، أي تسليط الضوء قدر الإمكان على أكثر ملف أخفقت منافسته كامالا هاريس في إدارته كنائبة لبايدن في البيت الأبيض، والاستثمار في خوف قطاعات واسعة في المجتمع الأميركي من المهاجرين كي ترى فيه شخصية المخلص. لكن ترامب، كما لاحظت مجلة "نيوزويك"، يمارس الكذب والتضليل، بتقديم بيانات متضاربة ومتناقضة عن أعداد المهاجرين غير النظاميين في البلاد والأرقام الرسمية الحكومية.

وكان ترامب قد ذكر في خطاباته، ابتداءً من آذار/مارس الماضي وحتى الآن، أرقامًا تتراوح بين 15 و20 مليونًا، في حين تشير البيانات الرسمية من هيئة الجمارك وحماية الحدود بالولايات المتحدة إلى 10.6 ملايين محاولة عبور فقط من تشرين الأول/أكتوبر 2020 حتى آب/أغسطس 2024، ويشمل ذلك حالات الاعتقال والترحيل، ولا يعني أن جميع محاولات العبور نجحت.

وبالفعل، كشفت إحصاءات إدارة الهجرة والجمارك عن ترحيل أكثر من 339 ألف مهاجر من الولايات المتحدة بين تشرين الأول/أكتوبر 2020 وشباط/فبراير 2024، مع ترحيل أكثر من 121 ألفًا على متن رحلات متتالية منذ أوائل حزيران/يونيو 2024.

شهدت الولايات المتحدة أبطأ نمو في عدد السكان المهاجرين على مدى العقد الماضي منذ الستينيات

ووفقًا لـ"نيوزويك"، أكد مدير دراسات الهجرة في معهد "كاتو ديفيد بير" أن أرقام ترامب ليست مضللةً فحسب، بل من المحتمل أن تكون مزيفة، ووصف الأرقام بأنها "مجموعة من البلاغات المبالغ فيها"، وقال إنها لا تستند إلى الواقع.

ومما يزيد تحديد العدد الحقيقي للمهاجرين غير الشرعيين تعقيدًا تباين إحصائيات البيانات الحكومية، فمثلًا أفاد مكتب التعداد السكاني بأن الهجرة بلغت 1.1 مليون مهاجر في عام 2023، بينما قدّر مكتب الميزانية في الكونغرس الرقم بـ3.3 ملايين، وأشار الخبير الاقتصادي غيد كولكو إلى أن اختلافات في طرق جمع البيانات تسهم في هذه الفروقات.

المهاجرون في دعاية ترامب الانتخابية

واعتبرت المجلة الأميركية أنّ تضخيم أرقام المهاجرين، من طرف دونالد ترامب، يلعب دورًا رئيسيا في سردية ترامب السياسية، والتي يهدف من ورائها إلى تصوير أزمة كبيرة على الحدود الأميركية وإثارة القلق والذعر بين الناخبين بشأن قضايا الهجرة.

ويركز ترامب على أن سياسة الرئيس جو بايدن ونائبته المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في التعامل مع الهجرة فشلت، ويقدم المرشح الجمهوري نفسه على أنه الحل الوحيد والأمثل أمام الأميركيين إذا ما أرادوا التعامل مع "خطر" المهاجرين.

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد كلف نائبته كامالا هاريس بإدارة أزمة الهجرة غير النظامية على الحدود المكسيكية، ولكنها لم تنجح في التعامل مع هذا الملف الشائك أميركيًا برأي الكثير من الجمهوريين، الأمر الذي زاد ترامب إصرارًا على التركيز على نقطة ضعف منافسته، حتى إنه زعم في مناظرته معها أن 21 مليون مهاجر يعبرون الحدود الأميركية كل شهر.

لكن مجلة "نيوزويك" تؤكد أنّ مستويات الهجرة في السنوات الأخيرة ظلت مستقرةً نسبيًا، وأضاف معهد كاتو في تحليله أن الولايات المتحدة شهدت أبطأ نمو في عدد السكان المهاجرين على مدى العقد الماضي منذ الستينيات، ويعود جزء كبير من هذا الانخفاض إلى تراجع أعداد المهاجرين من إفريقيا وآسيا، عكس ما يقوله ترامب.

وكان ترامب قد ادعى أن دولًا في إفريقيا وأميركا اللاتينية تقوم بتفريغ سجونها و"مصحّاتها العقلية" في الولايات المتحدة. ومن السهل، وفقًا لـ"نيوزويك"، تجميع حالات الجرائم التي يرتكبها المهاجرون غير الشرعيين والإشارة إليها لدعم هذه الرواية، وتضيف الصحيفة الأميركية قائلةً: "ما لا تراه ممثلًا في الخطاب العام هو كل الأشخاص الذين يعيشون حياتهم بسلام ويمارسون وظائفهم حالهم حال الآخرين".

هذا ومن المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر القادم بين هاريس وترامب، في ظل حالة من عدم اليقين بشأن نتائجها، فضلًا عن المخاوف من تبعاتها وسط حالة العنف السياسي المتنامية في البلاد والتي تجسدت حتى الآن في محاولة اغتيال ترامب مرتين.