تجاري السيدة العربية صيحات الموضة. تواكب الرائج، وتتابع كل جديد لتحافظ على إطلالة عصرية تليق بشخصيتها وتضمن تألقها وتمنح حضورها جاذبيةً وتأثيرًا إضافيًا. كما تجاري المحطات التلفزيونية هذا الاهتمام ببرامج تروّج للجديد و"المتجدد"، وتجد مباشرةً متابعات لها من مختلف الأجيال تبعًا لمدى تعلّق المرأة بالتبضّع لشراء آخر الموديلات وميزانيتها التي تخوّلها اقتناء "الماركات".
تلعب الدراما دورًا جاذبًا في برامج الـ"Make Over" خصوصًا وأن لكل مشارك في هذه البرامج قصة حزينة في عدم تقبّله لشكله
فتحت عناوين مختلفة تتشابه مضامينها، وتنقل جميعها عروض الأزياء وأسابيعها في مختلف عواصم الموضة ومدنها، كما تقدم آراء خبراء في التجميل والمظهر "من البابوج للطربوش" لتطلع المشاهدات على ما يُشبع الحاجة اليومية لتجديد اللوك وتغييره بين الحين والآخر. كما تتوقف هذه البرامج عند اختيارات المشاهير، النساء منهم والرجال، في إطلالاتهم اليومية المريحة والرسمية، وظهورهم الباهت أو المدوّي إيجابًا أم سلبًا على السجادة الحمراء.
الـ"Make Over" أو تغيير الإطلالة فكرة لم تغب طويلًا عن المحطات العربية بعد ابتكارها وانتشارها في الغرب، والبرامج في مواكبتها لما يستسيغه المشاهد، وجدت في التحوّل الجذري للمشاركين مادةً إعلامية فيها من التشويق والفضول والإثارة ما سيضمن جذب عدد أكبر من المهتمين والمهتمات بالموضة، كونه ببساطة يُخرج الفقرات من أسلوب النصح والتوجيه إلى تقديم الأفكار العملية المنفّذة بالصوت والصورة على أناس عاديين وليسوا وجوهًا معروفة في الفن عادةً وأحيانًا في السياسة.
اقرأ/ي أيضًا: يا نساء العرب.. لا تكن أجمل مع جويل!
كما تلعب "الدراما" دورًا جاذبًا، خصوصًا وأن لكل مشارك في هذه البرامج "قصة حزينة" في عدم تقبّله لشكله تصل إلى حدّ مخاصمة المرآة ومعاداة "التسوّق" والابتعاد عن أدوات الزينة التي عجزت عن مصالحته مع ذاته. التماهي النفسي الجزئي أو التام مع هذه الحالات أو بعضها هو ما يخلق متابعين دائمين لهذه البرامج، هم "منتصرون" للفكرة وأبعادها وترجمتها ونتائجها التي تحقق رضًا عند المشاهد الذي يتفاعل ويتعاطف مع المشارك الذي يبلغ بدوره مرحلة من الرضا، يأمل ويؤمل أن تخوّل له فتح صفحة جديدة في حياته كما يقول عادةً عند اكتشافه مظهره الجديد.
ورحلة التغيير، التي كانت انطلقت على التلفزيونات العربية نقلًا عن برامج غربية أمريكية وبريطانية بالدرجة الأولى، تطوّرت بحسب الـ"format" أو اقتباسًا منه. ففي البدء كانت هذه البرامج تقتصر على توجيه المشارك من قبل إحدى خبراء الموضة نحو ما يناسب شخصيته ولون بشرته وطبيعة حياته وعمله في كل ما يتعلق بالملابس والأحذية وقصة الشعر ولونه وألوان الماكياج للنساء.
التماهي النفسي الجزئي أو التام مع الحالات المقدمة في برامج الـ"Make Over" هو ما يخلق متابعين دائمين لهذه البرامج
وذلك بعد الكشف على خزانته الشخصية ونصحه بالاستغناء عن القطع غير المناسبة فيها. ثم تطورت هذه الرحلة تباعًا نحو الاهتمام بالابتسامة وشكل الأسنان، التخسيس وشفط الدهون، إجراء عمليات التجميل في أنحاء مختلفة من الجسم وخصوصًا الوجه وحقنه بالفيلر والبوتوكس وزرع الحاجبين ورسمهما بالتاتو.. حتى باتت النتائج التي تخلص إليها الحلقات مرسومة "على المسطرة" وخالية بحسب الأطباء المختصين المشرفين على كل حالة من أي خطأ أو خلل.
اقرأ/ي أيضًا: زبدة الشيا..سحر الجمال الإفريقي
والاشتراك بهذه البرامج، التي تنفّذها بطريقة متشابهة إلى حدّ التطابق عدد من الفضائيات الشهيرة، هو بحسب المتعارف عليه مجاني، خصوصًا وأن كلفة التغيير والعمليات تغطيها الإعلانات خلال الحلقة وبين فقراتها. فالأطباء وعياداتهم، لوكيشن التصوير، والماركات والمحال التي يتم التسوق منها، تعلن عن نفسها بطريقة غير مباشرة أو مباشرة. كما أن تقديم خصوصية المشتركين للعموم، أكان لجهة ظروفهم الحياتية والنفسية وحالتهم الصحية ومراحل خضوعهم للعلاج التجميلي بما فيه "لقطات" من العمليات الجراحية، هل من المنطق أن يكون مدفوعًا من قبلهم؟.
مع العلم أن التغيير ليس جذريًا تمامًا، فـ "الروتوش" إجباري للحفاظ على المظهر النهائي الذي يخلص إليه البرنامج، فحُقن الفيلر والبوتوكس لا تدوم طويلاً ومن المعروف أن صبغة الشعر ليست دائمة، والتسوّق لن يكون متاحًا لاحقًا للمشاركين من المحلات الفخمة نفسها. فماذا بعد "سكرة" التغيير المجاني غير فكرة الحفاظ المكلف عليه مقابل تداعي الحلم الجميل؟.
اقرأ/ي أيضًا: