06-يوليو-2019

بدأت العقوبات الأمريكية على إيران تأخذ منحى أوسع (رويترز)

في خطوة تعتبر الأولى من نوعها منذ انسحاب الولايات المتحدة الأحادي من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة فرضها حزمة عقوبات اقتصادية مشددة على إيران، احتجزت حكومة جبل طارق ناقلة نفط إيرانية كانت في طريقها إلى سوريا بناء على طلب أمريكي لبريطانيا، ما يفاقم من الأزمة الأمريكية – الإيرانية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، ويزيد من احتمالية نشوب صراع عسكري قد يمتد ليشمل باقي الدول المتحالفة مع الطرفين.

يصف الخبراء تهديد طهران بزيادة معدل تخصيب اليورانيوم بأنه "خطوة رمزية" أكثر من اعبتاره "خطوة ملموسة" لامتلاك سلاح نووي، إذ تريد طهران أن تؤثر في المفاوضات التي عقدتها مع الدول التي لا تزال ملتزمة بالاتفاق النووي

بريطانيا تحتجز ناقلة نفط إيرانية بطلب أمريكي

أعلنت حكومة جبل طارق الخميس احتجازها ناقلة جريس 1 الإيرانية المحملة بشحنة من النفط الخام الإيرانية كانت في طريقها إلى مصفاة بانياس في سوريا، وقامت السلطات المحلية في جبل طارق باحتجاز الناقلة بناء على طلب من الولايات المتحدة وجهته لبريطانيا، وأشارت وكالة رويترز إلى أن الناقلة التي ترفع علم بنما  قامت بتحميل النفط قبالة السواحل الإيرانية على الرغم من أن وثائقها تقول إن النفط مصدره العراق.

أقرأ/ي أيضًا: بعد تعزيز واشنطن ترسانتها العسكرية.. هل ينتظر الشرق الأوسط حربًا شاملة؟

ويأتي إيقاف شحنة النفط التي كانت في طريقها إلى موانئ النظام السوري المطلة على البحر المتوسط في إطار حزمة العقوبات المشددة التي فرضها الاتحاد الأوربي على كيانات تخضع لإدارة النظام السوري منذ عام 2011، وبالتزامن مع العقوبات الأمريكية المشددة التي فرضتها الولايات المتحدة مؤخرًا على طهران لإرغامها على تعديل بنود الاتفاق النووي الذي انسحبت منه قبل أكثر من عام.

رسم بياني يوضح صادرات إيران من النفط الخام (معهد ستارفور)

واستدعت طهران السفير البريطاني لديها روب ماكير للاحتجاج على احتجاز ناقلة النفط التي تتبع في أصولها لشركة آي شيبس مانجمنت في سنغافورة، ووصفت بأن الناقلة تعرضت لـ"قرصنة بحرية" بناء على طلب من واشنطن داعيًة للإفراج الفوري عنها، فيما دعى القيادي في الحرس الثوري الإيراني محسن رضائي "للرد بالمثل" على احتجاز بريطانيا لناقلة النفط الإيرانية.

خطوة أوروبية لمنع طهران من زيادة تخصيب اليورانيوم

يمثل احتجاز ناقلة النفط الإيرانية تحولًا حذرًا في العلاقات الأوروبية – الإيرانية يأتي في وقت حساس نتيجة تزايد التوترات بين طهران وواشنطن في الشرق الأوسط، فقد ذكر بيان للخارجية البريطانية أن سلطات جبل طارق عملت على تطبيق عقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على سوريا، لكنها تأتي في مقابل ذلك بالتزامن مع إعلان طهران إعادة تخصيب اليورانيوم بمستوى يحظره الاتفاق النووي الموقع عام 2015 مع الدول العظمى.

ولا يمكن تجاهل توقيت احتجاز ناقلة النفط الإيرانية الذي جاء قبل ثلاثة أيام من شروع طهران بتنفيذ تهديدها بزيادة معدل تخصيب اليورانيوم إلى أكثر من 3.67 بالمائة ما يتجاوز الحد المتفق عليه مع الدول العظمى، بحسب ما أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي حدد يوم الأحد القادم موعدًا لبدء طهران تنفيذ تهديدها، في الوقت الذي حذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من تهديد طهران، واصفًا ذلك بقوله: "انتبهوا للتهديدات، فهي يمكن أن ترتد لتلدغكم كما لم يلدغ أي شخص من قبل".

ويرى المستشار القانوني ماثيو أورسمان أن احتجاز ناقلة النفط كان منسقًا بشكل ما مع الولايات المتحدة بالنظر إلى مشاركة قوات من دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، مرجحًا أن تكون هذه الخطوة هي توجيه رسالة إلى النظام السوري وإيران، فضلًا عن واشنطن، والتي يراد من خلالها القول إن الاتحاد الأوروبي يأخذ العقوبات المفروضة على النظام السوري على محمل الجد، ويمكنه كذلك الرد على "انتهاج إيران لسياسات حافة الهاوية فيما يتعلق بالمفاوضات النووية الجارية".

وقبل أسبوع تقريبًا عقدت في العاصمة النمساوية فيينا محادثات بين إيران من طرف، وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا من طرف آخر، وهي الدول التي لا تزال ملتزمة بالاتفاق النووي بعد انسحاب واشنطن، وقال بيان للاتحاد الأوروبي عقب المحادثات إن الآلية الخاصة بالتبادل التجاري مع إيران وتفادي العقوبات الأميركية أصبحت جاهزة، لكن طهران طالبت أن يقدم الاتحاد الأوروبي المزيد لضمان تجاوز العقوبات الأمريكية المفروضة عليها.

وكانت واشنطن قد استهدفت مؤخرًا ضمن حزمة عقوبات اقتصادية جديدة الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي وعدد من كبار المسؤولين، وهو ما ردت عليه طهران بالقول إن العقوبات التي استهدفت خامنئي أغلقت مسار الدبلوماسية بين الطرفين، بعد أيام من إسقاط طهران طائرة تجسس مسيّرة أمريكية قالت إنها اخترقت مياهها الإقليمية، وإلغاء ترامب في اللحظات الأخيرة ضربة جوية كانت تستهدف مواقع عسكرية داخل إيران.

هل ينشب صراع أمريكي – إيراني في الشرق الأوسط؟

ويزيد احتجاز ناقلة النفط الإيرانية من احتمالية نشوب صراع عسكري في الشرق الأوسط بين طهران وواشنطن نتيجة التوترات التي شهدتها مياه الخليج العربي مؤخرًا، فقد تعرضت ناقلات النفط في الخليج خلال الشهرين الماضيين لهجومين منفصلين، قالت واشنطن إنها تملك دلائل تشير لتورط طهران أو شركاء لها بتنفيذهما.

وعقب إسقاط طائرة التجسس الأمريكية المسيّرة قبل أسبوعين، كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن وحدات الأمن الإلكتروني الأمريكية هاجمت حواسيب في منظومة التحكم بالصواريخ الإيرانية، مشيرًة إلى أن الهجمات "شّلت" منظومة الدفاع الصاروخية لإيران بتعطيل منصات الصواريخ أو إحداث أضرار فيها لا يمكن إصلاحها.

وعلى الرغم من أن ترامب لا يزال يحاول تفادي نشوب صراع عسكري مع طهران في الشرق الأوسط من خلال تغريداته المتكررة بخصوص دعوتها إلى الجلوس على طاولة المفاوضات، فإن إدارته بدأت تدرس العثور على مسوغ قانوني يسمح لها بتجاوز الحصول على موافقة مجلس النواب الأمريكي لتنفيذ عملية عسكرية ضد طهران، بدءًا من ربط طهران بتنظيم القاعدة وصولاً إلى تأكيده أن العملية لن تتضمن إقحام قوات برية أمريكية.

وكانت تقارير عبرية قد كشفت عن نشوب خلاف خليجي بين السعودية والإمارات مرتبط بطريقة الرد على طهران بعيد الهجمات التي استهدفت ناقلات النفط في الخليج العربي مؤخرًا، وأشارت التقارير إلى أنه في الوقت الذي تريد فيه الرياض إقدام واشنطن على توجيه ضربة عسكرية لطهران، فإن أبوظبي تطالب بمحاولة التوصل لحل سياسي ودبلوماسي للأزمة ما جعل واشنطن والدول الأوروبية تتفاجأ من موقف الدولتين الخليجيتين أبرز حلفاء ترامب في المنطقة.

الأزمة الإيرانية – الأمريكية إلى أين؟

تشير تداعيات الأزمة الإيرانية – الأمريكية، وآخر محاولات الاتحاد الأوروبي الضغط على طهران من بوابة العقوبات الأوروبية المفروضة على النظام السوري، لردعها عن المضي بتنفيذ تهديدها المرتبط بزيادة معدل تخصيب اليورانيوم، إلى زيادة  محتملة في عزلة طهران دوليًا.

إذ إنه في حال نشوب صراع عسكري بين طهران وواشنطن فإن الصراع سيمتد ليشمل كامل الخارطة السياسية للشرق الأوسط في سوريا ولبنان وإسرائيل والسعودية واليمن، إضافة لمياه الخليج العربي وخليج عُمان، ويرى مراقبون أن قوس الصراع يمتد من المياه قبالة سواحل قبرص إلى خليج عُمان وصولًا لمدينة أبها السعودية، ضمن خط يمتد على مسافة ثلاثة آلاف ميل.

خريطة لتوزع القوى الحالية في محيط الخليج العربي (معهد ستارفور)

لكن طهران لا تزال تراهن على عدم إمكانية نشوب صراع عسكري مع واشنطن، بعدما أوقف ترامب ضربة عسكرية كانت موجهة ضدها ردًا على إسقاط الطائرة الأمريكية المسيّرة، وتأكيده على مضاعفة حزمة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، ما أعطى انطباعًا لدى الإيرانيين بأن ترامب يتجنب الرد العسكري عليهم.

ولعل ترامب في عدم رده عسكريًا على طهران يسعى لعدم توريط واشنطن في صراع عسكري جديد في الشرق الأوسط قبل أشهر من موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية العام المقبل، ما يشير بحسب تقارير أمريكية إلى أن طهران من المرجح أن تستمر بسياستها الحالية في منطقة الخليج العربي، واستئناف أنشطتها النووية.

ويصف الخبراء تهديد طهران بزيادة معدل تخصيب اليورانيوم بأنه "خطوة رمزية" أكثر من اعبتاره "خطوة ملموسة" لامتلاك سلاح نووي، إذ ترمي طهران من خلال هذه الخطوة أن تؤثر في المفاوضات التي عقدتها مع الدول التي لا تزال ملتزمة بالاتفاق النووي، وتطمح من وراء ذلك لتخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

اقرأ/ي أيضًا: لهذه الأسباب لن نشهد حربًا أمريكية – إيرانية في سوريا!

وفي هذا الخصوص اعتبر معهد ستراتفور الأمريكي أنه على الرغم من قرار طهران زيادة معدل تخصيب اليورانيوم، فإنها ستختار البقاء تحت معدل زيادة تخصيب اليورانيوم المتفق عليه مع الدول العظمى لترك المجال مفتوحًا أمامها للتفازض، لكنها في حال قررت العودة إلى مستويات التخصيب السابقة بنسبة 20 بالمائة فإن إدارة ترامب ستواجه ضغوطًا داخلية لتنفيذ ضربة عقابية ضد طهران قد تعقد من الوضع المتأزم في الشرق الأوسط.

يمثل احتجاز ناقلة النفط الإيرانية تحولًا حذرًا في العلاقات الأوروبية – الإيرانية يأتي في وقت حساس نتيجة تزايد التوترات بين طهران وواشنطن في الشرق الأوسط

ويضيف المعهد الأمريكي أنه على الرغم من احتمال حدوث ضربة عسكرية ضد طهران خلال الشهرين القادمين، فإن الدول (سلطنة عُمان، سويسرا، الكويت، واليابان) التي تلعب دور الوساطة بين طهران وواشنطن ستعمل على إنشاء قناة تواصل بين الطرفين لتجنب الصراع العسكري، على أن يبقى ذلك ضمن الحراك الدبلوماسي دون أن توافق طهران الجلوس على طاولة المفاوضات مع واشنطن خلال الشهرين القادمين على الأقل.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الأسد.. مصيرٌ تصنعه تحالفات روسيا