أثارت مقاطع الفيديو المسربة من ليبيا قبل أسابيع، استنكارًا عالميًا، بعدما تبين أن عبودية القرون الوسطى لم تنته بعد كما يُعتقد، بعد معاهدة الرق الدولية سنة 1926، حيث يُظهر التحقيق السري الذي بثته شبكة "سي إن إن" رجالًا أفارقة، من المهاجرين العالقين في ليبيا، يباعون بالمزاد العلني من قبل مليشيات ليبية، مقابل 400 دولار للشخص الواحد.
لا تزال العبودية مستمرة في العديد من بلدان العالم الحديث، وإن اتخذت أشكالًا مُختلفة أو بالأحرى مموهة
صدمت المشاهد الرأي العام العالمي، وبادرت المنظمات الحقوقية في التنديد والاستهجان. ومع ذلك، لا يُعد ذلك المشهد الوحيد من مشاهد العبودية في العالم الحديث، فما تزال العبودية موجودة ومستمرة، وإن بأشكال مُختلفة، أو بالأحرى مموهة.
1. موريتانيا.. الحراطون يستعبدون
موريتانيا واحدة من بلدان العالم الأكثر احتضانًا لظاهرة العبودية، إذ تقول منظمة "ووك فري"، في تقرير لها يقيس مؤشرات العبودية حول العالم، إنه "على الأقل ثمة %4 من سكان موريتانيا يرزحون تحت العبودية التقليدية، ومن %10 إلى %20 من الشعب الموريتاني معرضون للعبودية، أي حوالي 140 ألف موريتاني"، في حين يورد تقرير الإدارة الأمريكية لسنة 2016 بشأن موريتانيا، أن خبراء محليين ودوليين متفقون على أن العبودية الموروثة لا تزال متجذرة في الأرياف والمدن في هذه البلاد، موضحًا أنه "منذ أجيال تعاقبت وعائلات الأسياد تستغل ضحايا العبودية الموروثة للعمل في رعي البقر والخدمة المنزلية دون أجر".
اقرأ/ي أيضًا: أسواق نخاسة في ليبيا لبيع المهاجرين.. والثمن أقل من 400 دولار!
وتحضر العبودية بصورتها التقليدية القديمة في موريتانيا، إذ تتجذر التراتبية الطبقية في المجتمع الموريتاني، حيث تقبع فئة "الحراطين" على الهامش، وكثير منهم يتعرض للاستغلال والتملك من قبل الأعيان والفئات الأكثر حظوة وسط السكان.
2. الصين.. نمو اقتصادي وعبودية
لربما حققت الصين معجزة اقتصادية، بسبب النمو الاقتصادي المتسارع الذي تمضي فيه قُدمًا، خاصة وأنها تصنف في المركز الثاني عالميًا من حيث الناتج الداخلي الخام، غير أنها لا تزال تعرف ظواهر "التخلف الاجتماعي" مثل العبودية، فالصين تحتل أيضًا المرتبة الثانية دوليًا من حيث عدد الخاضعين للعبودية الحديثة، بنحو 3.4 مليون شخص، كما ينقل مُؤشر العبودية العالمي عن منظمة "ووك فري" الأسترالية.
وتتقنع العبودية في الصين بوجوه مختلفة، كتجنيد الأطفال في المعامل، وتهريب البشر، والاتجار بالنساء في أسواق الدعارة، بالإضافة إلى العمالة الجبرية والقوانين التعسفية التي تحرم العمال من حقوقهم، وذلك بسبب أن السلطات الصينية تغض الطرف عن الشركات وأصحاب الأعمال فيما يخص قوانين العمال وحقوقهم.
3. الهند.. استعباد الأطفال
تضم الهند أكبر أعداد المستعبدين في العالم، برقم يقدر بـ18.35 مليون شخص، حيث قاد الفقر المدقع المتفشي في هذا البلد، ملايين الأطفال إلى العمل في الحقول والمصانع وبيوت السكن بلا راتب، وإنما لتأمين الغذاء فقط، خاصة في مدينة بنغالور في جنوب الهند، ومعظم هؤلاء الأطفال يباعون حرفيًا من قبل أهلهم، وهو ما يجعل المنظمات الدولية توجه انتقادات لاذعة إلى السلطات الهندية بشكل متكرر.
وفي هذا السياق، تقول منظمة العمل الدولية، إن نحو %70 من عمال أفران الآجر (الطوب الأحمر) في جنوب آسيا، يعملون بصورة أقرب ما تكون إلى الاستعباد والسخرة، ونحو خمسهم دون السن القانونية للعمل، مضيفة أن هناك 12 مليون طفل على الأقل، دون سن 14 سنة، يعملون في الورشات والفلاحة والمعامل، حيث يجري استغلالهم في ظروف غير إنسانية.
4. كوريا الشمالية.. الاستبداد السياسي يورث العبودية
تحتل كوريا الشمالية المركز الأول في التصنيف العالمي لمؤشر العبودية من حيث نسبة عدد السكان، إذ تحتضن ما يصل إلى نسبة %4.37 فردًا مستعبدًا من إجمالي سكان البلاد، أي زهاء 1.1 مليون شخص، وتظهر العبودية في كوريا الشمالية على شكل عمالة قسرية واتجار بالنساء وانعدام الحريات والحقوق المدنية.
يُعتبر نظام الكفيل لإدارة العمالة الأجنبية في السعودية، نظامًا قانونيًا يجعل من العامل حرفيًا "عبدًا" لمالكه
يعود ذلك إلى سيطرة نظام كيم جونغ أون على مجريات الحياة السياسية والاجتماعية برمتها، من خلال القبضة الحديدية التي يحكم بها الرئيس الكوري الشمالي، الذي ينهج سياسة "الشعب في خدمة الحاكم"، ما يجعل فئة واسعة من سكان البلد تحت نير العبودية بشكل أو بآخر، في ظل حرمانهم من الحقوق والحريات الطبيعية.
اقرأ/ي أيضًا: السعودية تطبّق رسوم مرافقي العمالة الوافدة.. وجه جديد لجباية الإفلاس؟
5. السعودية.. نظام الكفيل
تعتمد المملكة العربية السعودية على نظام الكفيل لإدارة العمالة المهاجرة، وهو يُعد شكلًا من أشكال "العبودية الحديثة"، كما تصفه المنظمات الحقوقية الدولية، إذ يمنح هذا النظام قانونيًا، المواطنين والشركات الحق في التصرف بالمهاجر وتقرير مصيره، فبدون إذن الكفيل، لا يستطيع العامل تجديد أوراقه، أو تغيير وظيفته، أو الاستقالة منها، أو مغادرة البلاد، وفي حالة قرر ذلك دون إذن كفيله فإنه يتعرض للحبس لشهور أو سنوات قبل ترحيله قسريًا، ما يجعله "عبدًا" لمالكه.
وتُشكل العمالة المهاجرة نسبةً هائلة مقارنة بعدد السكان في السعودية، حيث يصل العدد إلى تسعة ملايين عامل وافد، وكثيرًا ما يتعرضون للاستغلال الاقتصادي والجسدي من قبل الجهات التي تكفلهم، من خلال إجبارهم على العمل قسريًا والانصياع لأوامر الكفيل، الذي يقوم عادة من البداية بمصادرة جواز سفر مكفوله كورقة للترهيب.
6. الإمارات.. تجارة الجنس واستعباد العمال
تعرف منظمة "ووك فري" العبودية الحديثة بأنها "الخضوع للاستغلال من طرف شخص أو جهة معينة الاتجار بالبشر في ظروف تقل أو تنعدم فيها الحرية الفردية، ويشمل ذلك العمل بالسخرة، وعبودية الدين، والزواج القسري، أو الاستغلال الجنسي التجاري"، ووفق هذا الوصف فإن تجارة الجنس تدخل ضمن أشكال العبودية الحديثة.
دبي، واحدة من أكثر مناطق العالم استقطابا لمتلهفي الجنس، حيث تعج المدينة الصاخبة بأماكن الدعارة بمختلف أشكالها، هذا ما حوّلها إلى مركز عالمي لتجارة الجسد، تجذب إليها مافيا الجنس التي تتاجر في آلاف النساء من كل أنحاء العالم وتدير فنادق الدعارة خلف الستائر، وهو ما يدخل في جرائم الاتجار بالبشر. ولم يكن مسؤولوها بعيدين عن التورط في تجارة الجنس والدعارة، كما كشفت تسريبات البريد الإلكتروني للسفير الإماراتي بواشنطن، يوسف العتيبة.
تزدهر تجارة الجنس وأسواق الدعارة في الإمارات تحت أعين سلطاتها، بل إن بعض مسؤوليها متورطون فيها بشكل مباشر مثل يوسف العتيبة
وبالإضافة إلى ازدهار أسواق الدعارة على عين السلطات الإماراتية، تشتهر الإمارات أيضًا بانتهاكاتها ضد العمالة الأجنبية، لدرجة تصل إلى ممارسات تُعرف ضمن العبودية الحديثة.
اقرأ/ي أيضًا:
العبودية الحديثة.. تجدد الدماء في عروق أسواق النخاسة الإماراتية