في الذكرى السابعة لثورة 25 يناير المصرية، أعلنت منظمة العفو الدولية، عن فوز مركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب في مصر، بجائزة حقوق الإنسان في نسختها التاسعة.
فاز مركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب في مصر، بجائزة منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان في نسختها التاسعة
وفي بيانها الذي أعلنت فيه فوز مركز النديم، أكّدت العفو الدولي على اتخاذها موقفًا حاسمًا بشأن ممارسات التعذيب في مصر، بمنحها مركز النديم جائزة حقوق الإنسان لعام 2018، والتي من المفترض تسليمها رسميًا في 16 نيسان/أبريل القادم، بالعاصمة الألمانية برلين.
العفو الدولية تثني على عمل مركز النديم
مركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب، هو منظمة مجتمع مدني، تأسست بمصر، في آب/أغسطس 1993 بهدف مناهضة العنف والتعذيب وإعادة تأهيل الضحايا نفسيًا.
اقرأ/ي أيضًا: "أشياء لا تصدق".. تقارير جديدة تفضح جرائم التعذيب لدى أجهزة الأمن المصرية
وقد أثنت منظمة العفو الدولية على عمل النديم في ظل الظروف الأمنية التي وصفتها بـ"الخطيرة". وقالت المنظمة في بيانها، إن مركز النديم عمل على مدار عشرين عامًا على توثيق ممارسات التعذيب التي ترتكبها سلطات الأمن المصرية، وعلاج وتأهيل الناجين من هذه الممارسات في عيادة المركز، والتي تعد الوحيدة من نوعها في مصر.
وأشار البيان كذلك إلى محاولات السلطات المصرية عرقلة عمل المركز بداية من عام 2016، وحتى قيامها بغلق عيادة المركز في شباط/فبراير 2017، كما أثنت العفو الدولية على دور العاملين بمركز النديم في ظل التضييقات الأمنية، من أجل تقديم الدعم النفسي وإعادة تأهيل الضحايا، وتسليط الضوء على الانتهاكات الأمنية والتعذيب الممنهج وعنف الدولة.
وصرّح ماركس بيكو، السكرتير العام لمنظمة العفو الدولية بألمانيا: "بعد مرور سبع سنوات على الثورة المصرية، إلا إن وضع حقوق الإنسان في مصر في ظل حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، أسوأ مما قبل، في ظل ممارسات قمعية ممنهجة للمعارضين".
وأشار ماركس بيكو إلى "تورط أجهزة الأمن المصرية بشكل مباشر في ارتكاب جرائم فاضحة كالتعذيب والإخفاء القسري والقتل خارج إطار القانون"، كما لفت إلى التنكيل المتصاعد من قبل السلطات لنشطاء حقوق الإنسان في مصر، ملمحًا إلى قانون الجمعيات الأهلية الصادر مُؤخرًا، والذي قال إنّه يقوّض من عمل منظمات المجتمع المدني، ويضعها تحت أعين وسلطة الجهات الأمنية.
وسبق لمركز النديم الفوز بعدة جوائز في مجال حقوق الإنسان، ففي عام 2004 حصلت عايدة سيف الدولة، إحدى الطبيبات المؤسسات للمركز، على جائزة "هيومن رايتس ووتش"، ونالت ماجدة عدلي وسوزان فيّاض، المشاركات في تأسيس المركز أيضًا، على جائزة "جينيتا ساغان" لحقوق النساء والأطفال، الممنوحة من منظمة العفو الدولية.
وفي 2016 رُشّح مركز النديم للحصول على جائزة التيوليب لحقوق الإنسان. وفي 2010 ووصلت عايدة سيف الدولة إلى المركز الثاني في القائمة النهائية للمرشحين الأربعة لمنصب المقرر الخاص للأمم المتحدة بشأن مناهضة التعذيب، من بين أكثر من 300 مرشح، وكانت تلك المرة الأولى التي يصل فيها مرشح من مصر إلى المرحلة الأخيرة، لشغل هذا المنصب منذ إنشاء مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة.
تصاعد العنف والتعذيب منذ الثورة وإلى الآن
وبعد فوز المركز بجائزة العفو الدولية، أجرى "ألترا صوت" مقابلة مع منى حامد، إحدى الطبيبات المؤسسات لمركز النديم، والتي أكّدت أنه رغم التضييقات الأمنية المتصاعدة، إلا أنّ مركز النديم مواظبٌ على إصدار التقارير الشهرية والسنوية عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر.
وأشارت حامد إلى عيادة مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، والتي تعتبر الأولى والوحيدة من نوعها في مصر، مُؤكدة أن العيادة تمارس عملها دون مقابل.
وكانت من بين الأدوار التي عملت عليها المركز على مدار سنوات، تقديم الدعم القانوني لضحايا التعذيب، إلا أنّ ذلك الدور توقف منذ خمس سنوات تقريبًا "بسبب الظروف الأمنية بالبلاد"، كما أوضحت منى حامد.
"ما هي أكثر الفترات التي تعرض فيها المركز للتضييق الأمني؟"، أجابت حامد بأن ذلك كان في عام 2016: "كان الأكثر تضييقًا من حيث الممارسات الأمنية، ففي بداية العام حاول الأمن غلق العيادة وتشميع المركز". وتروي منى حامد الحادثة كما شاهدتها: "في المرة الأولى بشباط/فبراير 2016، زار المركز فرد أمن من قسم شرطة الأزبكية، وفرد أمن آخر تابع لقوة الحي، محاولين غلق العيادة، ووجهوا حديثهم للموجودين بالمركز بأن يخرجوا من أجل غلق المكان، وذلك دون سند قانوني".
تكمل منى حامد: "المرة الثانية للهجوم الأمني على المركز، كانت في شباط/فبراير 2017، وكان ذلك اليوم أجازة رسمية بالمكان، عندما أتت قوة أمنية بعدد كبير تابعة لقسم الأزبكية وشخص تابع للحي وآخر تابع لوزارة الصحة، وقاموا بغلق العيادة وتشميعها بالشمع الأحمر".
رغم ذلك يستمر مركز النديم في كافة أنشطته، بما فيها تأهيل ضحايا العنف والتعذيب، وإن كان ذلك يحدث في أماكن مختلفة خارج العياد المغلقة أمنيًا. وتوضح منى حامد أنّ مركز النديم يقاضي الآن وزارة الصحة، منذ شباط/فبراير 2016، كون قرار غلق عيادة التأهيل صادر من وزارة الصحة.
طلبنا من منى حامد رسم خريطة تخيلية لممارسات العنف والتعذيب من قبل السلطات المصرية منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن، فقالت: "الرسم سيأخذ منحى تصاعدي، فلم يشهد مستوى ممارسات العنف والتعذيب انخفاضًا، وإنما تصاعد مُستمر. ورغم التضييق على النشر الصحفي والإعلامي، إلا أن الأخبار التي تُسرّب والشهادات التي تصلنا أكثر مما قبل".
يحاول مركز النديم الاستمرار في كافة أنشطته رغم التضييق الأمني عليه والذي وصل في 2016 إلى غلق مركزه لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب
وبخصوص منهجية رصد وتوثيق حالات الضحايا، توضح منى حامد: "اعتمدنا في التقارير الرصدية على الشهادات والزيارات الميدانية، والحالات التي نتعامل معها بشكل مباشر، وذلك حتى عام 2012. بعد ذلك ومع زيادة التضييق الأمني، أصبح من الصعب توثيق كل الشهادات والترتيب لزيارات ميدانية بشكل مستمر، خاصة في ظل تضييقات السلطات على المركز، فأصبح التوثيق من خلال الشهادات التي تصلنا، والأخبار التي تُنشر في الصحافة والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك المحامين الذين يعملون على تلك القضايا، بالإضافة إلى التعاون مع المراكز الحقوقية الأخرى، وكذلك شهادات أصدقاء مركز النديم في مختلف أنحاس الجمهورية". وقد تسبب ذلك إلى عدم وجود إحصاءات محددة على مدار السنوات الأخيرة، وإنما هي مجرد مؤشرات عامة.
اقرأ/ي أيضًا: من لفافات البانجو إلى الإستروكس.. كيف يُقتل الشباب بالتعذيب في مصر؟!
ثم تحدثت منى حامد عن الضغط الذي يواجهه المركز في أغلب الفترات، من حيث طلبات الأشخاص الذين تعرضوا لأحداث عنف أو تعذيب من أجل إعادة تأهيلهم نفسيًا، فتوضح أن "النديم مركز صغير في العاصمة، لا يمكن أن يرى الجميع، كما أن عدد الأطباء قليل فيما الطلب الكبير. وكل من يعمل بهذا المجال هو شخص له هدف بالأساس لكي يعمل في هذه الظروف الصعبة، ويعرّض نفسه للمخاطر الأمنية وأزمات العمل الشاقة والقاسية والمؤذية نفسيًا".
"نعترف أننا لا يمكن أن نغطي جميع طلبات الضحايا، ونعترف أيضًا بوجود تقصير في تغطية ظروف المساجين الجنائيين"، تقول منى حامد، مُضيفةً: "هناك طرق قانونية لمقاضاة الدولة، خاصة أن مصر صدّقت على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، فيمكن مقاضاة الدولة أمام محكمة العدل الدولية، ولكن هناك شروط قانونية عدة، وحبال طويلة لمثل تلك القضايا".
اختتمت منى حامد حديثها لـ"ألترا صوت" بقولها: "أؤمن بالناس، وبتحركهم بوعي في وقت من الأوقات".
انتقام الداخلية المصرية
استقبل مركز النديم بريدًا إلكترونيًا من منظمة العفو الدولية يفيد ترشحه للفوز بجائزة العفو الدولية لحقوق الإنسان لعام 2018، ثم بعد فترة أرسلت المنظمة الدولية بريدًا آخر بأن المركز هو الفائز بالجائزة، تقديرًا للعمل على ملف العنف والتعذيب وإلقاء الضوء على ممارسات السلطات المصرية القمعية في ظل التهديدات والتنكيلات الأمنية التي يتعرض لها المجتمع الحقوقي في مصر.
وسيواجه مركز النديم مشكلة في استلام الجائزة من برلين في نيسان/أبريل القادم، إذ إن عددًا من أطباء المركز على قوائم الممنوعين من السفر، مثل عايدة سيف الدولة وسوزان فياض، وذلك على ذمة القضية 173 لسنة 2011، والمعروفة إعلاميًا باسم "قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني".
وفي 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2016، تفاجأت عايدة سيف الدولة بمنعها من السفر من مطار القاهرة، وتكرر الأمر مع سوزان فياض في 18 تشرين الأول/أكتوبر 2017. ولذلك من المحتمل أن يتسلم الجائزة عن المركز، طاهر مختار، أحد الأطباء المتعاونين مع مركز النديم، والذي عمل لفترة على ملف الإهمال الطبي في السجون المصرية، وتعرض للاعتقال بسبب نشاطه السياسي، وبعد خروجه من المعتقل، غادر البلاد.
أجرى "ألترا صوت" مقابلة مع عايدة سيف الدولة من مركز النديم، والتي تحدثت عن التضييقات الأمنية التي يواجهها المركز، فتقول: "من المؤسف أن الأمن أصبح يمتلك طرقًا أكثر مكرًا لغلق المؤسسات، أو التضييق الأمني عليها، فلم يعد هناك القرارات الأمنية بالغلق المباشر وإنما الدخول لكل مؤسسة من خلال ثغرات قانونية والتضييق على العاملين بها كمنعهم من السفر أو تجميد الأصول وغيرها من الممارسات".
مثال ذلك ما حدث مع النديم: "قرار الإغلاق صادر من وزارة الصحة بتوجيه أمني، بناءً على إصدار الأرشيف الإعلامي الذي ارتأى فيه الأمن، أن النديم يدافع عن الإرهابيين!". تطرح سيف الدول سؤالًا بخصوص هذه الحالة: "من المخول بالحكم على هؤلاء الضحايا بأنهم إرهابيين؟ وإن كانوا إرهابيين، أليس لهم الحق في محاكمة عادلة، وحمايتهم من التعذيب؟".
وفي شباط/فبراير 2016، تقدمت سيف الدولة بتيلغراف رسمي لوزير الصحة، تطالبه فيه بسحب القرار الخاص بغلق عيادة النديم، حيث إنه لم يتم إجراء أي تفتيش بشكل رسمي للعيادة، كما لم يتم إخطار المركز بأية مخالفات في تاريخ سابق لتاريخ قرار الغلق، ومنحهم على إثر ذلك مهلة لتعديل أوضاعهم كما يقتضي القانون. ولم يتم إبلاغ المركز بقرار الغلق الإداري لمنحهم فرصة لاتخاذ إجراءات الطعن القانونية على القرار.
المتهم الأول بممارسات التعذيب في مصر، هي وزارة الداخلية المصرية، والتي تقول عنها سيف الدولة: "الداخلية المصرية لم تتغير سوى في السنة الأولى من الثورة، وبدايات عام 2012. وفي تلك الفترة عوضت القوات المسلحة نقص تجاوزات الداخلية، فتلقينا شهادات من السجون الحربية عن عمليات تعذيب تمت خلال أحداث الثورة داخل المتحف المصري ومجلس الشوري، ثم عادت الداخلية مرة أخرى إلى نفس الممارسات بشكل تصاعدي مستمر، وتحديدًا بعد 30 حزيران/يونيو 2013".
تقول عايدة سيف الدولة، إنه من بعد ذلك التاريخ الذي أعقبه عزل الجيش المصري للرئيس محمد مرسي في الثالث من تموز/يوليو، " شهدت ممارسات الداخلية انتقامًا واضحًا مما حدث في 2011، وتم توثيق ذلك في شهادات الضحايا من خلال اللغة والحوار الذي يدور في التحقيقات".
قبل 2013 كان المناخ العام "أكثر براحًا"، كما تقول سيف الدولة، التي تُؤكد على أنّ التضييق المستمر على المناخ العام ككل وعلى منظمات المجتمع المدني بشكل خاص، "أثّر بالسلب على عمل مركز النديم"، موضحةً أن "منهجية الرصد والتوثيق تغيرت لدينا، كما لم نعد ننشر بعض الشهادات وقصص الضحايا حتى الذين يطلبون منّا أن ننشرها، إذ إنّ سلامة الضحايا تأتي في المقام الأول لدينا، فمن المحتمل أن يتم التعرف على صاحب الشهادة من خلال التفاصيل التي يرويها، حتى إذا حجبنا مكان الاحتجاز".
المتهم الأول بالتعذيب في مصر هي وزارة الداخلية، والتي تقول عايدة سيف الدولة إن ممارستها باتت "انتقامية" منذ 30 حزيران/يونيو 2013
تغيرت خطة المركز منذ 2013 نظرًا لتغير المناخ العام، وأصبح عدد من الناس يخشون من النديم ويخشون زيارته، والكثيرون يعتقدون أن المركز لا يعمل بعد قرار غلق العيادة، و"هذا غير صحيح"، وفقًا لعايدة سيف الدولة.
اقرأ/ي أيضًا: