31-أغسطس-2017

مشهد من بيلماون (مؤسسة أهلا للتنمية والتعليم والتضامن)

يحظى عيد الأضحى في المغرب، بقدسية اجتماعية بالغة الأهمية سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي، ولا يستغني الكثيرون عن شراء "كبش العيد" مهما غلا سعره حتى لو اقتضى الأمر بيع أثاث المنزل أو الاقتراض، وهي أهمية تبرزها مجموعة من الطقوس الشعبية المتوارثة، التي تعكس جوانب تاريخية ثقافية في حياة المجتمع المغربي.

بيلماون هو طقس شعبي شهير في المغرب، يتقنع فيه الشبان بجلود الأضاحي المذبوحة ويلفون بها أجسامهم محاولين إخافة الناس

بيلماون، أحد أشهر هذه الطقوس، التي أفرد لها عدد من الباحثين الأنثروبولوجيين دراسات تفكك جوانبها وتستشف دلالاتها وأبعادها.

اقرأ/ي أيضًا: عيد الأضحى بالمغرب..الأضاحي بالتقسيط

بيلماون.. هالوين المغرب

في مشهد يشبه كرنفال "الهالوين" بأوروبا، الذي يتنكر فيه المحتفلون بأزياء مثيرة ومخيفة، يتقنع الشبان بالمغرب في طقس "بيلماون" خلال عيد الأضحى بجلود الأضاحي المذبوحة، ويلفون بها أجسامهم وهم يرتدون قرونًا على رؤوسهم ويعلقون أطراف الأضحية على أكتافهم، ثم يبدؤون بالتجول بين أزقة الأحياء محاولين إثارة الناس وتخويفهم، محاطين بحشود الأطفال والفضوليين يتبعونهم، على إيقاع الطبول والرقص.

ويقوم موكب الشبان ذاك أثناء تجولهم بطرق أبواب المنازل، من أجل الحصول على بعض النقود أو اللحم أو أشياء ذات قيمة "كهدية العيد"، كما قد يعمد بعضهم إلى التحرش بالنساء وممارسة الفوضى وتعنيف المارة في الطريق، كجزء فولكلوري من الكرنفال الاحتفالي.

هكذا يجري طقس بيلماون خلال احتفالية عيد الأضحى في مناطق من المغرب، ويسمى أيضًا "بوجلود" نسبة إلى جلود الأضحية التي يرتديها المحتفلون، ويطلق عليه سكان الشمال اسم "بولبطاين". وعلى الرغم من التحولات العصرية التي مست حياة قسم واسع من المجتمع المغربي، إلا أنها لم تنجح في اجتثاث هذا الطقس القديم، حيث لا يزال يمارس إلى اليوم ببعض المناطق القروية والحضرية، خاصة في الجنوب.

إلا أن حضور "بيلماون" تقلص بشكل كبير، مقارنة مع ما كان عليه الأمر قبل عقود، حين كانت جل قرى ومدن المغرب، تشهد احتفالية هذا الكرنفال كظاهرة بارزة خلال عيد الأضحى، مما جعل العديد من الباحثين في الثقافة المغربية ينكبون على دراسة هذا الطقس بشكل مستفيض، إذ يوفر مادة خصبة لفهم طبيعة البنى الثقافية والاجتماعية، التي كانت تتحكم في المجتمع المغربي قديمًا.

اقرأ/ي أيضًا: جدل في المغرب بعد دعوات لمقاطعة شعيرة الأضاحي

بيلماون كطقس للفرجة

يعد الأنثروبولوجي المغربي والمحاضر في الجامعات الأمريكية، عبدالله حمودي، أبرز من تناولوا ظاهرة "بيلماون"، حيث خصص له كتابًا بحثيًا سنة 1986، بعنوان "الضحية وأقنعتها.. بحث في الذبيحة والمسخرة بالمغرب"، لاحق فيه ميدانيًا جزئيات الاحتفالية بشكل دقيق، وقدم مقاربات تأويلية لفهم أبعادها الاجتماعية والثقافية.

يقول عبد الله حمودي: إن "كل من عيد الأضحى وعاشوراء كانا يؤرخان للزمن قديمًا: الأول يختم السنة المنقضية، والأخر يفتتح السنة المستهلة، وكلاهما يشهدان احتفاليات يهيمن عليها اللعب والمضاحك والضوضاء، مغلفة بطقوس دينية، تختلف حسب المجتمعات"، وفي هذا الإطار يُقحم طقس "بيلماون"، كتقليد شعبي لا يكف فاعلوه عن خرق القواعد نفسها التي يقوم عليها العيد الإسلامي.

يرجع بيلماون، بحسب دراسة عبدالله حمودي، إلى عصور قديمة، عرفه السكان الأمازيغ قبل مجيء الإسلام، كطقس وثني يرتبط بالقرابين، التي كانت المجتمعات القديمة تضحي بها من أجل خصوبة الأرض والنسل، ولما جاء القربان الإبراهيمي (عيد الأضحى)، اندمج الطقسان معًا، وباتا يشكلان احتفالية واحدة بمرجعيات مختلفة ومتناقضة.

يرجع بيلماون إلى عصور قديمة، عرفه السكان الأمازيغ قبل مجيء الإسلام، كطقس وثني يرتبط بالقرابين التي يضحى بها من أجل الخصوبة

وفسّر عبدالله حمودي استمرار تشابك احتفالية بيلماون مع عيد الأضحى الإسلامي على مدى قرون، بالرغم من تناقضهما حيث يَجتمع المقدس مع المدنس، بكون الناس في حاجة إلى الفرجة الشعبوية، ليس فقط كآلية لتماسك اللحمة الجماعية، وإنما أيضًا كوظيفة للتنفيس وإشباع الغريزة البصرية، التي لا يمكن إرواؤها إلا في إطار أشكال من الفرجة والتمسرح الشعبي، في غياب آنذاك لوسائل الإعلام والأنترنت التي نعرفها اليوم.

وهو ما ذهب إليه أيضًا الباحث أحمد أوبلوش، الذي استدعى مفهوم "السمولاكر" عند جون بودريار، من أجل تفسير ظاهرة بيلماون، كطريقة لتمويه صورة الجسد الحقيقية من خلال التنكر، وبالتالي الخروج من سجن القوالب الشكلية التي ينتظرها الناس من الشخص، مما يسمح بالتحرك بحرية في الفضاء العام ولعب أدوار متعددة ومختلفة، دون الخوف من الرفض الاجتماعي.

في الأخير يكون "بيلماون" إذن أكثر من مجرد طقس احتفالي فولكلوري، بل يختزن داخله إرثًا تاريخيًا لساكنة المغرب القديم، ويعبر عن حاجات مجتمعية للفرجة وتنفيس الجسد، أما اليوم لم يعد يمارس إلا من باب الحفاظ على الفولكلور في ظل عصر التحديث.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قبل عيد الأضحى.. الكبش الأقرن مطمح الجزائريين

6 أفلام بين الكوميدي والأكشن تتنافس في عيد الأضحى