23-فبراير-2019

انتفض الشارع الجزائري ضد عهدة خامسة لبوتفليقة (أ.ف.ب)

ألترا صوت - فريق التحرير

منذ أن منحت الحكومة الجزائرية تراخيص للراغبين في الاستثمار في الإعلام وإنشاء قنوات تلفزيونية، في 2011؛ ظهرت عشرات القنوات التلفزيونية إخبارية وترفيهية، بعضها محدود الانتشار وبعضها واسعه، مع حظّ وفير من الإشهار، الذّي يأتيها من المؤسّسات الحكومية، فباتت في صدارة القنوات المهيمنة على اهتمام الجزائريين، وأشهرها قنوات "النّهار" والشّروق" و"الجزائرية" و"البلاد".

مارست معظم وسائل الإعلام الجزائرية تعتيمًا إعلاميًا على الحراك الشعبي الذي اشتعلت فتيلته أمس رافضًا لولاية خامسة لبوتفليقة

وسُمح لهذه القنوات بهامش كبير من الحرّية في تناول الهواجس الاجتماعيّة والثقافيّة والرّياضيّة والسّياسيّة، حتّى أنّها باتت مؤثّرة في توجيه الرّأي العامّ الجزائريّ وفي قرارات المسؤولين المحلّيين، في مقابل تحفّظ لافت في ما يخصّ شؤون مؤسّسة الرّئاسة. 

اقرأ/ي أيضًا: فشل المعارضة في تحديد مرشّح توافقي يحرك الشارع الجزائري

"كأنّها لعبة متّفق عليها بين الطّرفين. بمعنى كن صريحًا في الجوانب الشّعبية حتّى يتمّ تصديقك حين تتحدّث عن الرّئاسة بإيجابية"، يقول الجامعي أبو بكر حرّيد لـ"ألترا صوت"، مضيفًا: "كان لا بدّ للحكومة من هذا الإجراء في ظلّ ترهّل الإعلام الحكومي وتراجع ثقة الجزائريين فيه".

غير أنّ التّعتيم الذّي مارسته معظم هذه القنوات المستقلّة على المسيرات الاحتجاجية ضد ولاية خامسة للرّئيس عبد العزيز بوتفليقة، أمس الجمعة، إذ استمرّت في بثّ برامجها العادية رغم اكتساح المسيرات للولايات الـ48 وبعضها كان بالقرب من مكاتبها؛ وضع الجزائريين أمام سؤال كبير: أين القنوات المستقلّة؟ وما معنى استقلاليتها إذا غابت في يوم مفصلي من حياة الجزائريين مثل هذا؟

يقول النّاشط ماسينيسا قبايلي لـ"ألترا صوت" إنّ سلوك هذه القنوات "جعلها تظهر متواطئة مع النّظام في يوم كان الشّعب فيه يحتاجها إلى جانبه"، متسائلًا: "بأي حق تستمر هذه القنوات في تقديم نفسها على أنها حرة، بعد أن غابت عن مرافقة الشعب في حراكه؟!".

ردود الفعل على السوشيال ميديا

ولطالما تغذّت هذه القنوات على مواقع التّواصل الاجتماعيّ، خاصّة فيسبوك، إذ استقطبت مشاهيره إمّا لتقديم حصص فيها، وإمّا ليكونوا ضيوفًا، بحثًا منها عن شعبيّة أكبر، غير أنّ هذه المواقع تحوّلت إلى عبئ عليها، بفعل تقاعسها عن التّفاعل مع المسيرات الاحتجاجيّة، الجمعة، إذ باتت في مهبّ قصف روّادها.

كتبت الإعلامية ليلى بوزيدي في تدوينة لها على فيسبوك: "تجاهل مسيرات الشّعب من طرف القنوات المحلّيّة خاصّة وعامّة خطأ فادح. سيناريو العشرية السّوداء يعيد نفسه. قنوات أجنبيّة ساهمت في نشر الفتنة وزعزعة استقرار الجزائر حينها وجدت اليوم السّاحة فارغة لتعالج الحراك الشّعبيّ بطريقتها الخاصّة. التّعتيم ليس حلّا".

وفي السّياق كتب أحد أشهر مقدّمي البرامج السّياسيّة في قناة "الشروق"، وهو قادة بن عمّار: "الشارع قال كلمته. قالها بوعي وبوطنيّة وسلميّة. فهل سيكون صاحب القرار على مستوى هذا الوعي؟".

وكتبت زميلته جهيدة رمضاني: "حزينة بقدر ما أنا سعيدة. حزينة جدًّا على نفسي كصحفية وعلى الإعلام في بلدي، وسعيدة بأولاد بلادي وبنات بلادي وبكلّ جزائريّ حرّ عبّر عن رأيه من فضلكم لأنّنا نتقن الصّمت لا تحمّلونا وزر النّوايا".

هنا ردّ الإعلامي مصطفى لكصاصي على ما أسماه تناقض الموقف: "في جميع دول العالم ميثاق للأخلاقيات، و قواعدٌ للممارسات. من واجب الصّحفي أن يحترم الخطّ الافتتاحي، ومن حقّه أن يُطالب بالموضوعية و المصداقية، وإن لم تتحقّق من واجبهِ أن يستقيل".

وأضاف: "في الحقيقة أنتم بلا خطّ، أحيانًا إخوان، وتارة علمان، لا تساندون ولا توافقون، ولا تمارسون المهنة إلاّ حسب مقتضيات الرّصيد البنكي. ملايير للمالك والمنتجيين، ودنانير للصّحفيين".

وكتب النّاشط فريد حمينة: "قناة النّهار بثّت لقطات عن المظاهرات التّي جرت نهار أمس عبر مختلف أنحاء الوطن وعلّقت بكونها مظاهرات سلمية تطالب بالتغيير السياسي، ولم تجرؤ على أن تقول إنها قالت لا للعهدة الخامسة. وهذا ليس غريبًا عن القناة، أليس ولي نعمتها السّعيد بوتفليقة؟".

أثار  التعتيم الإعلامي غضب الشارع الجزائري الذي انعكس على تدوينات عبر السوشيال ميديا تدين "النفاق" و"تناقش المواقف"

يبدو أنّ مسيرات الجزائريين بروحها الجديدة والمختلفة، سوف لن تؤدّي إلى تغيير الخارطة السّياسيّة فقط، بل ربما قد تؤدّي إلى تغيير الخارطة الإعلامية أيضًا، في ظلّ تماشي قطاع واسع من المنابر الإعلاميّة مع الأجندة السّياسيّة نفسها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا فشل بوتفليقة في تحديث الجزائر؟

الإعلام الجزائري.. مقبرة المواهب