يعاني شمال سوريا، من أزمة إنسانية كبيرة، نتيجة الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، وتفاقم تأثير الزلزال على شمال سوريا، نتيجة الوضع السابق الذي تعاني منه المنطقة أساسًا، وخلف الزلزال فيها 2166 وفاة وأكثر من 2950 مصابًا، في حصيلة غير نهائية. وتنقل صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، هذه المعاناة، من خلال تتبعها "مستشفى الكهف"، في مدينة الأتارب غرب مدينة حلب.
غادر الطبيب عبد المجيد، حلب إلى مدينة الأتارب، حيث عمل في مستشفى محفور تحت الأرض، لحمايته من قصف نظام الأسد وروسيا
يأتي ذلك في الوقت الذي تستمر فيه المعاناة شمال سوريا، حيث تغييب التجهيزات الطبية اللازمة، والمساعدات الصحية الكافية من أجل إنقاذ الجرحى نتيجة الزلزال، واستمرار عمليات رفع الأنقاض.
وتنقل الصحيفة الأمريكية عن الطبيب نهاد عبد المجيد، العامل في مشفى الأتارب، "اعتقاده أنه شهد أسوأ معاناة إنسانية في حياته المهنية كجراح في سوريا، في عام 2016، وذلك عندما نجا من حصار مدينة حلب الذي خلف آلاف القتلى والجرحى"، وذلك في خضم قمع نظام بشار الأسد للثورة السورية.
غادر الطبيب عبد المجيد، حلب إلى مدينة الأتارب، حيث عمل في مستشفى محفور تحت الأرض، لحمايته من قصف نظام الأسد وروسيا. وقال الطبيب عبد المجيد، خلال مقابلة هاتفية مع الصحيفة الأمريكية من داخل غرفة العمليات، إنه "لطالما كان مستشفانا مليئًا بالمأساة"، لكن ما حصل نتيجة الزلزال كان عدوًا مختلفًا تمامًا، وجاء على نطاق لم يشهده الطبيب عبد المجيد من قبل.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، وصل المئات من ضحايا زلزال يوم الإثنين، إلى المستشفى من منطقة الأتارب، وكان الكثير منهم قد لقوا حتفهم بالفعل عندما وصلوا إلى المستشفى. ويقول الموظفون إنهم قاموا بإحصاء 148 جثة في المستشفى منذ يوم الإثنين (نُشر التقارير في 10 شباط/ فبراير).
وحول الوضع في المكان، كما تنقله "نيويورك تايمز"، عن الطبيب عبد المجيد وهو أحد الأطباء الأربعة في المستشفى المعروف باسم الكهف، "منذ يوم الإثنين، لم تتوقف الجثث عن القدوم".
وقال الطبيب مرهف عساف أحد الأطباء الذين عملوا سابقًا في المستشفى ويقيم الآن في ويلز، وهو على اتصال مستمر بالمستشفى: "يحفر الناس بين الأنقاض بأظافرهم للوصول إلى أصوات الصراخ على الجانب الآخر".
وبالعودة إلى الطبيب عبد المجيد، فقد وصف الحال في الشمال السوري، بقوله: "لقد بكينا على الأطفال الذين عاشوا خلال هذه الحرب وماتوا الآن بدون سبب".
أمّا الطبيب أسامة سلوم، والذي يعمل في المستشفى ويعيش في إدلب، فقد قال لـ"نيويورك تايمز": "ظللنا نبحث عن طائرات نفاثة، كان عقلي يمارس الحيل عليّ، وأخبرني أنها كانت حربًا مرةً أخرى".
ينقل الطبيب سلوم تجربته خلال الزلزال، متذكرًا عملية إنعاش قلبي لطفلة (6 أعوام) خلال الزلزال، فارقت الحياة بين يديه، وقال: "رأيت الحياة تفارق وجهها"، الطبيب الذي كان جراحًا خلال حصار حلب، أضاف: "كل الصور المؤلمة من عملي أثناء الحرب عادت إليّ، شعرت وكأنني كنت أستيقظ في كابوس متكرر".
والمستشفى الذي يعرف محليًا باسم مستشفى الكهف، تم العمل على تأسيسه في عام 2017 من قبل الجمعية الطبية السورية الأمريكية (SAMS)، وهي مجموعة إنسانية تدعم 39 منشأةً طبية في سوريا. ويقع المستشفى بالقرب من الطريق الرئيسي الذي يربط حلب بمدينة إدلب، وقد تم حفره في أعماق الأرض لتجنب القصف الروتيني وقصف المشافي من قبل القوات الروسية والنظام السوري.
كل ذلك، لم يتمكن من حماية المستشفى الذي تعرض لقصف مدفعي مدمر في آذار/ مارس 2021، أسفر عن مقتل سبعة مرضى وإصابة 15، من بينهم خمسة من أفراد الطاقم الطبي، وفقًا لتقرير مشترك صادر عن الجمعية الطبية السورية الأمريكية ومنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان.
وتقول نيويورك تايمز: "كان الهجوم رمزًا لواحد من أكثر التكتيكات وحشية التي استخدمها النظام السوري"، منذ بداية الثورة السورية، حيث وثق أطباء من أجل حقوق الإنسان 601 هجومًا على 400 منشأة رعاية صحية منذ بداية قمع نظام الأسد الثورة في سوريا.
وقال الطبيب عساف، الذي غادر سوريا في حزيران/ يونيو 2019، "لقد تم تدريب هؤلاء الأطباء بشكلٍ فريد من خلال الحرب- لكن للأسف القليل منهم فقط بقوا في البلاد".
وأضاف للصحيفة الأمريكية: "أنهم بحاجة إلى كل المساعدة التي يمكنهم الحصول عليها"، مشيرًا إلى تناقص الطاقم الطبي المتواجد في المستشفى.
وقال الجراحون إن الموارد المهمة، مثل القفازات والشاش لتضميد الجروح والجبص، تتضاءل بالفعل.
المستشفى الذي يعرف محليًا باسم مستشفى الكهف، تم العمل على تأسيسه في عام 2017 من قبل الجمعية الطبية السورية الأمريكية (SAMS)
في نهاية التقرير، نقلت النيويورك تايمز، عن الطبيب عبد المجيد قوله: "اعتقدت أنني ربما رأيت كل شيء، لكن هذه أكثر الأيام المأساوية التي رأيتها في حياتي كلها".