ألترا صوت – فريق التحرير
دعت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي مؤخرًا إلى إجراء تحقيق بعد صدور تقرير استقصائي نشره موقع "ديسكلوز" للتحقيقات الاستقصائية الفرنسي، كشف عن أن مصر أساءت استخدام معلومات استخباراتية قدمتها لها أجهزة الأمن الفرنسية في إطار مهمة سرية بين البلدين.
العملية خرجت عن مسارها بعد أن أساءت الدولة المصرية استخدام المعلومات التي قدّمها فريق سري مؤلَّف من أربعة جنود فرنسيين وستة عسكريين سابقين كان الهدف منها تعقب المسلحين الجهاديين
وتحدث بيان صادر عن وزارة الدفاع الفرنسية بأن مصر شريك لفرنسا وتقيم معها علاقات في مجال المخابرات ومكافحة الإرهاب كما هو الحال مع الدول الأخرى، لكنها رفضت التعليق عن طبيعة هذا التعاون. بالمقابل أشار البيان إلى أن وزيرة الجيوش الفرنسية طلبت بفتح تحقيق في المعلومات التي نشرها الموقع من دون أي ذكر للجهة التي ستتولى التحقيق أو ما إذا كان التحقيق يهدف لمعرفة الجهة التي سربت المعلومات أو في إساءة استخدام هذه المعلومات الاستخباراتية الواردة في التقرير.
وكان موقع "ديسكلوز" في تقرير نشره الأحد الماضي قد تحدث عن أن الاستخبارات الفرنسية أرسلت في شباط /فبراير 2016 فريقًا إلى مصر في مهمة أُطلق عليها اسم "عملية سيرلي" في إطار التعاون بين البلديين في مكافحة الإرهاب. لكن العملية خرجت عن مسارها بعد أن أساءت الدولة المصرية استخدام المعلومات التي قدّمها فريق سري مؤلَّف من أربعة جنود فرنسيين وستة عسكريين سابقين كان الهدف منها تعقب المسلحين الجهاديين، واستعملت في شن ضربات جوية على آليات يشتبه بأنها لمهرّبين في منطقة الصحراء الغربية بمصر مما أسفر عن مقتل عدد كبير من المدنيين.
وجاء في هذه الوثائق التي أطلق عليها اسم "أوراق مصر" أن الوحدة الفرنسية ضالعة فيما ما لا يقلّ عن 19 عملية قصف ضد مدنيين بين عامي 2016 و2018، بعد سوء استخدام للمعلومات المقدمة ما وضع باريس في موضع اتهام.
ويشير الموقع إلى أنّ بداية الاتفاق على المهمة السرية كان في 25 تموز/يوليو 2015 أثناء الزيارة التي قادت وزير القوات المسلحة الفرنسي جان إيف لودريان في عهد الرئيس السابق فرانسوا هولاند برفقة رئيس المخابرات العسكرية الفرنسية الجنرال كريستوف جومارت إلى القاهرة للقاء وزير الدفاع المصري وقتها الفريق أول صدقي صبحي. ووفقًا لما تم تسريبه فقد جاء اللقاء بعد الاتفاق على شراء مصر 24 مقاتلة رافال فرنسية وفرقاطتين متعددتي الأغراض بقيمة 5,7 مليار يورو. وركز الاجتماع على بحث تأمين الحدود المصرية الليبية والتي يبلغ طولها 1200 كيلومتر وتعيش حالة من الفوضى بسبب تردي الاوضاع الأمنية في ليبيا. وأثار وزير الدفاع المصري بشكل خاص مسألة الحاجة الملحة للمعلومات التي يمكن أن تقدمها الاستخبارات الفرنسية، وبالمقابل تعهد لو دريان بإقامة تعاون عملي وفوري كجزء من "مناورة عالمية ضد الإرهاب" على أن يكون هذا التعاون على شكل مهمة سرية تقودها المخابرات العسكرية الفرنسية من قاعدة عسكرية مصرية.
يقول الموقع أن المهمة انطلقت في 2016 بعد إرسال فريق فرنسي بشكل سري إلى منطقة الصحراء الغربية المصرية المتاخمة للحدود الليبية، وشارك في المهمة عشرة جنود من مجال الطيران وتحليل الأنظمة بينهم 6 جنود سابقين يعملون الآن في القطاع الخاص. واعتمد العمل على طائرة مستأجرة من الاستخبارات العسكرية الفرنسية من طراز (Merlin III) وهي طائرة خفيفة مجهزة للاستطلاع والمراقبة واستخدمت لتكون آذان وعينين للفريق، وتركز العمل على مراقبة الصحراء الغربية لرصد أي تهديدات إرهابية محتملة آتية من ليبيا، ورافق الفريق الفرنسي في كل رحلات المهمة ضابط مصري تم تكليفه بالتنصت المباشر على المحادثات.
يورد الموقع أن الهدف المقرر نظريًا كان التحقق من المعلومات التي تم جمعها من أجل تقييم حقيقة التهديد وهوية المشتبه بهم، لكن سرعان ما أدرك أعضاء الفريق الفرنسي أن المعلومات الاستخبارية المقدمة للمصريين تستخدم لتسهيل قتل مدنيين يشتبه في ضلوعهم في عمليات تهريب على الحدود، فقد بدأت الشكوك لدى الفريق الفرنسي بعد شهرين فقط من بدء مهمتهم كما يتضح في تقرير لمديرية الاستخبارات العسكرية (DRM) التابعة لوزارة الدفاع الفرنسية بتاريخ 20 نيسان/إبريل 2016 حيث أبلغ ضابط الاتصال للفريق الفرنسي رؤساءه على فترات زمنية امتدت على ثلاث سنوات بأنّ المصريين يريدون "اتخاذ إجراءات مباشرة ضد المتاجرين بالبشر، وأنّ مكافحة الإرهاب لم تعد بالفعل أولوية"، ولكن تلك البلاغات كانت دون جدوى.
ينقل الموقع أنه بعد أربعة أشهر أكد تقرير آخر صدر في أيلول/سبتمبر 2016 شكوك الفريق الفرنسي عندما أعلن وكلاء في الاستخبارات الفرنسية أنّ عملية "سيرلي" لم تكن مهمة لاقتصارها على الصحراء الغربية المصرية حيث يكاد ينعدم اي نشاط للجماعات المسلحة، وتحدثوا في تقريرهم عن منعهم من تغطية الأراضي داخل ليبيا وفي صحراء سيناء حيث النشاط الفعلي للجماعات المسلحة والتهديد الحقيقي للإرهاب.
وفي إحدى الوثائق المسربة المتحصل عليها اشار الموقع إلى أن اعضاء الفريق الفرنسي أشاروا إلى أن العقيد المصري المرافق لهم أصر على استعداده لإجراء رحلات جوية فوق "منطقة الموز" وهي التسمية التي يطلقها الجيش على منطقة صحراوية شاسعة تمتد من واحة سيوة الجنوبية إلى بلدات دلتا النيل من أجل الحد من نشاط المهربين العابرين بين ليبيا ومصر. وبحسبهم يتم التركيز عليها لاصطياد المهربين الذين يعبرون الحدود الليبية باتجاه القاهرة أو الإسكندرية أو وادي النيل، وغالباً ما يكونون شبابًا تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عامًا ويقودون الشاحنات الصغيرة ومركبات SUV، وهم مدنيون قد يحملون السجائر أو المخدرات أو الأسلحة أو مستحضرات التجميل أو البنزين أو حتى الأرز والحبوب.
وبحلول نهاية العام 2016 توصل الفرنسيون إلى أنه لم يعد هناك مجال للشك بأن عملية "سيرلي" قد فشلت في تحقيق أهدافها، ويشير الموقع إلى أن الفرنسيين وصلوا إلى هذه النتيجة بعد أيام من إعلان مصر في ذلك الوقت عن تدمير ثماني شاحنات صغيرة مع ركابها بزعم أنها تعود لمهربين، وأنّ العملية المصرية ضد تلك الشاحنات جرت بناء على معلومات قدمها فريق "سيرلي" في 21 أيلول/ سبتمبر 2016. ونوه تقرير أخر بتاريخ 28 أيلول/سبتمبر 2016 إلى أنَّ "الفريق لا يزال يقظًا للغاية لكنه مع ذلك قلق بشأن استخدام المهمة سيرلي الاستخباراتية لاستهداف المهربين وليس ضد الإرهابيين كما كان متفقًا عليه"، ما جعل الدولة الفرنسية في النهاية شريكًا في عمليات الإعدام التعسفي لمدنيين مصريين.
وكشف الموقع بحسب الوثائق المسربة عن استمرار المهمة بالرغم من دخول ماكرون قصر الإليزيه وإعلانه أن "أوروبا والعالم يتوقعون منّا الدفاع عن الحريات وحماية المظلومين في كل مكان نحن فيه"، لكنه بعد ثلاثة أسابيع اتصل هاتفيًا بنظيره المصري بعد أيام من عملية إرهابية استهدفت كنيسة وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها. وبحسب تقرير فإن المحادثة تحولت بسرعة كبيرة إلى الحديث عن الشراكة العسكرية بين باريس والقاهرة، وأكد ماكرون للسيسي أنه "على علم تام بالعمليات الجارية في مصر"، بالرغم من أنه في اليوم التالي تلقى رئيس أركان القوات المسلحة الفرنسية بيير دي فيلييه مذكرة دفاع سرية ضمت تقريرًا مفصلًا كتبه مدير المخابرات العسكرية في ذلك الوقت الجنرال كريستوف غومار يؤكد بدوره أنَّ "معظم الشاحنات الصغيرة الموجودة في الصحراء المصرية ليست مرتبطة بجماعات إرهابية".
وفي 6 حزيران/يونيو سافرت وزيرة القوات المسلحة السابقة سيلفي غولار إلى القاهرة للقاء الرئيس المصري على الرغم من التجاوزات الواضحة للعملية فإنها أكدت أنَّ "إيمانويل ماكرون مستعد للنظر في إمكانية زيادة استخدام طائرة الاستطلاع والمراقبة "، وأشادت بنتائجها الاستثنائية المحققة فقد سمحت هذه "المهام في عام واحد باعتراض وتدمير أكثر من 1000 مركبة لجميع التضاريس تعبر الحدود بطرق غير قانونية"، وبعد يومين من زيارة سيلفي غولار التقى جان إيف لودريان عقب تعيينه وزيرًا للخارجية للمرة الثامنة في أقل من ثلاث سنوات بوزير الدفاع المصري صدقي صبحي وأثنى أثناء اللقاء على مستوى الثقة الذي وصل إليها الجانبان، وقيّم الرجلان الجانب السري للشراكة العسكرية من أجل تحديد وتعيين العديد من الأهداف حسبما كشفت مذكرة دبلوماسية بتاريخ 11 حزيران/يونيو 2017. وأعرب جان إيف لودريان عن "تقديره لمهارة ودقة طياري القوات الجوية المصرية".
وعقب هذه الجلسة بشهر تحدث الموقع عن أن الطائرات المصرية قتلت ثلاثة عمال من بينهم مهندس مصري مقيم بالقاهرة وبالرغم من عدم ورود ذكر لحادثة وفاة المهندس ورفاقه في أي من الوثائق المسربة لكن بعد يومين فقط من القصف تحدث ضابط فرنسي مع جنرال في القوات الجوية المصرية على أنَّ "الشراكة لا تسمح بأي شكل من الأشكال لطائرات الاستطلاع والمراقبة التابعة للمهمة الفرنسية بالمشاركة في عمليات الاستهداف"، ويجب إعادة التحقق من صحة المعلومات المنقولة للقوات المصرية، فقد كان موقع الضربة في إحدى مناطق تحليق طيران الاستطلاع التابع للمهمة الفرنسية. ورغم استمرار التجاوزات فإن أفراد الفريق الفرنسي بقوا منتشرين في الصحراء الغربية.
وفي مذكرة أرسِلت إلى الرئاسة الفرنسية في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2017 أعربت مديرية الاستخبارات العسكرية والقوات الجوية عن قلقهما من التجاوزات في هذه العمليات لكن على مدار العام 2018 نُفِّذَت المهمة تلو الأخرى وشنت طائرات "إف-16" المصرية غارات بشكل متزايد.
ومع بداية العام 2019 كتبت خلية إفريقيا في الإليزيه مذكرة للرئيس إيمانويل ماكرون عن ضرورة وجود اتفاق مكتوب يضمن "إطارًا قانونيًا متينًا للفريق الاستخباراتي الفرنسي الموجود على الأرض"، كما تحدّثت مذكرة أخرى أرسلت لوزيرة القوات المسلحة فلورنس بارلي بتاريخ 22 كانون الثاني/يناير 2019 قبل زيارة رسمية لها مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر عن وجود حالات مؤكدة لتدمير أهداف تم اكتشفها من قبل الطائرة الفرنسية، وبحسب من ما ورد في هذه المذكرة "أنه من المهم تذكير (الطرف) الشريك بأن طائرة المراقبة والاستطلاع الخفيفة ليست أداة استهداف، ويجب وضع حد لهذه العملية"، ومع ذلك لم يوقَّع أية اتفاق ولم تُقابَل المهمة الفرنسية بأية تساؤلات أثناء وبعد الزيارة.
يقول الموقع الاستقصائي بأن دعم الديكتاتورية وفق معايير المصلحة الفرنسية يبقى هو الأولوية مهما كلف الثمن، في اشارة إلى تقليد الرئيس ماكرون للرئيس السيسي وسام جوقة الشرف وهو أرفع وسام فرنسي
يقول الموقع الاستقصائي بأن دعم الديكتاتورية يبقى هو الأولوية مهما كلف الثمن، في اشارة إلى تقليد الرئيس ماكرون للرئيس السيسي وسام جوقة الشرف وهو أرفع وسام فرنسي خلال مأدبة عشاء أقيمت في الإليزيه، وبعد أربعة أشهر من هذا الاحتفال طلبت مصر في صفقة سرية 30 طائرة رافال من فرنسا بقيمة 3,6 مليار يورو.
اقرأ/ي أيضًا:
الننّي في طريقه لمغادرة أرسنال .. هل يدفع ثمن تضامنه مع فلسطين؟
كواليس مفاوضات كامب ديفيد في برنامج "مذكّرات" على التلفزيون العربي
السيسي يعلن إلغاء تمديد حالة الطوارئ لأول مرة منذ العام 2017