بعيداً عن مشاكل قطاع التعليم الفلسطيني، في كلّ من قطاع غزة والضفة الغربية، فيما يخصّ المناهج الدراسيّة وآلية التعليم النمطيّة، يبدو أنّ ثمّة مشاكل أخرى بحاجة إلى حلول جدّية وسريعة سعيًا إلى تدارك أزمات متواصلة منذ سنوات.
ومن أهم هذه المشاكل أزمة اكتظاظ التلاميذ في الصفوف الدراسيّة في غزة، وهي ظاهرة تؤرق أجيالاً، وباتت تؤثر على معدّل استيعاب التلاميذ وتدفع ببعض المدرّسين إلى الاهتمام بالمتفوّقين، وبمن يستوعب الشرح بشكل أسرع من غيره، وفق قول التلاميذ أنفسهم.
تؤرق أزمة اكتظاظ التلاميذ في الصفوف الدراسية في غزة أجيالًا ولا تزال متواصلة
عند زيارة عدد من مدارس غزة، الحكوميّة والتابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، من السهل أن تلاحظ أن عدد التلاميذ في الصف الواحد يتراوح من 44 إلى 50 تلميذًا، مما يعني، إذا ما قسّمنا عدد دقائق الحصّة الواحدة على عدد التلاميذ فلن يحظى الواحد بأكثر من دقيقة تقريبًا.
ويشكو التلاميذ من اكتظاظ الفصول منذ سنوات في المدارس الحكوميّة دون وجود أي مبادرة جديّة لحل هذه الظاهرة، إلا أن "الأونروا" تتجه حالياً لتداركها بعد تجاوز أزمتها المالية، وذلك من خلال بناء عدد آخر من الفصول الدراسيّة وتوزيع التلاميذ عليها للتخفيف من عددهم في الفصل الواحد.
يقول أحمد عبد العال وهو تلميذ في مدرسة الدرج، شرق مدينة غزة، لـ"ألترا صوت": "يبلغ عدد زملائي في الفصل 44 تلميذًا. ومدّة الحصّة الدراسيّة الواحدة تكاد تكفي لشرح درس، أو نصف الدرس أحياناً كما أن عديد التلاميذ لا يستوعبون الشرح من أول مرة". ويضيف أحمد: "نواصل على هذا النحو في النصف الأول من الفصل الدراسي وما أن نصل النصف الثاني إلا وتبدأ المعلّمات بالشرح المكثّف كي ننهي المنهج، وهنا، ندرك حجم الأزمة المترتبة عن اكتظاظ الفصول الدراسيّة".
عند بلوغ النصف الثاني من السنة الدراسية، يتعذر على بعض التلاميذ استيعاب الدرس خلال الحصة الدراسية ويلتجئ جزء منهم إلى الدروس الخصوصيّة أو مساعدة الأهل. في هذا الإطار، يؤكد أحمد أن "ظاهرة الاكتظاظ في المدارس تحرمهم من حقهم في الحصول على الحقّ الكامل في الفهم خلال الحصص الدراسيّة إضافة إلى أنّه ينتزع أوقاتهم التي يودّون اللعب خلالها بعد انتهاء الدوام المدرسي".
يحرم الاكتظاظ في المدارس التلاميذ من الحصول على حقهم في الفهم خلال الحصص الدراسية
ويعلق محمد محسن، وهو تلميذ آخر في إحدى المدارس الحكوميّة، لـ"ألترا صوت": "عندما أشكي لوالدتي مشكلة الاكتظاظ وقلّة الكراسي وعدم اكتراث المعلّمين بمعظم التلاميذ، تقول إنها كانت تعاني وزميلاتها من نفس المشاكل خلال سنوات دراستها بالتعليم الابتدائي".
يرى محمد وزملاؤه أن المسؤولون في وزارة التربية والتعليم لا يشعرون بمعاناتهم وتضررهم. ويتابع محمد أنهم "كانوا قد اشتكوا خلال السنوات الماضية من أزمة الاكتظاظ إلا أن مدير المدرسة أجابهم بـ"من وين نجيبلكم صفوف جديدة؟ مفكرين ميزانيتنا بتكفي دلعكم؟". وتعقب زميلته أسمهان أبو حسن: "أتعرفون الأرانب؟ هكذا نكون بالفصل أنا وزملائي".
أما المعلمة أسماء هاشم، والإسم مستعار، فترى أن "مشكل اكتظاظ التلاميذ في الصفوف الدراسيّة يستدعي جهودًا كبيرة لحلّه". وتضيف: "رفعنا شكاوي عديدة لمديري المدارس لكن محاولاتنا باءت بالفشل وتذرعوا بأن الحل يحتاج لميزانيّات ضخمة وبناء مدارس جديدة، هذا في الوقت الذي يعاني فيه موظّفي حكومة غزّة السابقة من عدم حل أزمة الرواتب، وتقاضيهم "السلف" كل عدّة أشهر". في المقابل، رفضت مديرة إحدى المدارس في إقليم شرق غزّة التعليق لـ"ألترا صوت" واكتفت بالقول: إن "مثل هكذا أزمات تعتبر مألوفة في أوّل أيام العام الدراسي ويتم تجاوزها خلال الشهر الأوّل".