24-يوليو-2019

أحدثت مفاوضات أديس أبابا جدلًا بين السودانيين (أ.ف.ب)

أحدثت المفاوضات التي تجري حاليًا في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بين قوى إعلان الحرية والتغيير القائد للحراك السوداني والجبهة الثورية المعارضة التي قاتلت لعدة سنوات ضد نظام الدكتاتور البشير العضوض جدلًا واسعًا في مجالس السودانيين، فقد وصفها البعض بأنها انحراف لمسار الثورة السودانية التي قدم فيها الكثيرون أرواحهم في سبيل الحرية والسلام والعدالة، حتى دخلت تلك الاحتجاجات شهرها الثامن دون الوصول إلى اتفاق نهائي بشأن تشكيل الحكومة المدنية وبداية أعمالها، بينما يرى السواد الأعظم من الشعب بأن مباحثات أديس أبابا خطوة لإرساء السلام في أقاليم البلاد المختلفة.

ثمة آراء عارضت مباحثات أديس أبابا الجارية حاليًا في العاصمة الإثيوبية، فقد أشار البعض بأن أجندتها تقوم على المحاصصة والوظائف، وليس التوصل إلى سلام دائم في أطراف السودان، وإسكات صوت الرصاص

أديس أبابا وجهة للتفاوض

ارتأت قوى إعلان الحرية والتغيير بأن تكون دولة إثيوبيا مكانًا للمباحثات بينها وبين الجبهة الثورية لعدة أسباب: منها أن أديس أبابا هي العاصمة الوحيدة في إفريقيا التي قدمت مبعوثها الخاص للخرطوم منذ بدايات الأزمة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية منذ عدة شهور، إضافًة إلى ذلك، هنالك عدد كبير من قيادات الحركات الثورية غير مرحب بهم في الخرطوم إلى الآن، فقد قام المجلس العسكري الانتقالي في الشهر الماضي بإبعاد القيادي بالحركة الشعبية قطاع الشمال ياسر عرمان نائب رئيس الحركة، برفقة الأمين العام للحركة إسماعيل خميس جلاب، ومتحدثها الرسمي مبارك أردول إلى جوبا عاصمة جنوب السودان بطائرة عسكرية، مكبلي اليدين والرجلين ومعصوبي العينين بعد أيام قليلة من دخولهم الخرطوم في ظل هذه الأوضاع، الأمر الذي أحدث زخمًا واسعًا من النقاش، فقد ذهب البعض بالجزم بوجود الدولة العميقة في ظل هذه الممارسات التي من المفترض أن تنتهي بانتهاء حكم نظام المؤتمر الوطني البائد.

اقرأ/ي أيضًا: السودان.. للثورة مواقيتها

الآراء المعارضة لمباحثات أديس أبابا

ثمة آراء عارضت مباحثات أديس أبابا الجارية حاليًا في العاصمة الإثيوبية، فقد أشار البعض بأن أجندتها تقوم على المحاصصة والوظائف، وليس التوصل إلى سلام دائم في أطراف السودان، وإسكات صوت الرصاص، فقد جاء على لسان أحمد نقد كبير مفاوضي حركة العدل والمساواة في تصريحات نقلتها الصحف السودانية الإثنين أن الجبهة الثورية تطالب بنصف مقاعد الوزارة ورئاسة دورية لها في منصب رئيس الوزراء، فهذه محاصصة نقيضة لحكومة التكنوقراط التي تعد مطلبًا أساسيًا من مطالب الثورة.

إضافًة إلى ما سبق ذهب البعض بالتشكيك في قوى إعلان الحرية والتغيير، وأنها أضحت ضعيفة في إدارة هذه المرحلة المفصلية من تاريخ البلاد والتحدث باسم الشعب، فليس هنالك حاجة للتفاوض مع المعارضة والجبهة الثورية قبل تعيين حكومة تكنوقراط جديدة، وبداية عملها في إدارة دفة البلاد، ثم الذهاب لأروقة التفاوض مع الجبهة الثورية لإحلال السلام في ربوع البلاد المختلفة. على أن تكون الخرطوم مكانًا للتفاوض، كما ذهب اتجاه بأن جدل المركز والهامش أُعيد مرة أخرى، فتم وصف من يتفاوضون في أديس أبابا بأنهم يمثلون المركز في حين أن الهامش ما زال محتجًا يومًا بعد يوم في الخرطوم من أجل حكومة تكنوقراط تعيد للبلاد هيبتها ورونقها، فقد ظل المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير وبعض الأحزاب يدعوان بتشكل حكومة من التكنوقراط والنأي بأنفسهم من تولي مناصب وزارية أو ولاية في الفترة القادمة.

الأراء المؤيدة لمباحثات أديس أبابا

أصدرت قوى الحرية والتغيير بيانًا عن جلوسها في طاولة التفاوض مع الجبهة الثورية، حيث جاء في البيان بأن التجمع يسعى خلال مشاوراته مع حملة السلاح للترتيب لعملية سلام شاملة ومرضية لجميع الأطراف خلال الفترة الانتقالية، ولتضمين مطلوبات السلام والاستقرار في الإعلان الدستوري القادم، باعتبار أن التغيير يجب أن يشمل جميع المواطنين السودانيين ويجب أن يحمل رغبات وأحلام وطموحات بنات وأبناء الوطن في كل أرجائه، وهي بذلك تعمل مع الرفاق من حملة السلاح في مناطق النزاعات على ربط وثائق التحول الديمقراطي والانتقال السلمي للديمقراطية الرّاسخة والمستدامة.

اقرأ/ي أيضًا: حراك السودان ومعركة الحكومة المدنية.. تحولات حاسمة

في السياق نفسه، اتجه جزء من الشارع السوداني إلى تأييد هذه المباحثات، وأن ما قامت به قوى الحرية والتغيير من تفاوض مع الجبهة الثورية يصُب في مصلحة الثورة تمامًا، فهو الأمر الذي لم تستطع فعله حكومة الإنقاذ في فترة حكمها البائد، فمخاطبة جذور المشكل ووضعها في طاولة المفاوضات هو بمثابة خارطة طريق للوصول إلى حل شامل ونهائي يضع السلاح أرضًا، فوضع السلاح هو الفيصل للوصول للديمقراطية، وتحويل موارد تمويل الحرب إلى الإعمار ونهضة الاقتصاد وما صاحب ذلك.

 ذهب البعض بالتشكيك في قوى إعلان الحرية والتغيير، وأنها أضحت ضعيفة في إدارة هذه المرحلة المفصلية من تاريخ البلاد والتحدث باسم الشعب

إجمالًا، من الفشل وضع الثقة في تجمع أو حزب بعينه أو حركة مسلحة لقيادة المرحلة الانتقالية القادمة في السودان، فمنذ الاستقلال لم تفلح الأحزاب السودانية التي توالت في حكم السودان من إحداث نوع من التغيير والتطور، فقد صاحبها الفشل في مراحل حكمها المختلفة، نتيجة لضعف نخبها السياسية التي لم تتشرب من القيم الديمقراطية والإرادة السياسية وحب الوطن ووضع مصلحته فوق المصلحة الشخصية، زاد الأمر سوءًا مجيء حكومة الإنقاذ في حزيران/يونيو 1989، واستمرت لثلاثين عامًا في ضعف الأحزاب السياسية المعارضة، إضافًة إلى قيام الإنقاذ بشراء ذمم بعض قادات المعارضة الحاملة للسلاح ومحاصصتها في الحكومة، لكل ذلك، يرى ناشطون أنه يستحسن بأن تكون المرحلة الانتقالية مرحلة لحكم التكنوقراط للخروج بالبلاد لبر الأمان وعدم إعادة الفشل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ورطة البشير بين المذهب المالكي وعقيدة بوتين.. من يكاتب الجنرال في سجن كوبر؟

مليونية الدولة المدنية.. قطار الثورة السودانية يشق طريقه الوعر