07-مايو-2018

مشهد عام من جزيرة سقطرى (ناشيونال جيوغرافيك)

تأخذنا مجلة ناشونال جيوغرافيك في جولة على أرض جزيرة سقطرى اليمنية، التي هي الآن محط أنظار العالم، ليس لطبيعتها البيئية الفريدة، وإنما لموقعها الاستراتيجي، في ظل الحرب الضروس الدائرة في اليمن. في السطور التالية ننقل لكم جزءًا من تقرير ناشونال جيوغرافيك مترجمًا.


على بعد 220 ميلًا عبر بحر العرب، من اليمن المضطرب، كانت سقطرى في يوم من الأيام مكانًا أسطوريًا على حافة خرائط العالم المعروف. كان البحارة يخشونها، بمياهها الضحلة الخطرة وعواصفها الشرسة وسكانها الذين كان يُعتقد أنهم يتحكمون في الرياح ويحوّلون السفن نحو الشاطئ للاستيلاء عليها ونهبها. واليوم، يجلب التنوع البيولوجي الغني لسقطرى، المستكشفين الجدد الذين يأملون في تعلم أسراره قبل أن يغيّر العالم الحديث ذلك إلى الأبد، مع تأجج الحرب في اليمن.

رغم صغر مساحتها، إلا أن موقعها الاستراتيجي وبيئتها الفريدة من نوعها، جعلت جزيرة سقطرى محط أنظار العالم الخارجي

قام كل من المصريين القدماء واليونانيين والرومان بالكشف عن كنوز عالم الطبيعة في سقطرى: الراتنجات العطرية مثل اللبان، ومستخلص الصبر الطبي، والعصارة الحمراء الداكنة لشجرة دم الأخوين، المستخدمة للشفاء أو كألوان للفنانين. جاء المغامرون لحصد ثروات الجزيرة، على الرغم من القصص التي شاعت بأنها كانت تحرسها ثعابين عملاقة تعيش في كهوفها. كانت ملكة سبأ، والإسكندر الأكبر، وماركو بولو من بين أولئك الذين طمعوا في ثروات سقطرى.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا تعرف عن "حرب" الفانيليا والتوابل الثمينة في مدغشقر؟

بلغت قيمة البخور ودم الأخوين ذروتها خلال عهد الإمبراطورية الرومانية. بعد ذلك، خدمت جزيرة سقطرى في الغالب كمحطة للتجار، وأمضت قرونًا في عزلة ثقافية نسبية. وعاش سكان سقطرى جيلًا بعد جيل كما عاش أسلافهم: رعاة الجبال يرعون الماعز، وسكان المناطق الساحلية يمارسون صيد الأسماك، والجميع يحصد التمر. وحُفظ تاريخ الجزيرة من خلال الشعر، ويتلى باللغة السقطرية.

جزيرة سقطرى المحاطة بالدائرة الحمراء (جوجل)
جزيرة سقطرى المحاطة بالدائرة الحمراء (جوجل)

وبخلاف موقعها الاستراتيجي قبالة القرن الأفريقي، لم يكن هناك أي شيء في سقطرى يهتم به العالم الخارجي. لكن الأمر تغير.

أثبتت الأبحاث في بدايات القرن العشرين أن جزيرة سقطرى الاستوائية، على الرغم من مساحتها التي تبلغ 3650 كيلومتر مربع فقط، تعد من بين أهم مراكز التنوع البيولوجي في العالم، حيث تجمع بين عناصر من أفريقيا وآسيا وأوروبا، بطرق لا تزال تحير علماء الأحياء.

عدد الأنواع النباتية المستوطنة، تلك التي لا توجد في أي مكان آخر، لكل ميل مربع في سقطرى، وثلاث جزر صغيرة نائية، هو رابع أعلى مستوى لأي مجموعة جزر على الأرض، بعد سيشيل وكاليدونيا الجديدة وهاواي. ومن المرجح أن تكون جبال حجهر، وهي قمم الجرانيت الوعرة التي ترتفع إلى حوالي خمسة آلاف قدم في وسط الجزيرة، موطنً لأعلى كثافة للنباتات المستوطنة في جنوب غرب آسيا. كل مشهد في سقطرى، من الأراضي المنخفضة الجافة والساخنة إلى الجبال المغطاة بالضباب، يكشف عن العجائب التي لا يمكن رؤيتها في أي مكان آخر.

بعد ظهيرة قاسية، كنت أتجول بالقرب من بلدة هاديبو المغبرة، مع عالمة النبات ليزا بانفيلد، وهي أخصائية في سقطرى، كانت تعمل في ذلك الحين ضمن طاقم حديقة النباتات الملكية في أدنبره. صعدنا منحدر تل صخري وتوقفنا بجانب نبات يبدو كلوحة من لوحات سلفادور دالي، نبات قصير بدا كما لو أنها كانت شجرة أطول ثم ذابت من الحرارة.

استُلهم اسمها الشائع (وردة الصحراء) من  زهورها الأرجوانية، على الرغم من أنها لا تمت للورود بصلة. قالت بانفيلد: "هذا مثال مشهور لاستراتيجية تكيفت بها نباتات سقطرى لتحمل ظروف الجفاف القاسية هنا. هذه هي العدنة السقطرية. وهي تنمو أيضًا في الأراضي العربية والأفريقية، ولكن هناك تكون أصغر بكثير منها في جزيرة سقطرى. يخزن جذعها الماء، وينمو بهذه الأشكال الغريبة والرائعة لترسيخ نفسها في الصخور".

نبات وردة الصحراء أو العدنة السقطرية
نبات وردة الصحراء أو العدنة السقطرية

وهناك شجرة مستوطنة أخرى، هي دم الأخوين، والتي أصبحت رمزًا لجزيرة سقطرى بشكلها المميز، حتى صُورت على العملة اليمنية فئة الـ20 ريال. أحد أقارب النباتات المشتركة من جنس دراسينا، ينمو على الهضاب والجبال في جزء كبير من الجزيرة. أكبر غابات الدم الأخوين توجد في فرميهين.

باتت شجرة دم الأخوين رمزًا لجزيرة سقطرى، إلا أنه للأسف لم تعد تنبت منها أشجارًا صغيرة، ما قد يهدد استمرار تواجدها على الجزيرة

تمتد المئات والمئات من أشجار دم الأخوين في كل الاتجاهات في جزيرة سقطرى، لكن ثمة حقيقة مزعجة، وهي أنه لم تعد تنبت أي أشجار صغيرة من الصخور تحت تلك الأشجار الكبيرة. لم يكن في سقطرى مطار متطور حتى عام 1999، ولم تكن هناك أي طرق معبدة. ومنذ ذلك الحين، تسارعت وتيرة التنمية.

اقرأ/ي أيضًا: 6 من أجمل وأهم الأماكن السياحية في الأردن

التغييرات التي استغرقت عقودًا في أماكن أخرى، حدثت في بضع سنوات هنا في سقطرى. وتتدفق المزيد والمزيد من السيارات عبر الجزيرة على شبكة الطرق السريعة المتنامية. لقد جاء العالم الخارجي إلى سقطرى مجازًا، من خلال التلفزيون، والهواتف المحمولة، وشبكة الإنترنت، وحرفيًا، من خلال السياحة.

على الرغم من أن الاضطرابات السياسية الأخيرة حدت مؤقتًا من السفر، إلا أن شواطئ جزيرة سقطرى الجميلة والجبال الوعرة والتنوع البيولوجي الفريد والثقافة القديمة، جذبت عددًا متزايدًا من المسافرين خلال العقد الماضي، من 140 زائرًا من حول العالم في عام 2000 إلى ما يقرب من أربعة آلاف عام 2010.

دم الأخوين رمز لسقطرى، لكن لم تعد تنبت منها أشجار صغيرة
دم الأخوين رمز لسقطرى، لكن لم تعد تنبت منها أشجار صغيرة

أكثر من 600 قرية، في معظم الحالات، هي عبارة عن تجمعات لمنازل العائلات الممتدة، مبعثرة في جميع أنحاء سقطرى، كل منها لها شيخها المبجل. وعلى مر القرون، طور السقطريون طرقًا عملية للتعامل مع الرعي، وجمع الأخشاب، ونزاعات ملكية الأراضي بين العشائر، واستخدام الموارد المائية، وما شابه.

وعلى عكس نظرائهم في أرض اليمن الرئيسية، حيث كانت النزاعات العنيفة والنزاعات القبلية طريقة حياة طويلة، وحيث كان العديد من الرجال يحملون السلاح والجنبية (الخنجر) كمسألة طبيعية، فإن لدى السقطريين تقاليد في حل القضايا بشكل سلمي بالاجتماعات بين القرى المجاورة. وكان الحفاظ على الموارد هو الخيار الوحيد للبقاء في بيئة الجزيرة القاسية، مما كان له أثر في حماية التنوع البيولوجي المتميز في سقطرى.

"لا تزال سقطرى عذراء"، يقول أحدهم. لكن هذا يعني أيضًا أن هذه الموجة بأكملها من الحضارة والتنمية هي أكبر تهديد على الإطلاق للتنوع البيولوجي في سقطرى في الوقت الحالي.

لقد حافظ شعب سقطرى على البيئة من خلال تقاليده، ولكن الأمر متروك لنا جميعًا للحفاظ على ذلك في المستقبل، للحفاظ عليها ضد الأخطار. إن سقطرى هي واحدة من آخر الأماكن على الأرض حيث يمكننا بالفعل حماية بيئة الجزيرة الفريدة، حيث لا يزال بإمكاننا القيام بشيء إيجابي قبل فوات الأوان.

سقطرى أرض عذراء، لكن تهدد بيئتها الفريدة وتنوعها البيولوجي، مشاريع التنمية الحديثة، وكذا مطامع دول الجوار والمتحاربين في اليمن

عندما يعود الاستقرار إلى اليمن والطرق، والمنتجعات، والمسافرون المتحمسون المنتشرون عبر مدينة سقطرى، هل ستصمد السبل السلمية التي اتبعها سكانها في تسوية النزاعات؟ هل سيظل الناس يتجمعون في قرى جبلية لتلاوة قصائدهم بلغتهم الخاصة، وهل ستستمر تقاليد الحفاظ على البيئة؟ إذا كان الأمر كذلك، فربما يسمع أولئك الذين يتسلقون مرتفعًا في التلال الكلسية أنشودة طائر الدرسة السقطري، التي تنتمي إلى منظومة الحياة الغريبة والرائعة في الجزيرة.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

"سيوة".. مدينة الملح والتاريخ

مدينة وليلي.. إرث الرومان لا يزال حاضرًا في المغرب