10-مارس-2019

لم يُبق الجزائريّون للمحيط الرّئاسيّ منفذًا إلّا سدّوه (فيسبوك)

الترا صوت - فريق التحرير

لم يعرف الجزائريّون ارتباكًا وانقسامًا بخصوص وجهة حراكهم الذّي بدأ يوم الـ22 من شباط/فبراير الفائت رفضًا لولاية خامسة للرّئيس عبد العزيز بوتفليقة، مثلما عرفوه الأحد 10 أذار/مارس، بالنّظر إلى جملة من التطوّات المفاجئة، التّي لم تترك وقتًا كافيًا للتّشاور والنّقاش، بما يُشير إلى اختراق محتمل لصفوف الحراك من طرف المحيط الرّئاسيّ، الذي يبدو أنّه انتقل في التّعامل مع المتظاهرين من صيغة الرّسائل لإثناء عزائمهم، إلى صيغة الاختراقات لتكسيرها.

انتشرت بعد الجمعة الثّالثة للحراك الجزائري الدّعوة للعصيان المدنيّ، بغلق جميع المحالّ التّجاريّة وتوقيف جميع الخدمات، باستثناء الطوارئ

 إفراغ الجامعات لإفراغ الحراك

استيقظ الشّارع الجزائريّ، السّبت، رغم أنّه يوم عطلة ولا تُقبل قانونيًّا القرارات والتّعليمات الرّسميّة الممضاة فيه، على تعليمة لوزير التّعليم العالي الطّاهر حجّار تقضي بتقديم العطلة الرّبيعيّة من الـ21 من آذار/مارس الجاري إلى العاشر منه، بما يترتّب عنها من إخلاء للإقامات الجامعيّة، التيّ تأوي 630 ألف طالب وطالبة، من مجموع الطّلبة البالغ مليونًا وسبعمئة ألف.

اقرأ/ي أيضًا: السلميّة سيدة موقف الجزائريين ضد عهدة خامسة لبوتفليقة

فهمت الأسرة الطّلّابية، التّي انضمّت للحراك الشّعبيّ مباشرة بعد جمعته الأولى، ومنحته وزنًا ثقيلًا، أنّ تعليمة الوزير تهدف إلى تشتيت قوّتها وإفراغ الحراك منها، فأبدت رفضًا للقرار ودعت إلى كسره بالتوجّه إلى المؤسّسات الجامعيّة والتشبّث بالبقاء في الإقامات، لاتخاذها منصّة للخروج في مسيرات قبل وأثناء الجمعة.

وحسب معاينة "ألترا صوت" لجامعة مدينة برج بوعريريج الواقعة 200 كيلومتر إلى الشّرق من الجزائر العاصمة، ومئات التّفاعلات في موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسبوك، فإنّ الطّلبة ومعهم الأساتذة توافدوا بشكل مكثّف وقاموا باعتصامات داخل الجامعات، مجدّدين مطلبهم برحيل الرّئيس المترشّح ومحيطه ككلّ، في مقدّمته وزير التّعليم العالي، الذّي "تصرف بصفته سياسيًّا منحازًا، لا كمشرف على مؤسّسات معرفيّة"، كما يقول طالب الهندسة المدنيّة شكري عمّاري.

في ظلّ هذا التّفاعل الطّلابيّ، أصدر "الدّيوان الوطنيّ للخدمات الجامعيّة، وهو الجهة المسؤولة عن إطعام وإيواء ونقل الطلبة، بيانًا قال فيه إنّ الإقامات الجامعيّة ستظلّ تقدّم خدماتها إلى غاية الموعد المعلن عنه سابقًا للعطلة الرّبيعيّة، وهو 21 آذار/مارس الجاري.

تلاميذ الثّانويات يلتحقون بالحراك

عوض أن يلتحقوا بفصول الدّراسة، على السّاعة الثّامنة صباحًا، قرّر تلاميذ المرحلة الثانويّة، وهي المرحلة التّي تسبق المرحلة الجامعيّة، أن يخرجوا في مسيرات احتجاجيّة على ترشّح الرّئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، حاولوا فيها أن يظهروا أكثر تنظيمًا وتشبّثًا بالرّوح السّلميّة.

فاجأت مسيرات تلاميذ الثانويات الجزائريين، فانقسموا بخصوصها بين من يراها رافدًا مهمًّا سيُعزّز الحراك الشّعبيّ بطاقة لا يُستهان بها، إذ يُقدّر عددهم بثلاثة ملايين تلميذ وتلميذة، ومن يراها محاولة من جهات خفيّة لتمييع الحراك بتلاميذ صغار السنّ، ولا يملكون القدرة على ضمان الرّوح السّلميّة، التّي تُعدّ رأس مال الحراك. 

كتب الأستاذ الجامعيّ نذير طيّار: "أيّها العقلاء أبعدوا أطفال المدارس عن المظاهرات، فهي ليست لهم وهم ليسوا لها". وقال التّلميذ سامي عوينات لـ"ألترا صوت" إنّه لم يبلغ بعد سنّ الانتخاب المقدّر في الجزائر بـ18 عامًا، "لكنّني أملك الوعي الكافي بخطورة استمرار الرّئيس المريض في الحكم". يُضيف: "انظروا إلى وعيي لا إلى سنّي. ولا تقعوا في إقصاء شريحة تلاميذ المدارس من الحراك، الذّي قام ضدّ ثقافة الإقصاء أصلًا".    

الحساسيّة من العصيان المدني

انتشرت بعد الجمعة الثّالثة للحراك الدّعوة للعصيان المدنيّ، بغلق جميع المحالّ التّجاريّة وتوقيف جميع الخدمات، ما عدا ذات البعد الإنسانيّ منها، مثل الصّيدليات والمستشفيات، فاكتظّ موقع التواصل الاجتماعيّ بمنشورات ترفض هذا الخيار، "لأنّه يُلحق الضّرر بالشّعب البسيط، ويجعل الصّراع بين أفراده، بعد أن كان بينه وبين الجماعة الحاكمة"، كما يقول النّاشط بلال بن سكايم. ويُضيف بن سكايم: "ثمّة تشجيع واضح من الحكومة لخيار الإضراب العام، حتّى تجعل الشّعب يقتنع بخطاب التّخويف من الانفلات الأمني المؤدّي إلى الفوضى".

لم يُبق الجزائريّون للمحيط الرّئاسيّ منفذًا إلّا سدّوه. وبإضراب كبرى الشّركات الاقتصاديّة في البلاد، يكون الحراك الشّعبيّ قد وسع قاعدته بما لا يطيق النظام

تزاحم الجزائريون على الأسواق والمحالّ التّجاريّة، السّبت، خوفًا من نفاد السّلع الاستهلاكيّة، بسبب الإضراب العامّ، الذّي انخرطت فيه أكبر المؤسّسات المفصليّة، مثل الميناء وشركة "سونطراك" البتروليّة وشركة الكهرباء والغاز، فبقيت معظم الرّفوف فارغة. وأصبحوا على محالّ مغلقة، ما عدا الصّيدليات والمستشفيات، حتّى أنّ الذين لم يتبضّعوا تحسّبًا للإضراب، وجدوا أنفسهم في مواجهة الجوع.

يقول المدوّن مصطفى بونيف: "قلنا لكم ليس وقته هذا الإضراب العام، و حذّرنا من آثاره على الطّبقة الفقيرة وحتّى المتوسّطة. عائلات سوف تجوع بسبب عصيان تبقى فيه مؤسّسات الدّولة محافظةً على مصالحها، في حين تتوقّف مصالح النّاس الخاصّة. هذا جنون".

موقف الجيش الغامض

في ظلّ هذا المشهد المضطرب، قال رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح في رسالة جديدة، الأحد، "إنّ الجيش والشّعب يشتركان في النّظرة نفسها للمستقبل". وأضاف: "إنّ الشّعب محظوظ بجيشه والجيش محظوظ بشعبه". بما فهمه قطاع واسع من الجزائريين، الذين رفعوا شعار "الجيش والشّعب إخوة"، في جمعات الحراك الثلاث، على أنّه انتصار ضمنيّ من المؤسّسة العسكريّة لمطالب الحراك، في مسعاه لإسقاط العهدة الخامسة للرّئيس بوتفليقة، وتعويضها بفترة انتقاليّة تتمخّض عنها انتخابات رئاسيّة وبرلمانيّة حقيقيّة.

اقرأ/ي أيضًا: 3 سيناريوهات جزائرية معلّقة بين الشارع و"الدولة العميقة"

كتبت الصّحفيّة صبرينة كركوبة: "الدّنيا مقلوبة وقايد صالح كلّ يوم في مكان. أعتقد أنّ عينه على كرسيّ الرّئاسة. نحتاجك لحماية الوطن لا لرئاسته". فيما كتب المحلّل السّياسيّ عثمان لحياني: "موقف تقدّمي يحسم الموقف لصالح الحراك. يبدأ الآن البحث عن المخارج والخيارات".

لم يُبق الجزائريّون للمحيط الرّئاسيّ منفذًا إلّا سدّوه. وبإضراب كبرى الشّركات الاقتصاديّة في البلاد، التّي تزوّد الخزينة العامّة بما يزيد عن 90% من مداخيلها، تكون أظافر الحراك الشّعبيّ قد انغرزت في جسد خيار الاستمراريّة، التّي لم يُحسن المدافعون عنها إقناع حتّى الأطفال الجزائريين بها. فهل سينسجم المجلس الدّستوريّ مع الخيار الشّعبيّ ويرفض ترشّح الرّئيس بوتفليقة؟.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إخوان وشيوعيو الجزائر ينسحبون من "انتخابات بوتفليقة"

كيف تفاعل الجزائريون مع تحرك جميلة بوحيرد ضد بوتفليقة؟