أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام برئاسة الصحفي كرم جبر، قرارًا في 19 أبريل/ نيسان 2022 بحجب 12 موقعًا إلكترونيًا للإساءة وامتهان الأديان، حسب ما أعلن البيان الصادر عن المجلس على صفحته الرسمية.
وقرر المجلس غلق وحجب بعض المواقع الإلكترونية والحسابات والصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات على موقع يوتيوب، وذلك لمخالفتهم الأكواد والمعايير الإعلامية ومواثيق الشرف الإعلامي والصحفي، وكذلك عدم الترخيص وفقًا للقانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام.
برغم أن بعض المواقع تُغلق بحكم قضائي أو بقرار من الهيئة المسؤولة إلا أن غالبية المواقع تُحجب بقرارات من جهة مجهولة، التي هي بطبيعة الحال أجهزة الأمن الوطني
ولم يذكر المجلس أسماء المواقع أو القنوات والصفحات المحجوبة لكنه ذكر أن أسباب الحجب والمنع تعددت من نشر أخبار كاذبة أو مواد محرّضة على العنف والكراهية بما يخالف القانون، أو مواد تنطوي على تمييز بين المواطنين، أو تدعو إلى العنصرية، أو تتضمن طعنًا في أعراض الأفراد، أو سبًا وقذفًا لهم، أو امتهانًا للأديان السماوية أو للعقائد الدينية، أو مواقع تعمل من خارج الجمهورية دون الحصول على ترخيص من المجلس وفقًا للقانون.
ويعد المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، واحدًا ضمن ثلاث هيئات مستقلة ذات شخصية اعتبارية بدأت عملها في عام 2016 طبقًا للقانون رقم 92 لسنة 2016 والذي تم تعديله فيما بعد لقانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018، وتتولى الهيئات الثلاث مسؤولة تنظيم الصحافة والإعلام في مصر، وهم الهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، إلى جانب المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وتتشكل عضويات الهيئات بقرار مباشر من رئيس الجمهورية، ما يجعلهم تابعين بشكل مطلق لأهواء وتوجهات مؤسسة الرئاسة.
الجمهورية الجديدة والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان شعار أم حقيقة؟
بدأت مصر في حجب المواقع الصحفية في مايو/ أيار 2017 إذا ما استثنينا موقع العربي الجديد الذي حُجب في عام 2015، ففي 24 مايو/ أيار 2017 حجبت السلطات المصرية 21 موقعًا إلكترونيًا أغلبها ذات طابع إخباري مثل الجزيرة وعربي 21 والشرق وغيرها، ثم توسعت السلطات لاحقًا في حجب المزيد من المواقع التي تقدم محتوى وخدمات مختلفة حتى وصل عدد المواقع التي تعرضت للحجب إلى 549 موقعًا على الأقل حسب مؤسسة حرية الفكر والتعبير.
وبرغم أن بعض المواقع تُغلق بحكم قضائي أو بقرار من الهيئة المسؤولة إلا أن غالبية المواقع تُحجب بقرارات من جهة مجهولة، التي هي بطبيعة الحال أجهزة الأمن الوطني، وتقدم مؤسسة مسار بالتعاون مع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان رصدًا محدّثًا لأعدد المواقع المحجوبة، بل وتصنيفها حسب المحتوى الذي تقدمه، ووصل عدد المواقع المحجوبة حسب آخر تحديث على الموقع بتاريخ 27 أبريل/ نيسان 2021 إلى 638 موقعًا إلكترونيًا.
يتردد مصطلح "الجمهورية الجديدة" في وسائل الإعلام المصرية منذ العام الماضي، عندما قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي تدشين هذا المصطلح رغبة في بث الآمال في النفوس وتلميحًا إلى بداية جديدة، قد تشمل مصالحات مع التيارات السياسية المختلفة وإيذانًا في انفراجة وشيكة في ملف الحريات السياسية والمدنية، تشمل الإفراج عن عدد من النشطاء والسياسيين والصحفيين وأصحاب الرأي المحبوسين احتياطيًا.
وعكف صحفيو النظام المصري في الجرائد القومية والقنوات الفضائية الرسمية والخاصة على تأكيد هذه الفكرة لدى المتلقين، إلا أن الوقت يمر دون أي مؤشرات حقيقية لانفراجة وشيكة كما يدّعون، أو إرادة سياسية في تغيير السياسات المتبعة والمتمثلة في المراقبة والسيطرة الأمنية الكاملة على المجالات كافة.
يرغب النظام في التقاط الأنفاس وترتيب الأوراق من وقت لآخر، كي يمتص الصدمات ويستطيع الاستمرار بثبات، مقدمًا سيناريوهات بديلة إلى الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يوهمهم بأنه منخرط في تنفيذ الخطة الجديدة، فهي الفترة نفسها التي قرر فيها الرئيس المصري إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، دون أن نرى لها جدوى فعليّ حتى الآن.
كما استحدثت الأجهزة الأمنية دورًا في الساحة السياسية، يقوم به البرلماني السابق محمد أنور السادات، رئيس لجنة الحقوق المدنية والسياسية بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، ومنسق مجموعة الحوار الوطني، المسؤولة عن التوسط لدى أجهزة الأمن للإفراج عن عدد من المحبوسين احتياطيًا على ذمة قضايا رأي، وسمحت للسادات بعقد جلسات حوارية ونقاشات مفتوحة مع الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية فضلًا عن الصحفيين.
جلسة استماع حول حرية الصحافة وتداول المعلومات يعقبها حجب للمواقع!
دعت لجنة الحقوق المدنية والسياسية بالمجلس القومي لحقوق الإنسان عددًا من المواقع الصحفية والحزبية والصحفيين المستقلين إلى جلسة استماع بمقر المجلس تحت عنوان "حرية الصحافة.. حرية الرأي والتعبير وتداول المعلومات" في يوم 30 مارس/ آذار 2022، وشارك في الجلسة رئيس لجنة الحقوق المدنية والسياسية محمد أنور السادات، وأعضاء المجلس جورج إسحاق والدكتورة غادة همام، ورئيس المجلس السفيرة مشيرة خطاب التي أكدت خلال كلمتها في افتتاح الجلسة على أهمية تلك اللقاءات، وأن الحق في المعلومات حق أصيل غير قابل للتفاوض.
يعتبر حجب المواقع دون قرار قضائي أمرًا مخالفًا للدستور والقانون، حيث يحظر الدستور المصري فرض أي نوع من الرقابة على وسائل الإعلام المختلفة
حضر الجلسة عدد من ممثلي بعض المواقع الصحفية والحقوقية والحزبية المحجوبة، مثل موقع مدى مصر والمنصة ودرب ومصر العربية والشبكة العربية، إلى جانب عدد من الصحفيين بالجرائد القومية والخاصة كالأهرام والشروق، وأعضاء من مجلس نقابة الصحفيين، وممثلين عن الصحفيين المستقلين، وناقش الحاضرون في الجلسة أوضاع الصحافة المصرية المتأزمة، وعرضوا بعض المشكلات وأسبابها لمحاولة البحث عن الحلول المتاحة، وتطرق الحديث إلى ملف الحبس الاحتياطي، والصحفيين المحبوسين احتياطيًا، وتحدث الحضور أيضًا عن صعوبات الحصول على التصريحات المطلوبة، وأزمة المواقع الصحفية المحجوبة، وتأثير ذلك على حرية الصحافة وعلى أوضاع الصحفيين.
وفيما بدا للعيان أن الدولة المصرية تتجه نحو تحسين الأوضاع، وتسعى لرفع سقف الحريات وتعير ملف الحريات المدنية والسياسية اهتمامًا حقيقيًا، وتستمع إلى أصحاب القضايا سعيًا إلى الوقوف على أسباب المشاكل والسعي في حلها، إلا أننا نجد قرارًا بحجب عدد جديد من المواقع بعد أقل من شهر على هذه الجلسة، فضلًا عن قضية مقتل الباحث الاقتصادي أيمن هدهود بعد فترة اختفاء قسري وشكوك حول تعذيبه وتورط أجهزة أمنية في قتله، وهو الحادث الذي أودى بجميع سرديات النظام المصري، بخاصة أن هدهود هو أحد أعضاء حزب الإصلاح والتنمية الذي يترأسه محمد أنور السادات، ورغم ذلك لم يشفع له الأمر عند الأجهزة الأمنية في تعاملها العنيف معه.
ويعتبر حجب المواقع دون قرار قضائي أمرًا مخالفًا للدستور والقانون، حيث يحظر الدستور المصري فرض أي نوع من الرقابة على وسائل الإعلام المختلفة، وينص على أن حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقي والمرئي والمسموع والإلكتروني مكفولة في مادتيه رقم 70 و71. وهو الأمر نفسه الذي يقرّه قانون تنظيم الصحافة والإعلام حيث يحظر، بأي وجه، فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية، ويحظر مصادرتها، أو وقفها، أو إغلاقها، للقانون والدستور رأي واضح بيد أن للأجهزة الأمنية رأي آخر.