20-أبريل-2019

شهدت حياة رفعت الأسد مراحل دموية (تويتر)

الترا صوت – فريق التحرير

كشف مصدر قضائي فرنسي أن رفعت الأسد عم رئيس النظام السوري بشار الأسد سيمثل أمام القضاء الفرنسي بتهم متعلقة بغسيل الأموال، وذلك ضمن حملة شنتها دول الاتحاد الأوروبي منذ عام 2011 استهدفت الإمبراطورية المالية التي أنشأها في دول عديدة بعد وصوله إلى أوروبا عام 1984، ضمن صفقة أبرمها مع شقيقه حافظ الأسد عقب فشل المحاولة الانقلابية التي قادها للإطاحة به.

 بسيرة مليئة بالعنف والدموية والابتزاز بنى رفعت الأسد إمبراطوريته المالية، ليجد نفسه بعد أكثر من 35 عامًا ماثلًا أمام القضاء الفرنسي لمحاكمته بتهم مرتبطة بغسيل الأموال

إمبراطورية رفعت الأسد المالية

قالت وسائل إعلام غربية نقلًا عن مصدر قضائي فرنسي إن رفعت الأسد (81 عامًا) سيمثل أمام المحكمة بتهمة امتلاكه لأصول عقارية عبر أموال جرى تحويلها من حكومة النظام السوري، مشيرًة لاشتباه السلطات الفرنسية بامتلاكه عقارات بشكل غير قانوني في عدة دول، وقدّر المصدر قيمة العقارات التي يملكها الأسد في فرنسا بأكثر من مائة مليون دولار.

اقرأ/ي أيضًا: دولة الأسد المتوحشة في مرآة دستورها

هذه ليست المرة الأولى التي تتم ملاحقة الأسد من قبل دول الاتحاد الأوروبي، فقد أمرت الحكومة الإسبانية عام 2017 بمصادرة أملاك عائلة رفعت، وتجميد حساباتها المصرفية في إطار تحقيق كانت تجريه مرتبطة بتهم غسيل أموال، وأشار القضاء الإسباني حينها إلى أن الأسد استلم 300 مليون دولار من المال العام عندما نفاه شقيقه حافظ الأسد خارج البلاد عام 1984، فيما أشارت صحيفة التايمز البريطانية إلى أن القضاء الإسباني أمر بتجميد 76 رصيدًا مصرفيًا تعود لـ 16 شخصًا على صلة بالقضية.

وبعدها بأشهر من العام عينه أمر الادعاء العام البريطاني باتخاذ إجراءات قانونية لتجميد أصول مالية لا تقل عن 300 مليون جنيه إسترليني ترجع للأسد، وكانت تهدف تلك الإجراءات وفقًا للصحف البريطانية لإيقاف عملية بيع الأصول العقارية التي كان يعمل عليها في بريطانيا، وجاءت خطوة تجميد الأصول المالية للأسد حينها على خلفية بدء الحكومة الفرنسية التحقيق بمصدر ثروته.

وكان القضاء الفرنسي قد فتح عام 2013 تحقيقًا جنائيًا على إثر اتهامات وجهت للأسد تقول إنه بنى ثروته من مال سرقه عام 1984، وجرت إدانته بالتهرب الضريبي وتلقي أموال مختلسة، وفي عام 2016 وجهت فرنسا تهمًا جديدة له مرتبطة باختلاس أموال عامة، وتبييض أموال بشكل منظم في إطار تهرّب ضريبي خطير، قبل أن تصدر في العام الذي يليه قرارًا بمصادرة العقارات التي يملكها في فرنسا.

كما أشارت تقارير صحفية عديدة إلى أن ثروة الأسد التي جمعها عندما كان قائدًا لسرايا الدفاع في ثمانينات القرن الماضي تشمل 500 عقار في إسبانيا، إضافة لقصرين في باريس ومزرعة خيول، وقصر بمساحة 7300 متر مربع في مدينة ليون الفرنسية، وقصر ويتنهيرست المصنف كثاني أكبر قصر سكني في لندن، جرى الاستحواذ على معظمها بواسطة شركات تهرب ضريبي مسجلة في بنما وكوراساو وليشتنشتاين ولوكسمبورغ وجبل طارق.

رفعت الأسد.. من الكلية الحربية إلى سرايا الدفاع

يعتبر رفعت الأسد واحدًا من أبرز الأشخاص الذين اعتمد عليهم حافظ الأسد لتدعيم نظام حكمه عقب انقلاب 23 شباط/فبراير 1966 الذي قاده صلاح جديد للاستيلاء على السلطة، فقد كان رفعت الأسد واحدًا من بين عشرات الضباط البعثيين الذين تخرجوا من الكلية الحربية خلال تلك الفترة، وفي عام 1969 شارك الرجل في عملية الانقلاب التي نفذها شقيقه الأكبر تحت ما أصبح يعرف بالحركة التصحيحية، وبعد اتباعه لدورات عسكرية أنشأ رفعت الأسد عام 1971 سرايا الدفاع التي كانت توازي بقوتها الجيش السوري الذي كان خاضعًا لشقيقه مع الضباط المقربين منه.

كان رفعت الأسد معروفًا بين القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي على أنه واحد من أكثر الرجال الدمويين الذين يعتمد عليهم في قمع أي انتفاضة شعبية قد تنشأ ضد نظام حافظ الأسد، ففي كلمة ألقاها خلال المؤتمر القطري السابع لحزب البعث عام 1979، وبعد أن استشهد بنهج الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين والزعيم الصيني ماوتسي تونغ حين قمعا الأصوات المعارضة لهما، طالب بإصدار "قانون التطهير الوطني ليطال كل منحرف عن المسار الوطني ممن يعتنق أي مبادئ هدامة تمس الفكر القومي أو السلامة الوطنية".

الميول العنفية والعدوانية اتجاه أي صوت معارض للنظام القائم حينها دفعت بحافظ الأسد لتكليف شقيقه الأصغر بقمع الحراك الشعبي الذي شهدته مدينة حماة مطلع الثمانينات بقيادة الإخوان المسلمين، ففي شباط/فبراير 1982 أصدر أمرًا لسرايا الدفاع بالتوجه لمحاصرة المدينة، واستمرت الحملة لمدة 27 يومًا ارتكبت فيها السرايا يومها مجزرة حماة التي خلفت عشرات الآلاف من الضحايا والمفقودين حتى يومنا الراهن، فضلًا عن اتهامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في سجن تدمر العسكري سيء الصيت.

امتد طموح رفعت الأسد خلال مسيرته التي قضاها قائدًا لسرايا الدفاع لتشمل الحقول الثقافية والتعليمية، فإضافة للمناصب التي تقلدها مثل رئيس المحكمة الدستورية، تقلد منصب رئيس مكتب التعليم العالي، كما كان في فترة من الفترات نائبًا لحافظ الأسد.

حصل رفعت على شهادتي دكتوراه خلال قيادته لسرايا الدفاع، الأولى في الاقتصاد من موسكو عن دراسة أعدها حول التحولات الاقتصادية في القطاعين الزراعي والصناعي عام 1977. ووفقًا للصحفي الفرنسي باتريك سيل، فإن أطروحة الدكتوراه التي حصل عليها كانت من تأليف أحمد داوود، كما حصل على شهادة دكتوراه ثانية في التاريخ من جامعة دمشق، فضلًا عن الشهادات الفخرية الأخرى، ومنحه وسام بلقب فارس من الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران.

ويذكر سيل أن رفعت الأسد كان "متحمسًا للشباب"، فقد عمل خلال تواجده في السلطة على تدريب الشبان والفتيات على الهبوط بالمظلات، وأسس مجلة عرفت باسم "الفرسان"، ورابطة خريجي الدراسات العليا التي كان يسمح لحملة الشهادة الجامعية بدخولها فقط.

رفعت الأسد يخسر "حرب الأخوين"

المرحلة الأبرز التي كانت في مسيرة رفعت الأسد جاءت عبر محاولة الانقلاب التي نفذها عام 1984 للإطاحة بشقيقه حافظ الأسد من السلطة، وعلى الرغم من تعدد الروايات حول الانقلاب الفاشل الذي نفذته سرايا الدفاع بالاشتراك مع بعض قادة الجيش المتحالفين مع رفعت، فإن سيل يبقى واحدًا من المراجع الموثوقة للحديث عن هذه الفترة، خاصة أنه الصديق الشخصي لحافظ الأسد، حيث أفرد لهذه الحادثة فصلًا كاملًا لهذه المرحلة في كتابه "الأسد: الصراع على الشرق الأوسط".

يقول سيل في الفصل الذي عنونه بـ"حرب الأخوين" إنه بعد إصابة حافظ الأسد بأزمة قلبية أواخر عام 1983 أمر بتشكيل لجنة سداسية لإدارة القضايا اليومية يرد اسم شقيقه الأصغر فيها، وتحت ضغوط من قادة الجيش عقد اجتماعًا للقيادة القطرية لحزب البعث ضم 19 عضوًا بمن فيهم رفعت الأسد، وتم فيه إبراز الأخير كواجهة، وتنحية اللجنة السداسية التي تم تكليفها من قبل حافظ الأسد. إذ كان رفعت الأسد يملك علاقة وطيدة مع الأمير السعودي عبد الله، ولديه صلات طيبة مع الولايات المتحدة، ويشير سيل في كتابه إلى أن الأمير السعودي وواشنطن قد شجعا الشقيق الأصغر على الانقلاب.

ووفقًا لسيل فإن رفعت الأسد كان خلال تلك الفترة يشرف على سرايا الدفاع المؤلفة من 55 ألف مقاتل موزعة بين فرق للدفاع الجوي، وقوات المدفعية، فضلًا عن امتلاكه لمروحيات ناقلة للجنود، وكان جنود السرايا موالين بشكل تام لرفعت لما يتمتعون به من امتيازات ورواتب عالية قياسًا بباقي الضباط والجنود، ووصلت سلطة سرايا الدفاع حينها لمرحلة قيام مظليات السرايا بخلع أغطية الرأس عن النسوة في الشوارع ما دفع بحافظ الأسد للتبرء من هذا الفعل.

اقرأ/ي أيضًا: حافظ الأسد ذاكرة الرعب

بعد تعافيه من أزمته القلبية بدأ حافظ الأسد حملة أمنية لتقليص نفوذ سرايا الدفاع في البلاد بعدما ضاق المدنيون من انتهاكاتها الدائمة، ورد رفعت بإعطاء الأمر لسرايا الدفاع بالتوجه لحصار دمشق نهاية آذار/مارس 1984، وتم تطويق العاصمة بالمدفعية الثقيلة والدبابات والمدرعات، ما دفع حافظ الأسد للتوجه إلى منزل رفعت للاجتماع معه بحضور والدته التي كانت تملك تأثيرًا كبيرًا على الشقيق الأصغر، قبل أن يتوصل الطرفان لاتفاق أفضى نهايًة بخروج رفعت مع قرابة 200 من حرسه الخاص والضباط المقربين منه إلى روسيا، وبعدها اتجه إلى سويسرا للإقامة فيها.

كان رفعت الأسد معروفًا بين القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي على أنه واحد من أكثر الرجال الدمويين الذين يعتمد عليهم في قمع أي انتفاضة شعبية قد تنشأ ضد نظام حافظ الأسد

بهذه السيرة المليئة بالعنف والدموية والابتزاز بنى رفعت الأسد إمبراطوريته المالية، ليجد نفسه بعد أكثر من 35 عامًا ماثلًا أمام القضاء الفرنسي لمحاكمته بتهم مرتبطة بغسيل الأموال والتهرب الضريبي، بعدما استطاع إيقاف تحقيق سويسري قبل عامين متعلق بارتكابه لمجزرة حماة. وتبين جماعة ترايال إنترناشونال الحقوقية أن التحقيق أوقف حينها رغم وجود "أدلة دامغة"، ليكون السؤال الحاضر في الوقت الراهن: هل يحاكم القضاء رفعت الأسد؟ أم أنه سيكون مثل غيره من التحقيقات التي أوقفت سابقًا؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

أعتى 11 كذبة للنظام السوري

أساطير العسكري السوري.. جنس وحب وقوة