تمّ تناول قضية العنصرية ضدّ أصحاب البشرة السوداء في تونس بعد 14 كانون الثاني/يناير 2011، بجرأة لم يسبق أن طرح بها هذا المشكل في سنوات العهد السابق، وتناولت بعض وسائل الإعلام المحلية هذا الموضوع، بحضور شخصيات اعتبارية تونسية من ذوي البشرة السوداء، وذلك إثر بعض الحوادث العنصرية.
يتعرّض البعض من أصحاب البشرة السوداء إلى الهرسلة أو العنصرية بسبب لون بشرتهم إذ يتعامل بعض التونسيين معهم بشيء من التحقير والتعالي
يتعرّض البعض من أصحاب البشرة السوداء إلى الهرسلة أو العنصرية بسبب لون بشرتهم إذ يتعامل بعض التونسيين معهم بشيء من التحقير والتعالي، كما تعرّض بعض التلاميذ إلى حوادث عنصرية في محيطهم المدرسي سواء من زملائهم أو من المعلمين أنفسهم، وقد شهدت الساحة الحقوقية، منذ فترة، فضيحة اعتداءات عنصرية مارستها معلمة ضد تلميذة سوداء البشرة وقد تعاطف الرأي العام مع عائلة التلميذة وندّد بصنيع المعلمة.
ولا تتوقف العنصرية في محيط الدراسة فقط بل تتواصل في محيط العمل والسياسة إذ من النادر أن يتبوّأ صاحب البشرة السوداء أحد المناصب العليا في العمل كما تمّ إقصاؤهم من البرلمان والمشهد السياسي بصفة عامة في السنوات السابقة.
اقرأ/ي أيضًا: هل المغاربة عنصريون؟
ساهمت الثورة التونسية في تعرية بعض المشاكل التي يعاني منها شق من التونسيين والتي كان يمارس عليها التعتيم الإعلامي، ومنها العنصرية ضد أصحاب البشرة السوداء، والذين تقدر نسبتهم بـ15% من تعداد سكان البلاد ويستقرون خاصة بمحافظات الجنوب كقابس وقبلي.
نشط أصحاب البشرة السوداء، بعد الثورة التونسية، في جمعيات حقوقية تنادي بالمساواة بين جميع المواطنين بقطع النظر عن اللون والجنس والدين على غرار جمعيات "آدم للمساواة والتنمية" و"منامتي" كما شهدت صفحات التواصل الاجتماعي تأسيس مجموعات وصفحات تسلط الضوء على مشاغلهم أشهرها "الأسود في بلادو أمّا الحقرة هراتو"، وتعني "صاحب البشرة السوداء في بلده لكن الاحتقار أتعبه".
ويعود اضطهاد أصحاب البشرة السوداء إلى قرون مضت بتونس حتى بعد إلغاء العبودية في البلاد سنة 1846، في عهد حكم "أحمد باشا باي"، ويتميّز الموروث الشعبي التونسي بازدراء "السود" والتحقير من شأنهم سواء عن طريق الأمثال الشعبية ونعتهم بـ"العبيد" أو "الوصفان" في محاكاة سيئة للتاريخ العربي الذي تضمن إساءات بالغة إلى أصحاب البشرة السوداء، ومن أبرزهم عنترة العبسي وبلال الحبشي كما تشهد أشعار المتنبي في هجائه لكافور الإخشيدي على الحقد الأعمى تجاههم.
ساهمت سياسة بورقيبة في تعميق العنصرية ضد أصحاب البشرة السوداء وذلك بترسيخ انتماء تونس إلى الفضاء المتوسطي والابتعاد عن الانتماء الإفريقي
ولم يساعد نجاح بعض الشخصيات التونسية من ذوي البشرة السوداء في الفنّ والأدب كالفنّان صلاح مصباح أو الشاعرة الراحلة ليلى الزيتوني في تجاوز النظرة الدونية سواء من طرف بعض التونسيين أو من طرف الهياكل الرسمية للدولة، التي لم تعط الفرصة إلى اليوم أن يتبوّأ أحد الوزارات تونسي دون النظر إلى لون بشرته.
اقرأ/ي أيضًا: العنصرية في السودان.. قبائل بهويات تائهة
ساهمت سياسة الرئيس السابق الحبيب بورقيبة في تعميق العنصرية ضد أصحاب البشرة السوداء وذلك بترسيخ انتماء تونس إلى الفضاء المتوسطي وإدارة النخبة الفرنكوفونية والتي رأت في التحديث والتشبه بفرنسا سبيلًا للخلاص والتطور للبلاد التونسية، وهو ما جعلها تبتعد عن الانتماء الإفريقي للقارة السمراء ولم تختلف سياسة النظام السابق، نظام بن علي، تجاه محيط تونس الإفريقي، ويلحظ ذلك من خلال المشاركات المحتشمة ضمن الاتحاد الإفريقي وهو ما عزز عقد الفوقية والتعالي بين أبناء الشعب الواحد.
يبقى مشكل أصحاب البشرة السوداء بتونس قضية في غاية الأهمية لأنّها تطرح القضية الأهم: المواطنة، وحقّ الجميع في دولة لا تزال تبني ديمقراطيتها الناشئة ولابدّ من تجاوز كل المعوقات لبناء تونس أخرى بعيون كلّ أبنائها بقطع النظر عن لونهم أو جنسهم أو دينهم.
اقرأ/ي أيضًا: