"هيدا لبنان هيدا نحنا هيدا جونا"
كعادتهم بين الحين والآخر، يخرج أصحاب المعالي، والسلطة، في هذا البلد الحبيب، لبنان، بمشاهد درامية، ولكنها كوميدية، لتسلية هذا الشعب الكئيب. وللأمانة، فإنّهم في كلّ مرة ينجحون بإضحاك الشعب، عليهم، وعلى نفسه. أخيرًا، تناولت السوشيال ميديا على مدار ساعات، فيديو تناوب فيه نائبان "محترمان" على شتم أحدهما الآخر. دونما أي اعتبار لكاميرا أو تسجيل أو أي حضور إعلامي. وكما أتى الخبر، قبل التسجيل، فإن نائبًا "عونيًّا" تلاسن مع نظيره "المستقبلي" ، متّهمين بعضهم البعض بالسرقة. والله يعلم بأن الاثنين على حق ولا أحد يشكّك في ما قالاه. لكن هذه الاتّهامات لم تأتِ في سياق محاسبة (لاسمح الله) أو محاكمة علنية. فالموضوع أبسط من ذلك، فعلى ذمّة الرّاوي، كانت جلسة للجنة الأشغال، ليتحوّل الحوار إلى "سد بوزك" "لا، إنت سد نيعك" سرقتو الكهربا "إنت ومعلمينك السراّقين".
هذا الكلام ليس مقتطعًا من حديث عابر في الشارع أو في القهوة أو أو. لا بل هذا مثال بسيط لما يدور في جلسات سياسيينا الكرام، وهم في صدد مناقشة قضايا هذا البلد. والمضحك في الموضوع، أنّ من كان يفصل بين النائبين ليحول دون تعاركهما بالأيدي هو النائب علي عمّار، نائب "حمش" آخر، نعرفه جميعنا، فهو الأخبر بهكذا مواقف. كيف لا، وهو من محبّي الطهارة وطهارة "النّيع" على وجه الخصوص، إذ أنّه لا يكلّ من الطلب إلى زملائه بطهارة "النّيع" إذا ما أرادوا الحديث عن حزبه. ولمن لا يعرف "النّيع" سيداتي سادتي فهو نفسه "البوز". البوز، الذي سبق لأحد نواب الشعب أن طلب من زميله وزير العدل آنذاك، سدّه. ليعود في سنين لاحقة ويطلب من وزير المالية هذه المرة "سد بوزه" أيضًا. أنياع بأنياع.
وأحد المشاركين أيضًا في الجلسةّ ــ النكتة التي تحوّلت أو كادت تتحوّل إلى جلسة مصارعة، هو النائب عاصم قانصوه، النائب البقاي الّذي رأى في زميله الطرابلسي،في إحدى الجلسات، "كلبًا" ليعود ويندم فيم بعد معتبرًا "بأنّ الكلب وفي" وهذا ما لا ينطبق على زميله. هؤلاء هم المتحاورون باسمنا، نحن اللبنانيين؟ طبعًا لا، فقانصوه بعثي.
ومتابع السياسة في هذا البلد يعلم بأن هكذا حوارات باتت أكثر من عاديّة، خصوصًا بعدما وصل "الآكشن" والتشويق في أحد البرامج السياسية، إلى تعارك فعلي، بالأيدي بين "بعثي" و"مستقبلي" آخر. الأمر الّذي اضطرّالمذيع في ذلك الوقت لأخذ وقت مستقطع ريثما ينهي ضيفيه "مصارعتهما.علمًا أن الجميع بات يعرف كم يهوى مقدّمو البرامج والإعلاميّون، بشكل عام، بل يتمنّون سرّاً احتدام النقاش و"توليعه" لاستقطاب عدد أكبر من المتابعين. وفيصل قاسم هو خير دليل على ذلك، ويخيّل إليك لوهلة، بأن الرجل يصب الزيت على النار وكأنه ماء، ليدّعي المفاجأة فيم بعد بأنها نارًا وكادت تحرقه. لكنها فعلت فعلها وأشعلت التفاعل الجماهيري اللاهث وراء الآكشن والسباب و"الهبل" الاستعراضي. أو مثلًا كالمذيعة التي تقرر بكامل وعيها، أن تستضيف إسلاميًا متشددًا، لا يرى سبيلاً للتشبه بالرسول إلاّ ارتداء نعله و"دشداشته"، ثم تستغرب أنه ليس نسويًا.
اقرأ أيضًا: فيصل قاسم.. اهدأ يا رجل!
والحق أن شتائم السياسيين لبعضهم البعض تسلّي الشعب فيكفي أن تمرعلى مقاطع الفيديو المنشورة، على اليوتيوب، لمواقف من هذا النّوع لتعرف مدى إقبال الناس على هكذا مشاهد.
المشكلة فيم يحصل، ليس حقيقة بأن السياسيين يشتمون بعضهم البعض، فهم محقّون بكل ما يقولونه. المشكلة الحقيقية بأن هذا الشعب يهلّل ويناصر ويزهو بقائده إذا ما أهان الطرف الآخر. وعلى المقلب الآخر يحدث الأمر عينه. فننتهي دومًا بفريقين كل منهما يرى أنّه "أصلح" وبأنه صاحب الأيادي البيضاء في هذا الوطن وبأن كائنًا من كان لا يجرؤ على النيل منه ومن "شرفه". وللأمانة يجب أن نكون شاكرين لهكذا أحداث وهكذا مواقف، لأنّها في الحقيقة مرآة، تعكس ما تنضح به هذه الشخصيّات من "وسخ" امتلأت به حتّى فاض على أفواهها.ولكن ما من أحد يريد أن يرى.
اقرأ/أيضًا: أبرز 10 فضائح فساد في لبنان