17-يونيو-2018

بوتفليقة غائب منذ سنوات، ويُستعاض بصورته لحضول المحافل! (صحيفة النهار الجزائرية)

ألترا صوت - فريق التحرير

خطب الرّئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في مدينة سطيف (300 كيلومتر إلى الشّرق من الجزائر العاصمة) عام 2012، قائلًا إنّه وجيله "قدّم ما عليه"، ملخّصًا ذلك بعبارة: "جنانّا طاب"، وتعني أن بستانه نضجت فاكهته. وهو ما جعل الجزائريين يعتقدون أنّ الرّجل سيدعو إلى انتخابات رئاسية مسبقة أو سيُعرض عن الترشّح في انتخابات 2014 على الأقلّ. وترتّبت على هذا التوقع تحرّكات للطّبقة السّياسية، في مسعى إيجادها بديلًا للرّئيس الذي سينسحب بسبب بوادر المرض حينها.

بقيت طبيعة مرض بوتفليقة غامضة، وتكتم عليها طويلًا المحيط الرئاسي بقيادة شقيقه سعيد الذي يُعتقد أنه الحاكم الفعلي للبلاد

غير أنّ الرّجل ترشّح بعد سنتين، ولم يجد حرجًا هو ومحيطه في ألا يظهر خلال الحملة الانتخابية، إذ ناب عنه الوزير الأوّل عبد المالك سلّال، ولا في إكمال كلمة أداء اليمين الدّستورية، ولا في الظّهور لاحقًا فوق كرسيّ متحرّك.

اقرأ/ي أيضًا: بوتفليقة يتلقّى رسالة شعرية.. هل مرضك قدرنا؟

بقيت طبيعة مرض الرّئيس غامضة. كما تكتّم المحيط الرّئاسي على كثير من المرّات التي سافر الرّئيس فيها إلى باريس للعلاج، ما كان سببًا في انتشار شائعة وفاته. وكان محيطه -بقيادة شقيقه ومستشاره الخاصّ سعيد بوتفليقة، إذ يعتقد الجزائريون في أنه الحاكم الفعليّ- يتفادى الإشاعة بترتيب لقاءات تجمع الرّئيس بشخصيات وازنة من الدّاخل والخارج يحرص التّلفزيون الرسميّ على بثّ ما لا يزيد عن دقيقة منها، تجنّبًا لأن يظهر في حركات الرئيس ما يؤكد عجزه. المهم أن يظهر حيًّا.

في ظلّ هذا الواقع، بادرت شخصيات وأحزاب معارضة بمطالبة المجلس الدّستوريّ بتطبيق المادّة 88 من الدّستور الجزائري، الذي قام بوتفليقة نفسه بتعديلها عام 2008، بما يسمح له بالترشّح لعهدات مفتوحة، والتي تقضي بالدّعوة إلى انتخابات رئاسية مسبقة في حالة ثبوت مرض الرّئيس، أو حدوث ما يجعله عاجزًا عن أداء مهامّه.

قوبلت هذه الدّعوات برفض وسخرية الحكومة ومحيط الرئيس والأحزاب الموالية له. وممّا يذكره الجزائريون من هذه الرّدود، ما قاله عمر غول، الوزير السّابق للأشغال العمومية ورئيس حزب "تجمّع أمل الجزائر"، إنّ "الرّئيس يحتاج إلى عقله في ممارسة مهامّه، لا إلى رجليه ويديه. وأنا أشهد على أنّ عقل الرّئيس شغّال"!

كان موقع التّواصل الاجتماعي فيسبوك النافذة الوحيدة، التي استغلّها الجزائريون، خاصّة الشّباب، في التعبير عن سخريتهم من الوضع، الذي آلت إليه البلاد ي ظلّ رئيس مريض لم يخاطبهم منذ عام 2012، فراحوا يطلقون صورًا ورسومات ومنشورات تتميّز بروح الفكاهة والطّرافة، منها: "بعد صراع من بوتفليقة المرض يموت".

لم يتوقّف هذا التّعاطي الشّبابيّ على فيسبوك، خاصّة في ظلّ إقدام بعض الوجوه والهيئات الحكومية والمقرّبة من الحكومة، على التّعامل مع صورة الرّئيس على أنّها هو نفسه. إذ أقدمت نخبة من نقابة المحامين على تقديم التحيّة لصورة الرّئيس في شكل مصافحة قبيل أحد اجتماعاتها. والتفت رئيس الحزب الحاكم جمال ولد عبّاس إليها، وطلب العفو منها لأنّه سيقوم بالردّ على بعض معارضيه بلغة خشنة، وتصفيق القاعة التي اجتمع فيها وزير الدّاخلية نور الدّين بدوي برؤساء البلديات، حين قام أحدهم بإزاحة السّتارة عن صورة الرّئيس!

آخر هذه الخرجات، التي أثارت مستخدمي فيسبوك الجزائريين كانت في الـ27 من رمضان المنصرم، حيث قدّم رئيس مجلس الأمّة عبد القادر بن صالح، ورئيس البرلمان سعيد بوحجّة، والوزير الأوّل أحمد أويحي -يُرتّبون دستوريًا على أنّهم أهمّ ثلاثة وجوه بعد رئيس الجمهورية- لوحة مرسومة للرّئيس بوتفليقة، للفائزين في حفل توزيع جوائز مسابقة الجزائر الدّولية في حفظ وترتيل القرآن بمناسبة ليلة القدر، وبثّه التلفزيون الحكومي، حيث راح الحاضرون يعاملونها على أنّها هي الرّئيس نفسه.

تستخدم صورة بوتفليقة بديلًا عنه في حضور المناسبات والمحافل، مع مرضه الذي أبقاه عاجزًا عن الحركة منذ 2012!

 كتب الأكاديميّ لونيس بن علي في تدوينة على فيسبوك: "في الجزائر، صورة داخل كادر تحكم أربعين مليون شخص فاقدي المواطنة. غدًا سأرسل صورتي إلى المدرّج لتحرس امتحانات الاستدراك".

اقرأ/ي أيضًا: عيد ميلاد بوتفليقة على فيسبوك.. وليمة للسخرية

ويقرأ مراقبون هذا السّلوك من زاوية محاولة المحيط الرّئاسيّ جعل الجزائريين يتصالحون مع مرض الرّئيس وغيابه عن المشهد، ممهدين بذلك لأن يجعلوا ترشيحه لعهدة رئاسيّة خامسة خلال انتخابات نيسان/أبريل 2019 أمرًا عاديًا. وبذلك ستكون الحملة الانتخابية الرّئاسية الوحيدة في التّاريخ، التي ستنوب فيها صورة المترشّح عنه في الحضور.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عصر بوتفليقة.. من تقديس الوطن إلى تقديس الفرد

أجنحة الحكم في الجزائر.. تناقضات مقصودة