09-مارس-2019

قد تحتاج عمليات إعادة إعمار سوريا عشرات السنين! (رويترز)

ألترا صوت - فريق التحرير

برزت في الآونة الأخيرة تقارير جديدة تتحدث عن الدور الذي من الممكن أن تلعبه لبنان في عملية إعادة إعمار سوريا في المرحلة المقبلة، في محاولة من النظام السوري للالتفاف على حزمة العقوبات الدولية التي فرضت عليه اعتبارًا من عام 2011، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان الممارسة ضد المعارضين لرئيس النظام السوري بشار الأسد، حيثُ أدرجت عشرات الأسماء والكيانات الاقتصادية المقربة من النظام السوري على لائحة العقوبات الدولية.

من 2017، بدأ لبنان يجهز نفسه للعب دور أساسي في عملية إعادة إعمار سوريا التي تقدر تكلفتها بأكثر من 400 مليار دولار أمريكي

طموح لبناني في عملية إعادة إعمار سوريا

اعتبارًا من عام 2017 بدأ لبنان يجهز نفسه للعب دور أكبر في عملية إعادة إعمار سوريا، من خلال اتجاهه لتأسيس شركات استثمارية داخل البلد الذي تقدر كلفة إعادة إعماره بأكثر من 400 مليار دولار أمريكي. وسرعان ما تبلورت هذه الرؤية بتأسيس لبنان لشركات استثمارية في مجال المعلومات والاتصالات والإكساء والاستيراد والتصدير. 

اقرأ/ي أيضًا: خطة إعادة إعمار سوريا.. منفعةٌ للحلفاء وإمعانٌ في التمييز والاضطهاد

ووفق تقرير لموقع "الاقتصادي" يعود إلى نيسان/أبريل الماضي، فإن المستثمرين اللبنانيين استحوذوا على الحصة الأكبر من الشركات التي استثمرت في سوريا خلال العام الماضي، وكان من بينها شركة "عبيدي وشريكه للتجارة والمقاولات"، وهي شركة أسست من قبل مستثمرين إيرانيين. 

كما تحدث تقرير منفصل عن منح النظام السوري تراخيص لخمس مشروعات لشركة "فتوش" اللبنانية، وهي شركة أسست عام 2016، وحصلت في 2017 على تراخيص الاستثمار في سوريا، من بينها مشاريع متعلقة بقطاعي الطاقة والفوسفات.

ميناء طرابلس
يمكن لميناء طرابلس اللبناني أن يلعب دورًا لوجستيًا في عملية إعادة إعمار سوريا

الدور الذي يرى لبنان أنه يمكن لعبه في عملية إعادة الإعمار، لم يكن جديدًا كما يتضح من تقرير لصحيفة فايننشال تايمز حديثًا، ويأتي ذلك بناءً على تصريحات لمسؤولين لبنانيين أكدوا سابقًا أنه يمكن للبنان لعب دور كبير في إعادة الإعمار بسبب "القدرات الجغرافية والمالية والبشرية"، ومرونة لبنان في التعامل مع الشركات الأجنبية.كما تشير بعض التقديرات والأقاويل إلى إمكانية حصول لبنان على عقود في إعادة إعمار سوريا تصل إلى 200 مليار دولار أمريكي.

عين الأسد على ميناء طرابلس

ووفقًا لتقرير فاينشال تايمز، فإن ميناء طرابلس الذي يبعد نحو 35 كم عن الحدود السورية، يمكنه أن يلعب دورًا لوجستيًا في عملية إعادة الإعمار، وهو ما يراه مراقبون محاولة من النظام السوري للالتفاف على حزمة العقوبات الدولية المفروضة عليه، وطالت العديد من رجال الاقتصاد المقربين من الأسد نفسه، بينهم رجل الأعمال رامي مخلوف ابن خال الأسد، وسامر فوز الذي بدأ اسمه يظهر إلى الساحة بشكل كبير خلال الفترة الماضية.

وعلى الرغم من أن عملية إعادة الإعمار في سوريا قد تتطلب نصف قرن، بحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة، وإصرار دول الاتحاد الأوروبي بالاشتراك مع الولايات المتحدة على ربط عملية إعادة الإعمار بالوصول لحل سياسي؛ إلا أن النظام السوري يحاول إيجاد خيارات بديلة، والذي يبدو أن ميناء طرابلس هو الخيار الأنسب من خلال شركات صينية ولبنانية للبدء بمثل هذه العملية.

ويتوافق الدور الذي من الممكن أن يلعبه ميناء طرابلس في عملية إعادة الإعمار مع رؤية النظام السوري، وحليفته المباشرة بكين، فقد ذكر التقرير وصول حاوية تعود إلى شركة الشحن "كوسكو" المملوكة من الحكومة الصينية، إلى الميناء الذي يقع شمال لبنان.

إعادة إعمار سوريا
ثمة مخاوف من استغلال أموال إعادة الإعمار لزيادة ثراء رجال الأعمال المقربين من النظام السوري

ورغم أن الصين لم تبرم أي اتفاقيات إعادة إعمار مع سوريا، إلا أنها تسعى لأن يكون لها موطئ قدم في منطقة الشرق الأوسط من بوابة لبنان، لكن الاستثمارات الكبيرة التي تطمح بيروت لتوقيعها مع بكين تصطدم بعراقيل عدم التوافق على تشكيل حكومة لبنانية بين الأحزاب اللبنانية.

مخاوف المجتمع الدولي مع إعادة الإعمار

هذا وثمة مخاوف مشروعة من استغلال الأموال القادمة من الخارج لإعادة الإعمار لزيادة ثراء رجال الأعمال المقربين من النظام السوري، إذ يتقاسم رجال الأعمال المقربين من الأسد الاستثمارات في سوريا، فضلًا عن توقيع النظام السوري نهاية العام المنصرم اتفاقية تعاون اقتصادي طويلة الأمد مع طهران.

وكان من بين الاتفاقيات التي جرى إبرامها بين النظام السوري وطهران، اتفاق على تأسيس بنك مشترك يكون مقره دمشق، على أن يجري التبادل الصرافي بالعملة المحلية. ويرى النظام السوري أن هذه الاتفاقيات ستساهم بتسهيل التبادلات التجارية بين البلدين، وستعمل على تقديم تسهيلات للشركات الإيرانية في مجال إعادة الإعمار والاستثمار.

لكن تعجيل عملية إعادة إعمار البلاد التي تعرف عدد من مدنها دمارًا بنسبة 90%؛ تواجه رفضًا من الأطراف الفاعلة في الشأن السوري ما لم يكن هناك حل سياسي للأزمة السورية، وهو ما دفع النظام السوري للتوجه إلى ميناء طرابلس.

إعادة إعمار سوريا
ستكلف عمليات إعادة إعمار سوريا ما لا يقل عن 400 مليار دولار أمريكي

يسعى النظام السوري لأن يكون ميناء طرابلس منفذًا أمام الأطراف الدولية للشروع بتنفيذ عملية إعادة الإعمار، وذلك عبر حليفه الأساسي حزب الله اللبناني الذي يسيطر على مفاصل القرار السياسي في لبنان، ويقدم الدعم العسكري واللوجستي للنظام السوري منذ آذار/مارس 2011.

اللافت أكثر في عملية إعادة إعمار سوريا، أن الاتحاد الأوروبي، الذي فرض مؤخرًا عقوبات جديدة على سبعة مسؤولين سوريين، ليصل عدد الأسماء المفروض عليها عقوبات اقتصادية لـ277 مسؤولًا ورجل أعمال، يحاول أيضًا الالتفاف على العقوبات التي أصدرها بنفسه، عن طريق إنشاء شركات خارجية ذات ممثلين وهميين للمشاركة في إعادة الإعمار، وذلك بحسب ما أوردته تقارير صحفية.

وعلى ما يبدو فإن هذه المساعي الأوروبية الخفية، الغرض منها عدم ترك الكعكة كاملة لإيران وروسيا والصين، التي يبدو أن النظام السوري برضى أو بإجبار، يفضل الشراكة مع هذه الدول في إعادة الإعمار.

رغم العقوبات المفروضة على النظام السوري، فقد يلعب لبنان دورًا مهمًا في عملية إعادة الإعمار من بوابة ميناء طرابلس

على هذا الأساس، فإنه رغم العقوبات المفروضة على النظام السوري، فقد يلعب لبنان دورًا مهمًا في عملية إعادة الإعمار من بوابة ميناء طرابلس، الذي فيما يبدو سيكون الوجهة الوحيدة لجميع الأطراف الدولية الفاعلة والمنقسمة في الشأن السوري، لكن يبقى للنظام السوري الدور الأبرز في تحديدها، ويؤكد بالوقت ذاته على عدم تأثره بالعقوبات المفروضة عليه، أو تشديد المجتمع الدولي على ربط ملفي اللاجئين والحل السياسي بعملية إعادة الإعمار.

 

اقرأ/ي أيضًا:

خرائط موسكو في ملف "إعادة إعمار" سوريا.. هنا طهران بعيدًا عن الجولان

الاستيطان الطائفي من لبنان والعراق.. خطة إيران لشقلبة ديموغرافية سوريا