27-سبتمبر-2024
إرث بايدن

رجل يشاهد بالمنظار تصاعد الدخان عقب غارة إسرائيلية استهدفت صور بجنوب لبنان (رويترز)

لا تزال الجهود الأميركية الرامية إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة يصيبها الجمود بعد نحو عام من العدوان الإسرائيلي، فيما تواصل جماعة "أنصار الله" الحوثي مهاجمة ممرات الشحن في البحر الأحمر، والآن وعلى الرغم من الدبلوماسية المكثفة التي تقودها الولايات المتحدة، يتصاعد خطر تحول مواجهة "إسرائيل" و"حزب الله" في لبنان إلى حرب إقليمية شاملة، وفقًا لتقرير من إعداد وكالة "رويترز".

ويقول محللون ودبلوماسيون تحدثوا لـ"رويترز"، إنه مع اقتراب موعد انتهاء ولاية الرئيس الأميركي، جو بايدن، فإنه يواجه سلسلة من الأزمات في الشرق الأوسط من المرجح أن تستعصي على الحل قبل مغادرته منصبه في كانون الثاني/يناير المقبل، ومن المؤكد تقريبًا أنها ستلطخ إرثه في السياسة الخارجية.

حدود قوة ونفوذ واشنطن في الشرق الأوسط

وبحسب "رويترز"، فقد عانى بايدن على مدار العام الماضي من أجل تحقيق التوازن بين دعم "إسرائيل" ضد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في غزة و"حزب الله" في لبنان، وبين محاولته احتواء الخسائر بين المدنيين، ومنع اتساع نطاق الصراع في الشرق الأوسط.

عانى بايدن على مدار العام الماضي من أجل تحقيق التوازن بين دعم "إسرائيل"وبين محاولته احتواء الخسائر بين المدنيين، ومنع اتساع نطاق الصراع في الشرق الأوسط

وواجه مرارًا أوجه القصور في هذه الاستراتيجية، كان آخرها رفض "إسرائيل"، أمس الخميس، لمقترح تدعمه الولايات المتحدة بإعلان هدنة مدتها 21 يومًا عبر الحدود اللبنانية، بينما تواصل "إسرائيل" شن ضربات أدت لاستشهاد مئات اللبنانيين.

وتعليقًا على ذلك، قال نائب ضابط المخابرات الوطنية السابق لشؤون المنطقة في الحكومة الأميركية، جوناثان بانيكوف، لـ"رويترز" إن: "ما نراه هو حدود قوة الولايات المتحدة ونفوذها في الشرق الأوسط".

ولعل المثال الأكثر وضوحًا على هذا الاتجاه، هو إحجام بايدن عن ممارسة قدر كبير من نفوذ واشنطن، باعتبارها أكبر مورد للأسلحة لـ"إسرائيل" والدرع الدبلوماسي لها في الأمم المتحدة، لإخضاع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لإرادتها، كما تقول "رويترز".

وعلى مدى ما يقرب من عام، سعت الولايات المتحدة دون جدوى إلى التوسط في اتفاق بين "إسرائيل" و"حماس" لوقف القتال وتبادل المحتجزين في قطاع غزة، فيما تقول مصادر مطلعة على الأمر إنه لا يوجد أي تقدم وشيك، وسط مسارعة المسؤولين الأميركيين إلى إلقاء اللوم في فشل المفاوضات على "حماس"، لكن بعضهم أشاروا أيضًا إلى تغيير نتنياهو للمطالب.

وخلال الزيارات التسع التي قام بها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى المنطقة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وجد الدبلوماسي الأميركي نفسه على خلاف عدة مرات مع كبار القادة الإسرائيليين.

وفي إحدى المناسبات في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، حث بلينكن في مؤتمر صحافي "إسرائيل" على وقف هجومها العسكري في غزة للسماح بدخول المساعدات إلى الجيب الفلسطيني، وبعد لحظات، رفض نتنياهو الفكرة في بيان أذاعه التلفزيون، وقال فيه إنه أوضح لبلينكن أن "إسرائيل" ستواصل عملياتها "بكل قوة".

مصداقية الولايات المتحدة على المحك

أشاد قادة غربيون بنجاح بايدن في تنشيط التحالفات الرئيسية للولايات المتحدة، بما في ذلك مع حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وكبار الشركاء الآسيويين، بعد أن شكك سلفه، دونالد ترمب، في قيمة مثل هذه العلاقات.

ووفقًا لـ"رويترز، فقد تجلى ذلك في نيسان/أبريل الماضي، عندما حشدت إدارة بايدن الدعم من الشركاء الإقليميين والأوروبيين للمساعدة في الدفاع عن "إسرائيل" في مواجهة هجوم إيراني بطائرات مسيّرة وصواريخ.

لكن بعض الدبلوماسيين الأجانب، يقولون إن تعامل بايدن مع الأوضاع في الشرق الأوسط المضطرب، وخاصة في طريقة الاستجابة لحرب غزة، أضعف مصداقية الولايات المتحدة على الساحة الدولية.

وقال أحد المسؤولين الغربيين: "كان الخطأ الأصلي الذي ارتكبه الرئيس بايدن هو القول إن الولايات المتحدة ستقف إلى جانب إسرائيل مهما كلف الأمر. ولم نتعافَ من ذلك".

وذكر دبلوماسي في الشرق الأوسط أن الدبلوماسية الأميركية "فشلت في ترهيب الخصوم"، مشيرًا إلى أن بايدن أرسل أصولًا عسكرية إلى المنطقة بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، كتحذير لإيران والجماعات المتحالفة معها، لكن يبدو أن ذلك لم يردعها على الإطلاق.

ووفقًا لـ"رويترز"، يواصل الحوثيون في اليمن الهجمات الصاروخية على الشحن التجاري في البحر الأحمر على الرغم من إرسال بايدن وغيره من القادة الغربيين السفن الحربية لتعزيز الحماية.

سيرث خليفة بايدن أزماته الحالية

وقال نائب مساعد وزير الدفاع السابق لشؤون الشرق الأوسط في عهد إدارة ترمب، مايكل مولروي، "كان بإمكانه أن يكون أسرع في الرد وأكثر صرامة في مواجهة هذه الهجمات التي يشنها وكلاء".

ورفض المسؤولون الأميركيون مرارًا مثل هذه الانتقادات قائلين إن دبلوماسيتهم أحدثت فرقًا نحو الأفضل، وإن الانتشار العسكري الأميركي في المنطقة ساعد حتى الآن في تجنب اتساع نطاق الحرب في غزة إلى مواجهة إقليمية.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أخبرت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، مجلس الأمن بأن "الدبلوماسية تتطلب عملًا شاقًا وجهدًا، وللأسف تستغرق وقًتا. وهي لم تفشل".

ومع ذلك، تحطمت آمال بايدن منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، حيال ما كان يروج له ذات يوم على أنه إنجاز محتمل في السياسة الخارجية، وهو تطبيع العلاقات بين "إسرائيل" والسعودية إلى جانب ضمانات أمنية أميركية للرياض.

وفي الأمم المتحدة، حيث أيد مجلس الأمن في حزيران/يونيو الماضي مقترح بايدن للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة مقابل إطلاق سراح المحتجزين، هناك دلائل على أن الصبر على الدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط ينفد.

وقال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أمس الخميس، إن الجهود المبذولة لوقف العنف في الشرق الأوسط تمثل "عامًا من الفشل"، وإنه إذا لم تتم محاسبة الحكومة الإسرائيلية، فإنها لن تستمع إلى القانون الدولي "، وإنها "لا تستمع إلى أصدقائها، بما في ذلك الولايات المتحدة".

ووصف مسؤول المخابرات السابق الذي يعمل الآن في مؤسسة مجلس أتلانتيك البحثية في واشنطن، بانيكوف، جوهر معضلة إدارة بايدن في غزة على النحو التالي "الخطة (أ) لم تنجح منذ شهور. فما هي الخطة (ب)؟".

ومع تهديد "إسرائيل" بشن هجوم بري في لبنان، ومواصلة الضغط على "حزب الله" من أجل إعادة آلاف الإسرائيليين إلى منازلهم في الشمال، فإن الأزمة هناك قد تتفاقم أيضًا.

وتضيف "رويترز" أنه قد يكون لمسار الصراع في لبنان تداعيات أخرى ليس فقط على إرث بايدن، لكن أيضًا على الحملة الرئاسية لنائبته، كاملا هاريس، مشيرةً إلى شعور بعض الناخبين الديمقراطيين التقدميين بالغضب فعليًا من الدعم الأميركي الراسخ لـ"إسرائيل".

وتختم "رويترز" تقريرها بالقول، الأنظار الآن متوجهة إلى نتنياهو لمعرفة ما إذا كان سيستجيب لدعوات بايدن لتجنب المزيد من التصعيد في لبنان، مضيفة أنه مع بقاء أربعة أشهر فقط لبايدن في منصبه، يتوقع المحللون أن يرث خليفته الأزمات الحالية.