08-مايو-2018

ورد اسم عبدالله مالك ضمن قائمة فوربس لأفضل 30 رائد أعمال في أفريقيا لعام 2018 (Medium)

أن تولد مطلع تسعينات القرن العشرين، في حي "باب الواد"، أكثر الأحياء الشّعبية في الجزائر العاصمة صناعةً للوعي الفنّيّ والوطنيّ والسّياسيّ والرّياضيّ، خلال زمني الاحتلال والاستقلال؛ يعني ذلك أنّك ستفتح عينيك على جمر يستعر في يوميات الإنسان والمكان. فقد كان الحيّ حاضنةً لأنصار المشروع الإسلاميّ المتطرّف، ثمّ وكرًا لممارساتهم العنيفة على مدار عشرية من الزّمن.

في مطلع التسعينات، ولد عبدالله مالك في حي الواد بالعاصمة الجزائرية، والذي سيصبح لاحقًا راعيًا للمؤسسات النائشة في الجزائر

في هذه البيئة والظّروف، ولد عبدالله مالك، الذي سيصبح لاحقًا راعيًا للمؤسّسات النّاشئة في الجزائر، فكأنّ الأقدار كانت تُهيّئه ليكون بديلًا للشّاب الجزائري، الذي أعطى ظهره للحياة واستقبل الموت فاعلًا ومفعولًا به، "أليس غريبًا أن تعيش طفولتك وسط الخراب والتّخريب، لكنّك تجد نفسك مبرمجًا على البناء؟ إنه سؤال جدير بالانتباه، إذا راعينا الظروف التي كبرت فيها"، هكذا يقول.

اقرأ/ي أيضًا: رجال الأعمال في الجزائر.. أثرياء الإسمنت

مع بلوغه سنّ الـ13، وهو الزّمن الذّي انحاز فيه الفضاء الجزائري إلى خيار السّلم والمصالحة، ممّا أعاد لليوم واللّيل الجزائريين نبضهما الآمن، انخرط عبد الله مالك في مسعى تعلّم التكفّل بنفسه، من خلال مهن كثيرة كانت تبدو كبيرةً عليه: "كان محيطي يرى ما كنت أقوم به قسوةً في حقّ طفولتي، وكنت أراه طريقي إلى اكتساب روح المبادرة وأبجديات الاعتماد على النّفس. وهو ما ساعدني لاحقًا على أن أقف أمام الصّعوبات والعراقيل والإكراهات بروح التّحدّي لا الانهزام".

بالموازاة، كان عبدالله مالك، ضيف حديث "ألترا صوت"، يدرس بشغف ومثابرة، حتى افتكّ شهادة الأهلية العامّة، والتحق بجامعة باب الزوّار متخصّصًا في الرّياضيات التّطبيقية. يقول عبدالله مالك: "أؤمن بأنّ العقل الرّياضي ضروريّ لجعل المغامرات الإنسانية الكبرى، واقعية ومضبوطة الإحداثيات. فإطلاق تجربة تجارية ما شبيهة بإطلاق صاروخ، كلّ خطأ فيها مهما كان صغيرًا في تحديد إحداثية السّقوط يتسبّب في فشل وصوله إلى الهدف المطلوب".

يعتقد مالك أن الأهم من توفير المال لضمان المستقبل، استثماره (تويتر)
يعتقد عبدالله مالك أن الأهم من توفير المال لضمان المستقبل، استثماره (تويتر)

مع ذلك، يعترف عبد الله مالك بفشله في تجربتين وصفهما بالرّائدتين. يقول: "كان ذلك لأسباب تتعلّق بي أنا شخصيًا، وأخرى تتعلّق بطبيعة البيئة الجزائرية. لكنّ روحي الإيجابية جعلتني أتعامل مع فشلي بصفته نجاحًا، لأنّني تعلّمت منه دروسًا ثمينةً؛ منها ألا أكفر بحلمي في حالة فشل خطوتي الأولى فيه، فما توصّل توماس إديسون إلى إشعال المصباح إلا بعد التّجربة الـ100".

عبدالله مالك: "الثقافة السّائدة لدى الجزائري تقوم على أن ضمان المستقبل يكون بتوفير المال لا باستثماره وخلق فرص مالية جديدة"

يؤمن عبد الله مالك بأن ريادة الأعمال والشّركات النّاشئة لا تأتي من العدم، "فهناك دومًا نقطة انطلاق على الشّخص الرّاغب في النّجاح أن يكون عندها في الوقت وبالطّريقة المناسبين". يشرح فكرته: "لا يكفي أن تباشر خطوةً، بل عليك أن تعرف متى وكيف وأين ومع من ولماذا تخطو، فقد بات الذّكاء العالمي كلّه متوجّها إلى إحراز المال، ومن السّذاجة أن تشتغل في هذا الحقل بروح الرومانسيّ الحالم، الذي يعتمد على الرّغبة والحلم وحدهما".

اقرأ/ي أيضًا: تعرّف على أبرز 4 صفات لرواد الأعمال الناجحين

سألنا عبدالله مالك إن كانت البيئة الجزائرية تملك القدرة على استيعاب طموح الجيل الجديد في مجال المال والأعمال، فقال إنه قبل الحديث عن مدى توفّر الإمكانيات المالية والتّقنية ومشاريع الدّعم المقترحة من طرف الحقل الاستثماري حكوميًا كان أم خاصًّا، "علينا الحديث عن مدى انتشار ثقافة الاستثمار في الوسط الشّعبي"، مضيفًا أن "الثقافة السّائدة لدى الجزائري تقوم على أن ضمان المستقبل يكون بتوفير المال لا باستثماره وخلق فرص مالية جديدة، وإنّ هذا التّوفير عادةً لا يكون عبر البنوك، حيث هناك هامشّ للرّبح، بل عن طريق صندوق خاصّ في البيت".

من هنا، يرى عبدالله مالك وجوب تحالف المنظومات المعنية بخلق تحوّلات في التفكير والسّلوك، من أجل جعل ثقافة الاستثمار والمبادرة بإنشاء المؤسسات الصّغيرة والمتوسّطة ثقافة يومية لدى الجزائريين، "نملك وزارة في هذا الباب منذ سنوات، ونملك صناديق داعمة ومشاريع حكومية تمنح قروضًا مغرية، لكنها بقيت محدودة الأثر لأنها لم تسعَ إلى نشر هذا النّوع من الثّقافة في أوساط الشّباب"، يقول مالك.

جعل هذا الواقع عبد الله مالك يبادر إلى تأسيس حاضنة الأعمال "سيلابس - Sylabs". وهي أوّل حاضنة أعمال خاصّة ومسرّعة لنموّ الشّركات الناشئة. وقد استطاعت خلال فترة قصيرة أن تُخرج للنّور العديد من الشّركات النّاشئة، وتكوّن عددًا كبيرًا من روّاد الأعمال الشّباب فضلًا عن إطلاقها ملتقًى في نسختين متتاليتين، بات يُعدّ أكبر تجمّع للشّركات الناشئة ورجال الأعمال والحكومة في الجزائر.

"حين قرّرت إطلاق شركتي، وضعت عيني على بعض التّجارب في البلدان، التي كانت في فترة قريبة شبيهة من حيث الوضع الاقتصادي بالجزائر. ليس من باب التّقليد، فهذا الحقل ينعشه الابتكار لا التّقليد، ولكن لتفادي الأخطاء والاستفادة من الخبرات ومحاولة فهم سياقات الفشل والنّجاح، مع مراعاة الخصوصية الجزائرية"، يقول عبدالله مالك، موضحًا: "ذلك أنّه من التعسّف القفز على الخصوصيات المحلّية، من زاوية الذّهنيات وردود الأفعال.

ويضيف: "على الشابّ المبادر بمثل هذه المشاريع أن يقدّم للمشهد الاقتصادي مشاريعَ ناجحةً، حتّى يستطيع اكتساب ثقة المستثمرين، لأنّهم لا يغامرون بأموالهم بناء على أحلام شبابية لا تملك أرضية في الواقع".

يذكر محدّثنا دار "الجزائر تقرأ" للنّشر بصفتها نموذجًا للشّركات النّاشئة، التي كانت ثمرة ناجحة لحاضنة "سيلابس": "لقد استطاعت هذه الدّار في أقلّ من عامين أن تتغلغل في أوساط الشّباب، وتزرع فيه ثقافة القراءة، وتستقطب كتّابًا وازنين من داخل وخارج البلاد. حتى أنّها نافست خلال الدّورة السّابقة من المعرض الدّولي للكتاب دورًا تأسّست منذ سنوات، وحظيت بدعم وزارة الثّقافة".

اختار فوربس عبدالله مالك ضمن قائمة أفضل 30 رائد أعمال شاب في الجزائر لعام 2018، وكان الوحيد في القائمة من الجزائر  

أهلت هذه النّجاحات عبد الله مالك إلى أن يُختار ضمن قائمة "فوربس" للمؤثّرين، مع أهمّ 30 شخصية شابّة واعدة في مجال ريادة الأعمال في أفريقيا لعام 2018. وقد كان الجزائريّ الوحيد في القائمة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

طلبة الجزائر.. أحلام صغيرة، مشاريع كبيرة

مخترعون جزائريون.. تحت عدسة التجاهل