ألترا صوت - فريق التحرير
يبدو أن الأزمة في فرنسا فيما يتعلق بتعاطي الحكومة الفرنسية مع المؤسسات الإسلامية في طريقها إلى دخول منعطف جديد في الأيام القادمة، خاصة بعد التصعيد الأخير من وزير الداخلية جيرالد دارمالين، الذي أعلن يوم الخميس 3 كانون الأول/ديسمبر 2020 عن النية بالقيام بحملة تقصّي وتفتيش لـ76 مسجدًا في فرنسا، يشتبه بأنها ذات "نزعات انفصالية"، وأنه سيتم إغلاقها في حال تأكدّت شكوك الحكومة. وفق ما نقله تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز المملوكة لشركة نيكاي اليابانية.
تشهد فرنسا منذ عدة أسابيع حملة تصعيد في الخطاب الرسمي ضد المؤسسات الإسلامية ترافقت مع أحداث العنف التالية لنشر رسومات تشارلي إيبدو المسيئة للنبي محمد وتصاعد التحريص العنصري ضد المسلمين
يأتي هذا التصعيد بعد أسابيع من الأزمة التي شهدتها فرنسا، على إثر نشر صحيفة تشارلي إيبدو رسومًا رأى فيها المسلمون أنها مهينة للنبي محمد، والأحداث العنيفة التي تبعت هذه الخطوة، أبرزها قيام والد أحد الطلاب، وهو شيشاني معارض للرسوم، بذبح أستاذ جامعي بسبب عرضه للكاريكاتير داخل غرفة الصف، وذبح ثلاثة أشخاص قرب كنيسة في نيس كرد فعل على ما تم اعتباره اضطهادًا للمسلمين في فرنسا وإهانة لمعتقداتهم.
اقرأ/ي أيضًا: فرنسا.. المحتجون يعودون هذا الأسبوع
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أعلن قبل شهر تقريبًا، أن حكومته ستضع قانونًا للتصدي "للانفصالية الإسلامية"، وأن حكومته ستعدّ قيودًا مشدّدة على الجمعيات الدينية والثقافية وحظرًا على التعليم في المنازل.
هذا في الوقت الذي يوجد في فرنسا اليوم قرابة 4.5 مليون مسلم، يمثّلون 6 % من مجمل الشعب الفرنسي، وهو أكبر عدد للمسلمين في دول غرب أوروبا. كما يوجد في فرنسا أكثر من 2500 مسجد، يتبع معظمها لمؤسسات وجمعيات دينية في تركيا ودول شمال أفريقيا. فيما يتمتع قسم من هذه المساجد والجمعيات بإدارة ذاتية، الأمر الذي يثير قلق السلطات الفرنسية ويوفر أرضية لخطابها المتعلق "بالانفصالية".
وفق ما تستمر الحكومة الفرنسية في الحديث عنه، فإنها تريد التتحقّق من الأعمال التي تتمّ داخل هذه المساجد، والتأكد ما إذا كان دورها مقتصرًا على تأدية الواجبات الدينية، أم أنها تُستخدم كمراكز للتجمع وإطلاق "الحركات الانفصالية"، وتغذية خطاب العنف. بينما يرى كثيرون في هذه الإجراءات تقييدًا لحريتهم في ممارسة شعائرهم الدينية، ويتهمون الحكومة في المقابل بتغذية خطاب الإسلاموفوبيا والكراهية ضد المسلمين، والانطلاق من حوادث فردية وإسقاطها على 4.5 مليون مواطن فرنسي مسلم.
في ذات السياق أثار قرار وزير الداخلية الفرنسي الأخير جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، بين مؤيد ورافض له. حيث كان وزير الداخلية دارمالين قد غرّد على تويتر مساء الخميس معلنًا قرار حكومته الجديد. وقد قام 500 شخص بإعادة نشر التغريدة، وانهالت التعليقات التي حملت آراءً مختلفة.
أحد المتابعين، ويدعى ماجد، نشر صورة لجدارية كُتب عليها "فرنسا بلاد حرية التعبير" مع صورة لطفل يتبوّل عليها، في رفض واضح لما يعتبره ازدواجية في المعايير. بينما مغرد آخر يكتب تحت اسم "نملة صغيرة"، مستخدمًا أسلوب السخرية، اعتبر أن القرار سيؤدي إلى ردات فعل عنيفة، خاصة وأن الوزير استخدم تويتر لإعلان قرار.
اقرأ/ي أيضًا: حوار| آلان غريش: الإسلام في فرنسا لا يزال موضوعًا استعماريًا
مغردون آخرون أيدّوا قرار الوزير، بل ودعوه إلى اتخاذ قرارات أكثر جذرية في المستقبل. فكتب أحدهم "لقد حان الوقت لإرساء النظام في هذا البلد. هذه المشاغبات الأسبوعية لم تعد مقبولة". في المقابل، نشر الطاهر ميلدجا صورة تضم كل من ماري لوبان وجيرالد دارمانين، بعدما قام بخلط اسميهما وملامح وجهيهما، في إشارة منه إلى أن سلوك الوزير يميني عنصري، وهو ترجمة لأدبيات وخطابات ماري لوبان، المرشحة السابقة للانتخابات الفرنسية، والتي وعدت في برنامجها الانتخابي بفرض تدابير قاسية ضد المهاجرين ومن ضمنهم المسلمين.
من جهتها، اعتبرت فاطمة تال أن قرار الوزير اليوم يأتي في محاولة من الحكومة لصرف النظر عن الهمجية التي تستخدمها الشرطة الفرنسية لقمع المحتجين أصحاب المطالب المعيشية. الإسلام دائمًا في الواجهة، شماعة لتغطية تقصير الحكومة وآخرها كان في الموضوع الصحي بحسب فاطمة.
يبدو أن الأيام المقبلة ستكون حبلى بالتطورات الدراماتيكية، خاصةً في حال أقفلت الحكومة الفرنسية عددًا من المساجد. تطورات تأتي في وقت تمر فيه فرنسا بحالة عصيبة على مختلف النواحي الاقتصادية والاجتماعية، فيما يبدو ماكرون عاجزًا حتى عن تنفيذ التسوية للخروج من الأزمة السياسية في بلد صغير كلبنان، وفي زمن لا يزال فيروس كورونا يسجل فيه أرقامًا مخيفة يوميًا في فرنسا، بدون نجاح الحكومة في التعامل معه. كل هذا دون تقديم أي بادرة من شانها تجاوز حالة الغضب القائمة من مثل هذه السياسات ومن نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد، إذ شهدت عدة عواصم عربية وإسلامية أيضًا تظاهرات وحملات مقاطعة للبضائع الفرنسية على خلفية ما سبق.
اقرأ/ي أيضًا: